جميل جدّا أن نتكلّم عن الاحتراف في الجزائر، لكن الأجمل أن نفهم ماهية هذه الكلمة، فأن يتحوّل الاحتراف في بلادنا إلى دماء وقتل فهذا الذي يجعل المعنى الحقيقي لكلمة الاحتراف بريئة ممّا تشهده ملاعبنا من عنف وصل إلى ذروته السبت الماضي بمتقل لاعب شبيبة القبائل إيبوسي بمقذوفة رماها عليه أحد الجماهير المتعصّبة من مدرّجات أوّل نوفمبر. في مطلع عام 2010 أطلّ علينا رئيس (الفاف) محمد روراوة بمشروع الاحتراف وفق مقاسه دون مشاورة أصحاب المهنة، وراح يعِد الجميع بأن مشروعه الجديد سيخرج كرتنا (المسكينة) من الظلمات إلى النّور و...، لكن هيهات وهيهات. فها هو (احتراف) روراوة يتحوّل إلى غول حقيقي بعد أن صارت ملاعبنا عرضة ل (همجية المشاغبين) وعلى ميادينها (الخضراء) تسيل الدماء، بل تزهق الأرواح، فبأيّ ذنب قتل إيبوسي؟ ما بني على باطل فهو باطل كما سبق الذكر، في الثلث الأوّل من سنة 2010 راح رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم محمد روراوة يعِد بتطبيق الاحتراف مع حلول موسم 2010 - 2011، وفعلا تمّ تطبيقه وفق أهوائه الخاصّة دون مشاورة أصحاب المهنة، مدرّبين كانوا أم تقنيين، وهذا الذي يجعل من احتراف البطولة الجزائرية بقسميها الأوّل والثاني أشبه بتلك الحكايات الخرافية التي كانت تحكيها لنا جدّاتنا ونحن صبيان لننام عليها. فالتجربة علّمتنا أن كلّ ما بني على باطل فهو باطل، وهو حال الاحتراف في الجزائر. في الدول المتقدّمة وقبل تطبيق أيّ قانون يتمّ مشاورة أصحاب المهنة والاختصاص، ويتمّ طرح المشروع للنقاش وكلّ واحد يدلي برأيه بطريقة علمية وحضارية ويخرج المجتمعون بنتائج إيجابية، لكن عندنا وللأسف ورغم أن الاحتراف يحتاج إلى دراسات معمّقة قبل تطبيقه راح رئيس الاتحادية محمد روراوة قبل أربع سنوات من الآن يقرّ بتطبيقه بطريقة غريبة لم يجد لها حتى العارفون بخبايا ما يجري في قصر دالي ابراهيم مقرّ (الفاف) تفسيرا، خاصّة وأن الطريقة التي طبّق بها في وقت وجيز أثارت الكثير من التساؤلات. أسئلة ما تزال تبحث عن جواب ترى لماذا لم يطرح مشروع الاحتراف للنقاش؟ ولماذا أصدر رئيس الاتحادية في شهر ماي 2010 بانفراد ودون مشاورة أحد تعليمته الشهيرة بتطبيق الاحتراف في الجزائر؟ تلكم من بين الأسئلة التي نا يزال يطرحها رجال الميدان بعد أربع سنوات. صحيح أن (الفيفا) تطالب جميع الهيئات الكروية المنضوية تحت لوائها بضرورة تطبيق الاحتراف، وأنه لن يكون بإمكان أيّ فريق مهما كان المشاركة في المنافسات الدولية إن لم يكن محترفا، لكن ذات الهيئة أعطت مهلة لتطبيق الاحتراف على المستوى العالمي، وهنا أفتح قوسا لأشير إلى أن رئيس الاتحادية لم يفسّر معنى كلمة الاحتراف الذي تطالب به هيئة بلاتير، لذا كان من الواجب على رئيس الاتحادية آنذاك أن يفتح باب النقاش ويدعو رجال المهنة إلى جلسات لطرح انشغالات الجميع وكلّ واحد يدلي برأيه في الموضوع بكلّ شفافية وديمقراطية، لكن أن يصدر القرار قبل أربع سنوات من الآن من طرف شخص واحد دون