التعديل الدستوري لسنة 2020 أسّس لمرحلة جديدة    إرهابي يسلّم نفسه وتوقيف 8 عناصر دعم    اجتماع تقني لرفع مستوى المبادلات التجارية    سايحي يؤكّد الحرص على حماية حقوق العمال    غلق مؤقت وجزئي لحركة المرور بالعاصمة    الخضر يبحثون عن الأداء والنتيجة    حرب شعواء ضدّ مروّجي الفيديوهات المخلّة بالحياء    تركيب 208 آلاف كاشف عن تسرّب للغاز    ميسي يكسر رقم رونالدو!    قويدري يلتقي السفير الأوغندي    العرابي: الشعب الصحراوي هو من سيقرّر مصيره    بن دودة: الجزائر شريك فاعل    بلمهدي يزور معرض الحج    الرئيس تبون يعفو عن بوعلام صنصال    توزيع جوائز مشروع "البحث عن السفراء الثقافيين الشباب الجزائريين الصينيين" بالجزائر العاصمة    إبراز ضرورة حماية المنتجات التقليدية وطرق تسويقها وطنيا ودوليا    إصابة 32 شخص بجروح متفاوتة الخطورة ببجاية    خنشلة : توقيف 06 أشخاص و حجز 3750 مهلوسات    وزير الأشغال العمومية ينصب لجنة مرافقة ومتابعة تمويل المشاريع الهيكلية للقطاع    تفتك جائزة "لجدار الكبرى " للمهرجان الثقافي الوطني للأغنية الملتزمة    مؤشرات اقتصادية إيجابية ومشاريع الرقمنة ستعزز مسار الإصلاحات    الجامعة العربية تعقد جلسة حول "التجويع كسلاح حرب"    رؤساء المجموعات البرلمانية يشيدون بالرؤية الوطنية المتكاملة للنص    ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 69182 شهيدا و170694 مصابا    الأوضاع الإنسانية بغزة ما زالت مروعة    بحث سبل تعزيز التعاون الجزائري-الأردني    في بيان لها حول انتشار "الجرب" في بعض المدارس    توسيع التعاون ليشمل الصناعة التحويلية والتكنولوجيات الحديثة    متابعة تجسيد البرامج التكميلية للتنمية    تدابير جذرية وصارمة لوقف إرهاب الطرقات    توحيد مواضيع الاختبارات وفترات إجرائها    تصدير فائض الطاقة يفتح آفاقا لتوسيع الاستثمارات    "سلام تصدير +" لدعم الصادرات الوطنية    786 حالة سرقة للكهرباء    اختبار تجريبي قبل ودية أقوى مع السعودية    مدرب منتخب ألمانيا يردّ على تصريحات مازة    ندوة دولية كبرى حول الشاعر سي محند أومحند    نحو تجسيد شعار: "القراءة.. وعي يصنع التغيير"    مساحة للإبداع المشترك    تحديد منتصف جانفي المقبل لعودة غويري للمنافسة    مقلّد الأوراق المالية في شباك الشرطة    12 مصابا في اصطدام بين حافلة وشاحنة    بونعامة يبرز أهمية اعتماد معايير الجودة    الجزائر وأنغولا تجمعهما مواقف مبدئية    بلمهدي يُوقّع اتفاقية الحج للموسم المقبل    إنطلاق "الملتقى الدولي للمبدعين الشباب" بالجزائر العاصمة    أسبوع القافلة السينمائية للأفلام الثورية " من 9 إلى 13 نوفمبر الجاري    جهود متميزة تبذلها الجزائر لتهيئة الظروف الملائمة للاجئين الصحراويين    ستورا يدعو فرنسا للاعتراف بجرائمها في الجزائر    بلمهدي في السعودية    من ينصف الأسرى الفلسطينيين أحياء وأمواتا؟    الطبعة الرابعة لنصف مراطون "الزعاطشة" ببسكرة    عبد الرحمان بن عوف .. الغني الشاكر    غنى النفس .. تاج على رؤوس المتعففين    فتاوى : واجب من وقع في الغيبة دون انتباه وإرادة    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    مؤسسة Ooredoo تبرم شراكةً رسميةً مع نادي مولودية وهران    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرية التعبير من التضييق إلى التقييد
