في أولى القرارات "البورقيبية" للحكومة التونسية الجديدة أعلنت 3 وزارات تونسية هي، وزارة الشّؤون الدّينيّة، ووزارة التّعليم العالي والبحث العلمي وتكنولوجيا الاتّصال، ووزارة التّربية، سحب أحكام "وثيقة استئناف التّعليم الزّيتوني" التي تم إقرارها في 12 ماي من العام 2012، بدعوى "مخالفتها لمقتضيات القانون التّونسي". وقالت وزارة الشؤون الدينية في تونس: إن القرار "جاء بناء على رأي رئاسة الحكومة في مشروع الوثيقة من ناحية، والذي ينصّ على عدم قانونيتها شكلًا ومضمونًا، وعلى الوثيقة التوضيحية التي أصدرها وزراء التّربية والتّعليم العالي والبحث العلمي والشّؤون الدّينيّة في 07 سبتمبر 2012 والتّي أوضحوا من خلالها أنّ وثيقة استئناف التعليم الزيتوني الأصلي إنما هي وثيقة أدبية رمزية تُشفع لاحقًا بوضع برنامج كامل للتعليم الزيتوني وتنظيمه من قبل هيئة علمية يتمّ تكوينها بالاتّفاق في ما بعد، ودون أن يترتّب عليها أيّ مفعول قانوني". وفي 12 ماي 2012 أعلنت مشيخة جامع الزيتونة "استئناف التعليم الزيتوني الأصلي" بالجامع وفروعه ال 25 في تونس.وقال الشيخ حسن العبيدي، شيخ جامع الزيتونة حينها: إن حوالي 7000 طالب وطالبة سيدرسون في جامع الزيتونة وفروعه "على المنهج الزيتوني العصري". ولفت إلى أن "تغييب دور جامع الزيتونة الدعوي والتعليمي لعقود في تونس أدى إلى انتشار الفكر الوهابي المتطرف والدخيل على البلاد، وظهور جماعات تكفيرية وإرهابية".وفي 2012، وقع وزراء الشؤون الدينية، والتعليم العالي، والتربية والشيخ حسين العبيدي إمام جامع الزيتونة، على وثيقة نصت على أن "جامع الزيتونة مؤسسة إسلامية علمية تربوية مستقلة غير تابعة" للدولة و"تتمتع بالشخصية القانونية" وعلى أن العبيدي هو "شيخ الجامع الأعظم وفروعه" وأن التصرف في الجامع وتنظيمه يعود إلى المشيخة دون سواها. لكن الوزراء الثلاثة تنصلوا من هذه الوثيقة، وأعلنوا في بيان مشترك أصدروه في 8 اوت 2012 أن "مشيخة جامعة الزيتونة تابعة قانونيًّا لرئاسة الحكومة" وأن "إدارة جامع الزيتونة من حيث تعيين الأئمة والمؤذنين وسائر الأعوان وتنظيم المناسبات والدروس العلمية والتوعوية هي من مشمولات وزارة الشؤون الدينية وتحت إشرافها المباشر".وفي اوت 2012 أقرت محكمة تونس الابتدائية باستقلالية جامع الزيتونة ورفضت دعوى قضائية استعجالية أقامتها وزارة الشؤون الدينية لتنحية الشيخ حسين العبيدي. وأوضحت وزارة الشؤون الدينية في بيانها، يوم الجمعة، أنّ قرار السحب "جاء متناغمًا مع القانون ومطبّقًا لمقتضياته باعتبار أنّ وزارة الشّؤون الدّينيّة هي السّلطة الوحيدة المؤهّلة للنّظر في جميع المسائل المتعلّقة بجميع المساجد دون استثناء طبقًا لمقتضيات القانون عدد 34 لسنة 1988 المؤرّخ في 03 ماي 1988 المتعلّق بالمساجد وطبقًا للأمر 597 لسنة 1994 المؤرّخ في 22 مارس 1994 المتعلّق بضبط مشمولات وزارة الشّؤون الدّينيّة". وأكدت الوزارة أن "قرار إلغاء وثيقة التّعليم الزّيتوني لا يعني تراجعها عن استئناف التّعليم الزّيتوني الأصلي"، مؤكدة "استعدادها للتنسيق مع الهيئة العلميّة التّي سيتمّ انتخابها قريبا والمساهمة في وضع الأسس المتينة لهذا التعليم وذلك بإرساء هيكلته وإقرار برامجه التي يجب أن تكون متناغمة مع منظومة التّربية والتّعليم الوطنيّة". والتعليم الزيتوني الديني الذي أوقفه الرئيس الراحل بورقيبة في الستينيات، كان محل جدال بين حركة النهضة الإسلامية التي حكمت تونس بعد رحيل بن علي في 2011، وخصومها العلمانيين، الذين رأوا في العودة إلى التعليم الديني "نكوصًا" و"ارتدادًا" وضربًا للتعليم المدني.