غيره بإلزامية تطبيق الاحتراف في الجزائر دون طرحه للنقاش هنا يكمن الإشكال، خاصّة وأن الطريقة التي تسيّر بها البطولة الجزائرية الاحترافية بقسميها الأوّل والثاني يطرح أكثر من تساؤل. الآن وبعد مرور أربع سنوات من تطبيق الاحتراف ما تزال العديد من علامات الاستفهام دون جواب، منها على وجه الخصوص الطريقة التي تمّت بها ترقية أولمبي المدية إلى القسم الثاني الممتاز موسم 2010 - 2011 وهو الذي فشل في الصعود إليه. صحيح أن فريق أولمبي المدية فريق عريق وله تاريخ في كرة القدم، لكن هذا لا يمنعنا من التشكيك في الطريقة التي تمّت بها ترقيته إلى القسم الاحترافي الثاني على حساب فِرق تستحقّ هي الأخرى أن تتمّ ترقيتها. تشجيع للبزنسة المكشوفة الذي يجب أن يعلمه الجمهور الرياضي الجزائري هو أن الاحتراف المطبّق حاليا جاء تشجيعا للبزنسة والربح السريع وملء الجيوب بمال (شْعيَّب الخديم) دون حسيب ولا رقيب. جاء في احتراف (الفاف) في أوّل تعليمة صدرت من هيئته روراوة في شهر ماي 2010 أن جميع الفِرق ودون استثناء معنية بدخول عالم الاحتراف، حتى وإن كان هذا الفريق ينتمي إلى القسم الولائي. وفور صدور تعليمة روراوة سارع جميع رؤساء الفِرق للتوجّه إلى أقرب موثّق قصد تأسيس شركة ذات أسهم برأس مال معيّن، المهمّ بالنّسبة لهم المشاركة في أوّل بطولة احترافية. وبما أن الكرة الجزائرية تعجّ بالغرائب والعجائب كان من البديهي أن يلجأ رؤساء فِرق ينتمي بعضها إلى الأقسام الدنيا إلى تحويل نواديهم إلى شركة ذات أسهم. وممّا زاد في لهث رؤساء الفِرق لتحويل فرقهم إلى شركة ذات أسهم المبالغ الضخمة التي ستمنحها الدولة لكلّ فريق يدخل عالم الاحتراف، فكان من البديهي أن يطالب رئيس فريق يمثّل حيّا في العاصمة بدخول عالم الاحتراف، ليس حبّا في تطوير اللّعبة في بلادنا، بل رغبة في ملء جيوبه، خاصّة وأن احتراف (الفاف) هو تشجيع للبزنسة المكشوفة. تقنين الاحتراف بعد نهاية مونديال جنوب إفريقيا 2010 وجد روراوة نفسه في مأزق، كيف لا وعدد الملفات التي وصلت إلى هيئته والتي يطالب أصحابها بدخول الاحتراف ثلاثة أضعاف أندية القسم الوطني الأوّل، حينها راح يصدر تعليمة جديدة، وكما عوّدنا الرجل في جميع خرجاته السابقة لم يستشر هذه المرة أيّ أحد اللّهم أقرب النّاس إليه ضمن طاقم مكتبه، وأقرّ بأن الأندية المعنية بالاحتراف هي تلك التي تنتمي إلى بطولة القسم الوطني الأوّل والثاني. تعليمة روراوة الثانية أثارت حينها استياء رؤساء الأندية التي كانت قد تقدّمت بملف لدى الاتحادية بدخولها عالم الاحتراف، والهدف من تعليمة روراوة هو تجنّب فضيحة كبيرة قد تشكّل سابقة خطيرة في الكرة الجزائرية، فتفنّن الرجل في إخراج مسلسله الاحترافي بطريقة عجيبة قد يصلح لفيلم اسمه (أنا ولا أحد). التركيبة الجديدة للبطولات الوطنية غير قانونية بعد خروج محمد روراوة سالما من مسلسل (الفضيحة) التي كتبها بيده والمتمثّلة في تقنين الاحتراف بعد أن كذب على رؤساء الأندية الغاضبة عليه بأنه تلقّى