تحتفل الجزائر اليوم وعلى غرار باقي دول العالم باليوم العالمي للمسنين المصادف ل27 أفريل من كل سنة، وقد تم المصادقة على هذا اليوم بعد أن ناقش البرلمان المشروع التمهيدي للقانون المتعلق بحماية الأشخاص المسنين، ومن ثم دخل حيز التنفيذ بعد مصادقة البرلمان عليه ونشره بالجريدة الرسمية، ولكن هذا العيد يعود كل سنة على هذه الفئة الواسعة من المجتمع ليجدها في كل مرة في أسوء حال فهي دوما مهمشة إلى أن يبلغها الأجل. عتيقة مغوفل بلغ عدد المسنين في الجزائر 3 ملايين شخص، أما عدد المسنين المقيمين بالمراكز المختصة التابعة لقطاع التضامن الوطني فهو يفوق 2000 شخص مسن من بينهم أزيد من 1000 مسن معاق، حسب إحصائيات وزارة التضامن لسنة 2014، ولكن ورغم أن الدين الإسلامي عظم الوالدين وجعل رضى الله على العبد من رضى الوالدين عليه إلا أن قلوب الجزائريين أصبحت قاسية في السنوات الأخيرة وهو ما جعل الوالدين يهانان إهانة كبيرة في زماننا هذا، وقد حاولت (أخبار اليوم) التقرب من بعض المسنين من أجل رصد معاناتهم. مسنة تطرد من البيت شر طردة حتى نتمكن من لقاء بعض المسنين المهمشين قمنا بزيارة إلى دار الحسنة الواقعة بحي السيدة الإفريقية بأعالي بلدية بولوغين، وصلنا إلى هناك وشعور غريب يراودنا، هو مزيج بين الرغبة في معرفة ما تخفيه جدران الدار من قصص المسنين، وبين الحزن والشفقة على وجود أشخاص رفضوا في الوقت الذي يفترض أن يرد إليهم جميلهم. دخلنا الدار، وأول ما لفت انتباهنا ونحن نتجول داخلها مجموعة من المسنات جالسات في الفناء يتمتعن بأشعة الشمس الدافئة، فكانت فرصة لنا حتى نقترب من البعض منهن لمعرفة الأجواء التي يعشنها داخل الدار، فكانت أول من التقيناها السيدة (ج و) التي تبلغ من العمر 57 سنة، من العاصمة حدثتنا عن قصتها وملامح الألم بادية على وجهها لتقول بأن الصراع الذي افتعله أخوها حول الميراث هو السبب، هذا الأخير طلب من والده قبل أن يتوفى أن يسجل كل ما يملك باسمه دون أن يخرج أخته من المنزل كما وعده ولكن وبعد وفاة والده أخل بوعده، وقام بطرد أخته من البيت، واصلت حديثها إلينا قائلة: (عندما كان والدنا حيا تزوجت من ابن عمتي ولكن القدر شاء أن ننفصل لذلك تطلقت منه وعدت لبيت أهلي وأنا حامل منه ببنت أنجبتها في بيت والدي، بعدها تزوج أخي الذي ليس لي في الدنيا سواه، وبعد مرور بعض الوقت بدأ يلح على أبي أن يسجل له البيت العائلي الذي نسكن فيه، ليخضع أبي في الأخير لرغبته ولكنه اشترط عليه أن أبقى معه في المنزل ولا يطردني منه بعد أن يتوفى، ولكن أخي لم يعمل بوصيتي والدي وقام بطردي من المنزل بعد مضي شهر من وفاة والدي فوجدت نفسي في الشارع إلى أن أحضرني بعض المحسنين إلى هنا، أما ابنتي فهي دائما مشغولة ولا تأتي لزيارتي)، لنسأل بعدها السيدة(ج. و) عن الحياة داخل المركز فردت علينا: (أنا مرتاحة هنا فكل العمال طيبون لدرجة أنهم يعملون جاهدين لإسعادنا ويمنحون الرعاية كما لو كنا أشخاصا مهمين). خلاف عائلي جعلها تغادر بيتها تركنا السيدة (ج.و) في حالها وواصلنا سيرنا داخل المركز نجوب أرجاءه، لنرى ساكنيه على طبيعتهم وهم يعيشون يومياتهم، وهناك وبغرفة ضيقة كان ينبعث منها صوت عجوز كانت تتلو قراءات عطرة من القرآن الكريم، هذه الغرفة هي غرفة خالتي (فاطمة) صاحبة 73 سنة، جاءت من حجوط ولاية تيبازة، وهي مقيمة بالدار منذ أزيد من عشر سنوات أول ما يجذب لهذا العجوز المسنة، نور وجهها، ولسانها الذي لا يتعب ولا يكل من ذكر الله طلبنا منها السماح لنا بالجلوس إليها فرحبت بطريقة تدل على رغبتها في تبادل الحديث، وبعد تبادل أطراف الكلام معها حاولنا أن نفهم الأسباب التي جاءت بها لدار المسنين فأجابتنا أن القصة تعود لخلاف بينها وبين زوجها من أجل قطعة أرض، وبعد مدة طويلة من العراك، لم يدافع عنها أبناؤها لأنهم فضلوا الوقوف في صف أبيهم، فأحست خالتي (فاطمة) على حد تعبيرها ب(الحفرة)، وتراكم عندها هذا الشعور لدرجة تفكيرها في الانتحار، لكن الله نجاها، ومع ذلك فإن خالتي (فاطمة) بقيت يائسة ناقمة على أبنائها الذين خذلوها، لتقرر في الأخير أن تترك كل شيء خلفها وتغادر البيت باحثة عن مكان آمن لها لتستقر به في آخر المطاف بدار الحسنة بأعالي بلدية بولوغين، هذا المركز الذي وجدت فيه راحتها وطمأنينتها، أما عن أولادها فحدثتنا بنبرة يمتزج فيها الشوق بالحسرة، حيث قالت لنا: (لم أبخل منذ خروجي من المنزل على أولادي بالنقود التي أتحصل عليها من معاشي، فعند نهاية كل شهر ألتقي بابني الأكبر لأعطيه المال بحكم أنني كنت أعمل ممرضة في إحدى المستشفيات سابقا).