بقلم: رشاد أبو داود على مائدة الإفطار في رمضان نعود أطفالاً كما كنا نلعب في الحارة قبل ساعة من أذان المغرب. نشم رائحة طبخ الأمهات كل منا يميّزه عن غيره. لا أحد ينسى رائحة ومذاق طبخ أمه. مهما أكلنا من طعام في أفخم المطاعم ومن أيدي غيرهن يبقى هو الأصل وهو المقياس وهو الألذ. نرى حول المائدة أرواح أمهاتنا وآبائنا وإخواننا وأخواتنا الذين توفاهم الله. الأم التي كانت تبدأ بعد صلاة العصر بإعداد طبخة الإفطار لكأنها تعد وجبة ملوكية لرعاياها المحبين. تلف شعرها بقطعة قماش بيضاء كقلبها تنقع الرز بماء الحنفية تقطع الدجاج عدة قطع على عدد أفراد العائلة تتبلها بالبهارات والملح والقليل من الفلفل الأسود تتركها تغلي على نار هادئة حتى تنضج على مهلها. كان إحضار الأكل من المطاعم الدارج اليوم عيباً. والفاست فود خطيئة لا ترتكبها أمهات زمان. على شوربة الدجاج المسبكة تطبخ الملوخية التي تكون قد قطفت أوراقها من عيدانها وغسلتها وجففتها وفرمتها بيديها من دون الاستعانة بالمفرمة اليدوية أو لاحقاً الكهربائية. مائدة الإفطار على الحصيرة الموشاة بألوان القناعة أو على طبلية ترتفع سنتيمترات عن الأرض تمتلئ بالطبخات الحارة لكأنها مائدة موحدة. قبل الإفطار كانت الأم تملأ صحن الألمنيوم أو الفخار وتنادي خذ يا ولد هذا للجيران والجيران يرسلون من طبختهم للجيران. الجار كان أخاً للجار يشعر بوجعه ويفرح لفرحه ويعرف ماذا طبخ لإفطار رمضان. حلوى رمضان كانت القطايف بالجوز بلا منازع لم تكن الجبنة تكفي إلا للسحور والقشطة لم تكن في قاموس الناس. الآباء يتقنون عمل القطايف أكثر من الأمهات هكذا كانوا يفتخرون ليثبتوا أنهم القوامون على النساء كما الحال مع عمل السَلَطة التي كانت من حشائش الأرض والبندورة تلك المدللة التي كان سعرها يرتفع في رمضان. كان رمضان كريماً بالفعل وليس كما الآن بالقول وبرسائل الواتساب والبطاقات المعدّة سلفاً. لكأنها فرح مصنّع جاهز للاستخدام بكبسة زر لا بنبضة قلب. ليس رمضان وطقوسه وحده الذي تغير كل شيء تغير. مدفع الإفطار الذي كان يوضع بمنطقة مرتفعة مطلة على المدينة أو المخيم أو القرية وكنا صغاراً نهلل ونصفق حين يعلن موعد الإفطار صار مدافع يقتل بها الأخ أخاه ومدافن للأشقاء على مساحة الوطن المصلوب بين المحيط والخليج. في هذا الرمضان ثمة من يفطرون على صوت قذائف الاحتلال في غزة. إفطارهم حزن مُر وشرابهم دموع أمهات. أشلاء أبنائهم فطور وعشاء للمحتل ودمهم شراب لقتلة الأطفال والأبرياء والأنبياء!.