بقلم: حسين مجدوبي* أين نشأ فيروس كورونا الذي فرض على البشرية إيقاعا جديدا من نمط الحياة؟ إنه السؤال المعلق بعد مرور أكثر من سنة على اندلاع هذه الجائحة. وتترك منظمة الصحة العالمية الباب مفتوحا لمزيد من الأبحاث والفرضيات المثيرة في حين تطالب الصين المنتظم الدولي بالتركيز على مختبر أمريكي يبحث بشأن الفيروسات في إشارة إلى احتمال أن يكون المصدر. وكل هذه التطورات تعزز من نظرية المؤامرة في وقت ما زال العالم رهينة الكمامة نتيجة تأخر التلقيح في معظم دول العالم. وبدأت وفق الرؤية السائدة الجائحة في ووهان الصينية في صمت مطلق خلال نهاية ديسمبر 2019. وما لبثت أن تحولت إلى جائحة حقيقية خلال منتصف مارس من سنة 2020 أي منذ سنة وبضعة أسابيع. ويبقى المنعطف العالمي هو إغلاق معظم دول العالم لحدودها أمام حركة التنقل البري والبحري والجوي. وفرض الفيروس تغييرا حقيقيا في نمط العيش بعدما أصبح أكثر من نصف النشاط البشري مثل التعليم والإدارة يتم عن بعد ويعتمد الإنترنت في حين شهدت أنشطة أخرى جمودا لا سابقة له مثل حالة السياحة والأنشطة الثقافية أمام الجمهور. *الفرضيات الثلاث حول المنشأ ووسط كل هذا يترقب العالم الجواب على سؤالين: أين ومتى بدأ فيروس كورونا في الانتشار وهل هو طبيعي أم جرى تعديله؟ ثم متى سيتم التوصل إلى لقاح ينهي الفيروس؟ في هذا الصدد صادفت الذكرى السنوية الأولى لهذا الفيروس نقاشا قويا حول منشأ الفيروس. وهذا الجدال الذي يتخذ شكل مواجهة علنية بين الصينوالولاياتالمتحدة ومن يدور في فلكهما أصبح ركيزة الحرب الباردة الجديدة بين الطرفين وفي الوقت ذاته أصبح ينعش أكثر فرضية المؤامرة. لقد قدمت منظمة الصحة العالمية خلال الأيام الماضية تقريرها الذي انتظره العالم باهتمام كبير نظرا لحجم الجائحة التي تعصف بالعالم منذ أكثر من سنة ومرشحة إلى الاستمرار بضعة أشهر ارتباطا بإيقاع اللقاح ولكن التقرير خلف خيبة أمل أكبر نظرا لعدم تقديمه أجوبة شافية لشعوب العالم التي تضررت من الجائحة. وتبقى الخلاصة الرئيسية التي يؤكدها الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبيرس كل الفرضيات مطروحة على المائدة وتستحق الدراسة الوافية . وكان فريق من خبراء منظمة الصحة العالمية قد انتقل إلى الصين وأجرى تحقيقاته ما بين جانفي وفيفري الماضيين. وتعترف منظمة الصحة العالمية بتسهيل الصين لمتطلبات العمل لكن خبير الأوبئة الدنماركي كولسن فيتشر الذي كان ضمن الوفد الأممي يتحفظ ويقول رخصت لنا الصين زيارة كل الأماكن التي رغبنا في زيارتها بما فيها سوق ووهان الذي يفترض أنه سجل الحالات الأولى لفيروس كورونا وزيارة المستشفيات ولكنها منعت عنا التقارير الأولية لرصد المرض وزودتنا فقط بالمعطيات التي توصل لها الخبراء الصينيون وهذا خلل لأننا لم نطلع على التقارير الخام . في غضون ذلك تبقى الفرضية الرئيسية لمنشأ الفيروس وفق تقرير منظمة الصحة