لم تعد أغاني درياسة التي تتزامن مع امتحانات البكالوريا تغري أحدا أو حتى تثير فينا نشوة الانتصار ، فالأمر لم يعد يهم كثيرا، فالنتيجة مهما كانت دوما واحدة، فبعد سنوات البكالوريا والجامعة تكون "الحرڤة" هي الحل للمخ الجزائري، الذي أقفلت في وجهه كل أبواب الإبداع والنجاح، فالعلم والفكر أشياء ثانوية ومقاييس ضعيفة لبناء مستقبل مضمون لذا لا داعي للتعويل على الشهادات مهما كان حجمها أو شكلها ومصدرها، خاصة إن كان صاحبها من أولاد "الزوالية" الذين لا يمتلكون رصيدا بالعملة الصعبة. ولا داعي لأن تتخرّج من أمهات الجامعات الإنسانية لتصير شاعرا أو كاتبا، فيكفيك فكّ الخط لتكتب قصيدة على شاكلة "نديها ونروح ولا طيح روح"، فتصير أشهر من الأخطل، وأغنى من نزار قباني، أما إذا أدى كلمات أغنيتك الشاب خالد الذي يفرش له البساط الأحمر رغم أنه ليس خريج جامعة ومستواه يتراوح بين الصفر وبعض سنين الدراسة، فتلك عبقرية تحسب لك يحسدك عليها حتى لوط بوناطيرو، وكيف لا تكون عبقرية وقد استضافته أشهر القنوات الفرنسية في فترة من الفترات وجعلت منه محللا سياسيا تضحك به علينا وعلى ما كنا فيه، فلا داعي إذًا لحرق أعصاب القلب والمخ معا لتتخرّج بشهادة دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فقد كفاك الشاب خالد و"الحاجة الزهوانية" عناء تحليل الأوضاع وتشريحها، كلما ظهروا في قنوات أجنبية، ولا داعي للاهتمام بالعلم إطلاقا فالكثير ممن خانهم "سعدهم" في الدراسة صاروا نوابا في البرلمان، ومنهم من لم تطأ قدماه المدرسة أبدا.. ورغم ذلك يشارك في صناعة قوانين الجامعات والتعليم العالي، وللأسف ما يحدث هو واحد من الصور التي لم نستطع تداركها، حيث بات الجيل الجديد يضيع، رغم الشهادات التي تميز الكثير منه، فلم يعد للكثيرين سوى العضّ على أصابع اليد ندما على ما ضاع من أعوام العمر في الدراسة، حتى صار الحل الوحيد الأوحد في نظر الكثيرين هو "الحرڤة" فربما هناك تتصدق على الشباب الجزائري الصدف ويصير الطبيب طبيبا فعلا والمهندس مهندسا، أما هنا فسنورّث مهنة الوالد، إن كان عاملا في سوناطراك فقد ضمنت مستقبلك وإن كان وزيرا فقد ضمنت منصبا عاليا، وإن كان عاطلا عن العمل فتأكد أنك ستكون بدورك عاطلا، لكن ليس عن العمل بل عن الأمل، وإن كان غير ذلك فهو قدرك.. وفي انتظار يوم تشرق فيه الشمس على أصحاب الشهادات، فلن يغني درياسة "جابو البكالوريا جابوها جابوها"، بل سيحوّلها إلى "وصلوا الحراڤة وصلوها وصلوها" حين تأتينا الأخبار بأن أبناءنا وصلوا إلى سردينيا عبر قوارب الموت، وسترتفع زغاريد الأمهات مدوية لتعمّ الوطن.