نشر في المواطن يوم 15 - 05 - 2019

ساهم حراك 22 فيفري منذ انطلاقه في فك عقدة الخوف لدى الجزائريين، إذ اعتمدت السلطة قبل ذلك التاريخ على استغلال مآسي العشرية السوداء لكبت آراء معارضيها بتخويف المواطنين من التدحرج مجددا في دوامة العنف، فأضحى كل نقد للسلطة بمثابة دعوة صريحة لعودة العنف والتقتيل. وعلى الرغم من أن الكثير من مواد الدستور تضمن حرية التعبير إلا أن الواقع يعبّر عن أمر آخر، فالمواطن الجزائري لم ينعم بحرية حقيقية في إبداء آرائه إلا مع الأسابيع الأولى من بداية الحراك ، إذ مارسها بكل احترافية من دون أن يتجاوز الحدود المتعارف عليها دوليا، لكن مع إقالة الرئيس المنتهية عهدته بدأت وتيرة تقييد الحريات تتزايد وتتسع وكأن الدور المنوط بالحراك قد اكتمل انجازه بتنحية الرئيس وما على الشعب إلا العودة إلى منازلهم أو أكواخهم والكف عن المطالبة بحقوقهم المشروعة، حيث عدنا من جديد إلى الأسطوانة البالية التي سئم الجزائريون سماعها منذ عقود، والمتمثلة في الأيادي الخارجية، والعمالة والتخابر والمتربصين بنا وهلم جرا .
الملاحظ أنه منذ شهر تقريبا بدأت السلطة تشد الخناق على الحراك بشكل متسارع، بدءا بغلق النفق الجامعي ثم سلالم البريد المركزي، وبعض الساحات الكبرى في مختلف ربوع الوطن، وشيئا فشيئا نتّجه نحو مزيد من التقييد وفق تعامل السلطة المتشدّد اتجاه المطالب المشروعة، حيث سيفرض حظر على التظاهر في بعض أحياء العاصمة ليمتد إلى كامل الولاية ثم يشمل بعد ذلك الولايات الأخرى تبعا للذرائع التي ستختلق آنذاك، وكأنها تدفع بالمواطنين إما بقبول الأمر الواقع والتوقيع على خارطة الطريق التي رسمها النظام، أو خنق الحراك بمختلف الوسائل المتاحة إلى غاية القضاء عليه. والمؤسف أن هناك مشروعان على الطاولة، أحدهما عرضه الشعب ويتمثل في استعادة حقوقه الدستورية تامة وكاملة حاملا مطلب تغيير النظام وإسقاط رموزه ومذكرا أنه المصدر الحقيقي للسلطة، والسلطة التأسيسية هي بين يديه وليست بين ثنايا مادة أو مادتين من الدستور الذي خاطه بوتفليقة على مقاسه، والثاني قدّمته السلطة وبنته على المادة 102 من الدستور حيث تتشبث بتطبيقها حرفيا على الرغم من معارضة أغلبية الشعب لذلك المسار لما يشكّله من خطورة على استقرار البلد، لأن أصل المشكلة ليس في شخص الرئيس بل في آليات انتخاب الرئيس، فالسلطة تريد استمرارية عرف التعيين في حين يطالب الشعب بحرية الاختيار، فما كان لأصحاب القرار إلا دق طبول التهويل والتخويف من الوقوع في فراغ دستوري، على الرغم من أن هذا الدستور لم يحترم البتة من قبل رموز السلطة المتساقطة، والأمثلة عن ذلك كثيرة، وآخرها إلغاء الانتخابات من قبل رئيس منتهية عهدته من دون تحرك أية جهة لمعارضة ذلك القرار اللادستوري، لتأتي استقالته المتأخرة وتفعيل المادة 102 كوسيلة لحماية مصالحه ومصالح الزمرة المحيطة به من أية محاسبة، فلماذا الإصرار على التخويف بالفراغ الدستوري والعالم أجمع يشهد بتحضر وسلمية الشعب الجزائري الذي يستطيع أن يضع لنفسه بسرعة دستورا على مقاس الشعب لا على مقاس الرؤساء المعيّنين؟
