تحتفظ الذاكرة الشعبية الجزائرية، بالكثير من الأمثال والحكم، التي تضربها في مواقف وأوقات معينة، ويحفظها الكثيرون عن ظهر قلب، ويتناقلونها جيلا بعد جيل، وان كان البعض منها مشتركا بين كافة مناطق الوطن، فإن بعضها الآخر يختص بمناطق معينة، ولكنها تبقى في الأخير إحدى أكثر الأشكال التعبيرية انتشارا وشيوعا، سواء في الجزائر أو في غيرها من الدول، حيث لا تخلو منها أيّة ثقافة، فهي تعكس مشاعر الشّعوب على اختلاف طبقاتها وانتماءاتها، وتجسِّد أفكارَها وتصوراتها وعاداتها وتقاليدها ومعتقداتها ومعظم مظاهر حياتها، في صورةٍ حيّة وفي دلالةٍ إنسانية شاملة، وهي بذلك عصارة حكمة الشّعوب وذاكرتها، وتتسم الأمثال بسرعة انتشارها وتداولها من جيلٍ إلى جيل، وانتقالها من لغة إلى أخرى عبر الأزمنة والأمكنة، بالإضافة إلى إيجاز نصّها وجمال لفظها وكثافة معانيها. وحسب بعض المختصين في المجال، فإن الأمثال الشّعبيّة حظيت بعناية خاصّة، عند الغرب والعرب على حد سواء، وتتناول مواقف مختلفة، ولكل جانب من جوانب الحياة، قائمة الأمثال الشعبية الخاصة به، كالزواج والطلاق والعمل والأكل والشرب وغيرها من المظاهر العامة في حياة الأفراد والشعوب. وتعتبر الأمثال الشعبية تحديداً بالنسبة للكثيرين وسيلة مهمة في رفع المعنويات والتشجيع على القبول بالواقع مهما كان، والاعتبار من التجارب التي احتوتها تلك الأمثال، على اعتبار أنها في الأصل تجارب أشخاص حقيقيين، تركوا بصمتهم الواضحة فضربت فيهم الأمثال، سلبا كانت أم إيجابا، غير انه ومع مرور الوقت، أضحت بعض الأمثال الشعبية للأسف، بالنسبة للبعض شماعة تُعلق عليها التجارب الفاشلة، أو وسيلة للتمني والانتظار عوضا عن الكد وبذل الجهد والنشاط، وان لم يكن العيب في الأمثال نفسها، وإنما في طريقة فهمها لدى بعض الأشخاص، فأصبحت لديهم مرادفا ومبررا للكسل والتخاذل، وانتظار ما سيحمله المجهول معها وهي كثيرة يمكننا اختصار البعض منها، خاصة تلك التي يتم تداولها بكثرة، حتى في أوساط كثير من الشباب والمراهقين، ممن يلتقطونها ويحفظونها في ذاكرتهم، ويبنون عليها بعد ذلك آمالهم ويعلقون عليها طموحاتهم وأحلامهم. ومن هذه الأمثال "كل عطلة فيها خير"، أو "الشغل المليح يطول" ، وكذلك "مد رجليك على قد لحافك" أو "كلها وسعدو" أي لكل قدره وليس له أن يغيِّره، وكذلك المثل القائل "قهوة وقارو خير من السلطان في دارو"... وكلها أمثال يحفظها الكثيرون، وقد يعتبر البعض أن مثل هذه النوعية من الأمثال الشعبية هي حصيلة تجربة طويلة من عقلية الاستسلام المطلق للقدر وبأن الإنسان لا يمكنه تغيير واقعه مهما فعل، لذا في النهاية عليه أن يرضخ لكل ما يملى عليه، ولذلك فان بعض من قد يتعرضون للفشل في أي جانب من جوانب حياتهم، يلجؤون إلى هذه الأمثال في المقام الأول، إما لتبرير فشلهم، أو إقناع أنفسهم والآخرين بأنه أمر مقدر ومكتوب عليهم، وليس لهم أن يغيروه مادام أن المثل الفلاني قد اثبت ذلك، مع أن العيب ليس في الأمثال دون شك، التي هي حصيلة تجارب إنسانية عميقة وضاربة في القدم، وإنما في الطريقة التي يتعامل معها بعض الأشخاص ممن ينظرون إليها نظرة قد تكون سطحية في الكثير من الأحيان، ويتهمونها بالتحريض على التكاسل والتخاذل والفشل والانهزامية والسلبية وغيرها من التهم الأخرى التي يلصقونها بها، لتبرير فشلهم وكسلهم، وعجزهم عن إثبات ذواتهم، فالمثل القائل مثلا "مد رجليك على قد لحافك" قد يراه البعض دعوة إلى أن يكتفي الإنسان بالحال التي هو فيها وأن لا يسعى لتغيير الحال إلى الأفضل دائما، ويرى آخرون أن هذا المثل يخاطب من ينظر لما لا يستطيع الحصول عليه، فيحمِّل نفسه فوق طاقته، كأن يكون فقيرا ويسعى لامتلاك أحدث السيارات دائماً، فيقول لهم أن يعيشوا على قدر ما يملكون من أموال، وكذلك المثل القائل "الشغل المليح يطول" فهو يدعو إلى التأني والصبر والعمل على تحقيق الأمور الجيدة حقا حتى وان تطلب ذلك بذل المزيد من الجهد والوقت والصبر وغيرها من المعاني الأخرى التي تبقى محكومة بعقول الناس وقدرتهم على الاستيعاب والفهم، وآفاق الطموح لدى كل منهم، وليس في الأمثال بكل تأكيد.