العالمية هو انتقاله من الحيوان إلى الإنسان أو ما يعرف بالمشترك Zoonosis وهو التفسير التاريخي للكثير من الأمراض المعدية مثل الطاعون. كما طرح التقرير فرضية وجود الفيروس في اللحوم التي استوردتها الصين من الخارج وفي هذه الحالة سيكون مصدره أجنبيا عن الصين. وعمليا يطرح الخبراء ضرورة توسيع نطاق التحقيق ليشمل اللحوم المستوردة من الخارج بما في ذلك من أوروبا. وتثير فرضية التلوث الغذائي اهتمام الباحثين. في الوقت ذاته جرى استبعاد نوعا ما فرضية حادثة تسرب الفيروس من مختبر الفيروسات في ووهان والقريب جدا من السوق الذي يفترض أنه مصدر انتشار الفيروس وهي الفرضية التي يعتقد فيها علماء بل وبعض الدول الغربية. *المنشأ بين الصراع الجيوسياسي والعلم وزاد التقرير الأممي من حدة النقاش والاتهامات سواء بين العلماء أنفسهم أو بين الدول وخاصة الصينوالولاياتالمتحدة. وعلاقة بالعلماء فقد نشرت الصحافة الدولية ومنها لوفيغارو الفرنسية رسالة وقع عليها حوالي ثلاثين من كبار العلماء المختصين في عالم الفيروسات وينتقدون غياب الشفافية في اختيار أعضاء فريق الأممالمتحدة وغياب الكفاءات. في هذا الصدد يقول أحد الموقعين وهو الفرنسي إيتيان ديكرولي الكفاءات الممثلة في الفريق الأممي تنتمي إلى الصحة العمومية وإلى خبراء في انتقال الأمراض المعدية ولا يوجد بينهم أي خبير في تسرب الفيروسات من المختبرات وهذا خلل في تشكيلة الفريق . ويضيف لقد جرى ترتيب مختبر ووهان للفيروسات يوم 2 ديسمبر 2019 والسلطات الصينية لم تقدم أي تفسير حتى الآن حول هذا الترتيب والأسباب التي دعت له . ويطالب فريق العلماء بلجنة مستقلة بعيدة عن الاستقطاب السياسي الدولي خدمة للبشرية ويصرون أن الهدف هو ضرورة معرفة المنشأ الحقيقي للفيروس هل هو انتقال من الحيوان إلى البشر أو تسرب من مختبر وذلك حتى يتم مستقبلا تدبير حالة الطوارئ عند وقوع مثل هذه الحالات . ورغم استبعاد خبراء الفريق الأممي فرضية منشأ الفيروس من خلال تسرب من مختبر الفيروسات في ووهان الصينية أصدرت 14 دولة يوم الأربعاء الماضي ومنها بريطانيا والنرويج واليابان وكندا وأستراليا بزعامة الولاياتالمتحدة بيانا تتحفظ فيه على التقرير وتطالب فيه بشفافية أكبر حول ضرورة تعميق البحث حول فرضية تسرب الفيروس من مختبر ووهان. هذا الموقف الغربي دفع بالأمين العام لمنظمة الصحة العالمية إلى التراجع النسبي عن التقرير وإعطاء أهمية لفرضية تسريب الفيروس من المختبر والاهتمام بباقي الفرضيات. وعليه فالموقف المعبر عنه من طرف معظم الدول الغربية يعني في الأساس وجود إهمال من طرف الصين في مراقبة مختبراتها المختصة في الفيروسات وقد يعني وجود فرضية المؤامرة في تسرب الفيروس. وبهذا تلتقي هذه الدول مع موقف الرئيس دونالد ترامب الذي اتهم الصين بالمسؤولية في تسرب الفيروس. ومن ضمن القضايا التي تشغل الغرب بشأن الجائحة وعدد من المراقبين كيف لم تسجل الصين سوى 4500 حالة وفاة وأقل من مئة ألف حالة إصابة بالفيروس في حين باقي الدول مثل الولاياتالمتحدة سجلت نصف مليون وفاة وبلغت الوفيات في العالم 2.7 مليون وأكثر من 120 مليون مصاب حتى الآن؟ *من أمريكا إلى الصين ولم يتأخر الرد الصيني فقد أكدت هوان تشون بينغ باسم وزارة الخارجية في بكين الأربعاء كذلك أن بيان الدول بزعامة الولاياتالمتحدة دليل على عدم احترام دول بعينها للعلم والتلاعب السياسي بشأن قضية تعقب منشأ الفيروس . وأبرزت أن الصين أكدت مرارا على أن تقفي منشأ الفيروس مسألة علمية يتعين القيام بها بشكل مشترك من قبل العلماء في العالم ولا ينبغي تسييسها. وذكرت هوان أن تسييس قضية منشأ الفيروس غير أخلاقي ومكروه وسيعرقل التعاون على الصعيد العالمي في دراسة منشأ (كوفيد-19) ويعرض التعاون في مكافحة المرض للخطر وسيكلف المزيد من الأرواح وهو ما يتعارض مع رغبات المجتمع الدولي. وأوضحت وفق وكالة الأنباء الصينية أن هذه الدول يتعين أن تقوم ببعض التأمل الذاتي وأن تسأل نفسها كيف سار عمل مكافحة المرض لديها؟ وما الذي قدمته للتعاون الدولي في مكافحة المرض؟ وتعزز الصين من موقفها بأنها سمحت للفريق الأممي باستجواب عدد كبير من ساكنة ووهان الذين أصيبوا بأمراض التنفس طيلة 2019 وتم تحليل عينات من دمهم بحثا عن بقايا الفيروس وفي آخر المطاف يؤكد دومينيك دواير من جامعة أستراليا وهو عضو في الفريق الأممي أن نتائج تحليل الدم كانت سلبية . ويضيف هذا الخبير ليس هناك شك بأن الفيروس انفجر بقوة في مدينة ووهان خلال ديسمبر 2019 لكن الطريقة التي وصل بها إلى هذه المدينة لم يتم الحسم فيها وتبقى مفتوحة . وكلما ارتفعت الضغوطات على الصين تلجأ إلى فرضية المؤامرة المضادة وهي قيام المختبر الأمريكي الشهير فورت ديتريك المختص في الفيروسات بنقل الفيروس إلى الأراضي الصينية خلال الألعاب العسكرية خلال أكتوبر 2019 ونشر في البلاد. وجرت الألعاب العسكرية في مدينة ووهان وتؤكد الصحافة الصينية إقامة الوفد الأمريكي بالقرب من السوق الذي ظهر فيه الفيروس. وتبرز جريدة لوموند في تقرير لها يوم 26 مارس الماضي كيف تلجأ بكين عبر حرب إعلامية قوية إلى إعادة كتابة تاريخ منشأ جائحة فيروس كورونا لتتهم واشنطن بالمسؤولية. في غضون ذلك وقبل صدور تقرير فريق منظمة الصحة العالمية للصين كان العالم يتداول الفرضيات الثلاث بين المنشأ الحيواني للفيروس ثم التلوث الغذائي وأخيرا فرضية تسرب الفيروس من المختبر. وبعد إنجاز التحقيق لا توجد أجوبة وتبقى الفرضيات الثلاث معلقة وكأنها عودة إلى نقطة الصفر. وبدأ ينتشر إحساس بأنه لن يتم التوصل مستقبلا للمنشأ بسبب تداخل العلم مع الصراع الجيوسياسي لاسيما بعد تفاقم الحرب الباردة بين الصينوالولاياتالمتحدة. وهذا يحمل نتيجة خطيرة وهي إذا حدثت جائحة أخرى مستقبلا فالعالم لم يستفد من كيفية مواجهتها لأنه تم الاختلاف حول منشأ فيروس كورونا .