تقوم السلطة منذ أيام بمحاولة إسكات الأصوات المعارضة لها والمنادية بالتغيير بحيث أصبح جليا أن المساندين الوحيدين لورقة الطريق التي رسمها النظام هم أحزاب السلطة التي كانت تنادي بتعجيل فخامته الترشح لعهدة خامسة، ثم أضحوا مساندين لبرنامجه غير المعلن مثلما ساندوا من قبل خلال عهداته السابقة بكل ثقلهم لدرجة أن من ينكر إنجازات فخامته حسب رأيهم ما هو إلا جاحد، ويمكن أن نتفهم انقلابهم السريع ومساندتهم المطلقة للسلطة القائمة الآن بحكم الملفات الثقيلة التي يحملها إطارات تلك الأحزاب وتخوّفهم من المتابعات القضائية، في حين نجد تشبث الشعب بمطالبه وإصراره على التغيير وعلى إقامة نظام جمهوري مدني متحديا مختلف العراقيل التي تضعها السلطة أمامه. وسنوضح في ما يلي أن ما تقوم به السلطة لكبت أصوات الحراك ليس قانونيا و يتنافى مع مواد الدستور التي يطالب النظام في كل مرة باحترامه، فالمادة 34 مثلا تنص على أن مؤسسات الدولة عليها أن تضمن للشعب المشاركة الفعلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فلديه إذن الحق في إبداء آرائه السياسية وعلى المؤسسات مساعدته في تأديته هذا الدور لا عرقلته، خاصة وأن الأزمة التي تعيشها الجزائر سياسية بالدرجة الأولى، وبالتالي فعملية غلق الطرقات أمام المواطنين الراغبين في المشاركة في المظاهرات السلمية للتعبير بكل حرية عن آرائهم السياسية غير قانوني ويمس مادتين أخريين من مواد الدستور: المادة 49 التي تنص على أن حرية التظاهر مضمونة للمواطنين، والمادة 55 التي تنص على أنه من حق أيّ مواطن التنقل بحرية عبر التراب الوطني، ولا يمكن لأيّ جهة المساس بحرية التنقل إلا إذا كانت بموجب قرار مبرّر من السلطة القضائية ولمدة محدّدة، فهل السلطة القضائية قد أصدرت قرارا تمنع الجزائريين من الانتقال إلى العاصمة؟ فلم لم يتحرك القضاء لردع تلك الممارسات؟ الأمر نفسه نجده في الممارسات التعسفية للولاة بمنعهم المواطنين من تنظيم ندوات أو محاضرات يشارك فيها معارضون للسلطة القائمة وهو أمر غير قانوني يتنافى مع المادة 48 من الدستور التي تنص على ضمان حرية التعبير للمواطنين، فالشعب ليس ملزما دوما بمسايرة التوجهات التي تأتي من السلطة لذلك وجب على السلطات القضائية بفعل حريتها المستعادة من قبل الحراك أن تتحرك بدورها للحد من تلك الممارسات الستالينية التي تذكرنا بعهد الحزب الواحد البائد، إذ عاد التعتيم الإعلامي المفروض على القطاعين العام والخاص بقوة حيث نلاحظ الدعاية الكثيفة المساندة لتوجهات السلطة أمام انحسار الآراء المعارضة لها وهو أمر لا يتماشى البتة مع الواقع ومع مطالب حراك الملايين من المواطنين في الشارع. ونجد المادتين 50 و51 تنصان صراحة على ضرورة عدم تقييد الصحافة بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، والمواطن لديه الحق في الحصول على المعلومة وعدم حجبها، فهل ستتحرك العدالة ضد وزارة الاتصال ووزارة البريد والاتصالات التي تحجب المواقع وتحد من تدفق الأنترنيت، وبالتالي عدم وصول المعلومة إلى المواطنين؟
لا يمكن لأي بلد أن يتباهى بالعدالة والديمقراطية إن لم يضمن حرية تعبير حقيقية لمواطنيه، فالرأي والرأي النقيض لا بد منهما لأنهما ببساطة يساهمان في تنوير الرأي العام وإظهار العيوب للتمكن من إصلاح الخلل في مختلف المؤسسات، وبهما تتحقق العدالة والتقدم والرقي، أما الانغلاق في بوتقة الرأي الواحد وجعله وحيا ربانيا منزلا سيخلق دوما أنظمة ديكتاتورية لا يمكن إخفاؤها ولو بارتداء ألف عباءة ديمقراطية وهمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.