تعليمات من (الفيفا) تحذّره من مغبّة السّماح لكلّ من هبّ ودبّ بدخول عالم الاحتراف، في وقت أن (الفيفا) ممثّلة برئيسها وبجميع أعضائها لا علم لهم بما يدور في فلك الكرة الجزائرية اللّهم إلاّ مشاركة منتخبنا في المونديال، أمّا غير ذلك فهو أشبه بسماعنا نحن الجزائريون ببطولة التشاد أو اللوزوتو. وقصد الخروج من المأزق الذي وضع روراوة نفسه فيه جاء الجزء الثالث من مسلسل (أنا ولا أحد) الذي أحسن إخراجه بطريقة عجيبة، ويتمثّل هذا في التقسيم الجديد للبطولات الوطنية، القسم الاحترافي الأوّل والاحترافي الثاني والقسم الوطني الثاني للهواة، فيما أدخلت بعض التغييرات السطحية على تركيبة بطولة ما بين الجهات وما دونها. وبما أن إعادة تركيبة البطولات الوطنية تمّت بانفراد من طرف روراوة وجماعته دون مرورها على الجمعية العامّة للاتحادية للمصادقة عليها، فيعني هذا أن روراوة ناقض نفسه، الأمر الذي يجعل البطولة الوطنية الحالية خارج القانون. شرّ البلية ما يضحك للاحتراف شروط وقواعد علمية أمّا احتراف روراوة فهو (خرافة)، ومرّة أخرى نقول أغبياء من هلّلوا لهذا الاحتراف الذي جيء به وفق ما يخدم مصالح البعض على حساب آخرين، وإلاّ كيف نفسّر إعادة تركيبة البطولات الوطنية دون المصادقة عليها من طرف أعضاء الجمعية العامّة للاتحادية؟ فصّدق من قال (شرّ البليدة ما يضحك). فالاحتراف الذي ولد بعينين مغمضتين ما يزال تشوبه الكثير تناقضات يطول الحديث عنها، وعلى حد المثل العربي نقول كلّ ما بني على وهم فهو وهم. قوانين احتراف "الفاف" خارج قوانين احتراف "الفيفا" في نظرة خاطفة على قوانين احتراف (الفاف) نجده خارج قوانين احتراف (الفيفا)، فمن بين أهمّ بنود الاحتراف في الجزائر تحويل جمعية رياضية إلى شركة ذات أسهم، وأن يتوفّر كلّ فريق على ملعب لا تقلّ قدرة استيعابه عن ثمانية آلاف متفرّج وعدم وجود ديون على عاتق النوادي المحترفة. جميل جدّا أن نتحدّث عن الاحتراف، لكن الأجمل من كلّ هذا هو الغوص في الواقع المُرّ الذي تعاني منه الكرة الجزائرية، خاصّة من حيث التسيير وطريقة جلب الأموال التي يكتنفها الكثير من الغموض. سياسة عضّ البصر التي تنتهجها (الفاف) اتجاه رؤساء الأندية بخصوص طريقة التسيير وجلب الأموال من العوامل التي جعلت الاحتراف في الجزائر أشبه بالأضحوكة. أربع سنوات مرّت على بداية تطبيق الاحتراف في الجزائر، وقد كشفت لنا هذه السنوات حقيقة الاحتراف في الجزائر، فهو أشبه بتلك البناية التي يتمّ طلاء جدرانها الخارجي بالجير، حيث تظهر للعيان رائعة المنظر لكن مع نزول أولى قطرات الغيث يزول لونها وتتحوّل إلى بناية أشبه بالأطلال، ذلكم هو حال الاحتراف في الجزائر، الاحتراف الذي حوّل ملاعبنا وللأسف إلى أخطبوط للموت، الأخطبوط الذي هشّم رأس الكاميروني إيبوسي وأزهق روحه على طريقة أفلام الرعب الأمريكية. نضع ثلاث نقاط كاملة لنقول إنه بما أن إرهاب الملاّعب تحوّل إلى أخطبوط قاتل (أوقفوا بطولة العار، أرجوكم أغلقوا ملاعبنا إلى تاريخ غير مسمّى).