الفضاءات العمومية لطالما كانت مصدر إلهام المفكرين والمبدعين وفضاء مشتركا يساعد على التواصل الاجتماعي والترفيه على النفس ما جعل الدولة تضخ أموالا في إنشاء فضاءات عمومية في العاصمة على اختلافها من متاحف ودور السينما وحدائق.. فضاء ميسوني قبلة المسنين الفضاءات العمومية لطالما كانت مساحة مشتركة للتعارف وبناء الصداقات حتى بين المسنين وهذا ما نجده بساحة ميسوني (فرحات بوسعد) من خلال تلك المساحة التي قسمت لجهتين، واحدة خاصة بالنساء وأخرى بالرجال، حيث يقبل على هذا الفضاء عدد لا بأس به يوميا. فبالكاد ترى تلك الكراسي فارغة، إلا إذا ساءت أحوال الطقس ويأخذ كبار السن حصة الأسد من ذلك، حيث يوجد منهم من يقصدون المكان بصورة يومية لاسيما قاطنو المناطق القريبة، أين يجدونه متنفست لهم رغم بساطته ومكانهم المفضل للاجتماع والتكلم عن شتى المواضيع وفي كل الجوانب الاجتماعية، الاقتصادية الرياضية وحتى السياسية، حيث يكثر الجدال والنقاش وتتضارب الآراء، هي الأجواء الطاغية على الفضاء العمومي الرجالي بحي ميسوني، وعن رأيه في هذا الفضاء يقول أحدهم: «ساحة ميسوني هي الوجهة المفضلة لشيوخ وعجائز ايأتون من الأحياء القريبة، وبغض النظر عما تتبادله النساء من أحاديث، نجده نحن الشيوخ مكانا لتبادل الأفكار، خاصة وأن أغلبنا لا يجد من يسمع لحديثه الطويل سوى شيخ مثله، وهذا الفضاء معروف بتوافد فئة معينة من شيوخ ذلك الحي، ولكن هذا لا يمنع من التعرف على بعض الأشخاص الجدد الذين يقصدون المكان لأخذ قسط من الراحة»، هذا وتلعب الفضاءات العمومية دورا اجتماعيا كبيرا لا يقتصر على التعارف وبناء الصداقات بين مختلف الفئات، بل تطورت إلى بناء علاقات متينة، يقول عمار 68 سنة: «ترددي على ساحة ميسوني جعلني أتعرف على شيخ كان هو من أخرج ابني من أزمة البطالة التي اعتنقته منذ أن تخرج، وأثناء تبادلنا يوما لأطراف الحديث قال لي أن ابنه مسؤول بإحدى الشركات وبإمكانه توظيف ابني وهذا ما حدث فعلا». الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة للمساحة المقابلة، أين وجدت النسوة ضالتهن في تبادل أطراف الحديث، حيث تقصدن المكان خلال الفترة الصباحية قبل التسوق أو بعده، في حين تفضل بعض العجائز الاجتماع خلال الفترة المسائية، أين تجلب إحداهن منسجا خيطيا لتكمل ما كانت قد بدأته من أعمال يدوية، فيما تفضل بعضهن اصطحاب أحفادها ليغيروا قليلا من جو البيت، وإن اختلفت نوعا ما الأحاديث التي تميز الجلسات النسائية، فالمرأة بطابعها تسعى دوما لإفراغ شحنة الهموم التي لاقتها طول حياتها، وأخرى تشتكي جارتها، زوجها أو أم زوجها أو حتى كنتها لتفتح القلوب على بعضها، تقول إحداهن: «أقصد المكان يوميا خلال الفترة المسائية، حيث أجتمع ببعض صديقاتي، وكل واحدة تحكي ما طرأ على حياتها من جديد لنستمتع بارتشاف الشاي وأكل «المحاجب» التي تأتي بها إحدانا أو نشتريها من محل مختص في صناعتها بالقرب من المكان»، كما تتذكر أخرى أن هذا الفضاء كان مكان التقاء نساء ما كان يعتقدن يوما أنهن سيسامرن بعضهن، فتقول: «بنت العديد من العجائز علاقات صداقة متينة انطلاقا من هذا المكان الذس يجتمعن فيه لدرجة أن الواحدة تطلب يد ابنة الأخرى لتكون زوجة لابنها أو أخيها أو أحد معارفها». إن هذا الفضاء كان ومازال مقصد الكثير من المسنين لكسر الروتين اليومي الذي يلازم أغلبيتهم، وكان فرصة أيضا لبناء أسر جديدة بشهادة الكثيرين ممن تعودوا على المكان. حديقة الحامة المتنفس الوحيد للعائلات العاصمية يشتكي سكان العاصمة من قلة الفضاءات العمومية بها حيث تزداد الحاجة إلى هذه الأماكن بدخول العطل المدرسية، ليبقى الأولياء في حيرة من أمرهم، إلى أين يأخذون أولادهم، حيث يجدون بعض الحدائق لا ترقى لتكون مكانا للاستراحة رغم أنها مخصصة لذلك ويجمع الأغلبية أن حديقة الحامة أنسب مكان لذلك ما يفسر الإقبال المتزايد عليها منذ أن فتحت أبوابها رغم الشروط المفروضة على الزائرين، ورغم ثمن الدخول، إلا أن ذلك يهون في سبيل قضاء ساعات من الراحة وسط تلك الخضرة أو التمتع بمشاهدة الحيوانات، فحديقة الحيوانات تعد هي الأخرى فضاء مشتركا تسمح للطفل بالتعرف على أسمائها والتقرب منها وكسر حاجز الخوف لديه. الفضاء المدرسي والسكني يتطلب وجود مساحات خضراء المدرسة ورغم أنها فضاء للتربية والتعليم، إلا أن المختصين يرون ضرورة توفير مساحات خضراء داخل المحيط المدرسي والتي يمكن أن تستغل في جملة من الأنشطة التي تجعل الطفل لا يمل المدرسة، بل ويتشوق للذهاب إليها، كما تساهم تلك الرحلات التي تنظمها المدارس ودور الشباب والجمعيات للمساحات الخضراء إلى ترسيخ مبدأ الحفاظ على البيئة عند الطفل، وفي نفس السياق نلاحظ ذلك الحرص على توفير فضاءات عمومية ومساحات خاصة للعب بكل الأحياء الجديدة، وذلك بهدف أن يحظى طفل المدينة ولو بجزء قليل من الراحة التي تمنحها الطبيعة، فقد تبين أن أطفال المناطق الداخلية يستفيدون من الطبيعة أكثر من غيرهم، فتجدهم ينطلقون بين أحضانها لتبعث تلك الخضرة على الاطمئنان في نفوسهم، حيث تشير الدراسات ما للفضاء الأخضر من فوائد علاجية تضاف إلى الجانب الترفيهي، يستفيد كل المواطنين من الفضاء العمومي بدون استثناء، لذا تقع على عاتقهم مسؤولية حمايته جماعيا من خلال تنظيم طريقة الاستفادة من جل تلك الفضاءات والحدائق العمومية وتجنب أشكال التحطيم لكل ما هو عمومي.