يمنحك رمضان فرصة ذهبية كل عام لكي تجدد حياتك بدنياً ونفسياً وروحياً، بتجديد الإيمان، والتحكم في رغبات البدن وممارسة رياضة روحية تضيء جنبات النفس. أمامك فرصة للمراجعة وإجراء حساب ختامي لأعمالك، والتخلص من أثقال الذنوب وأيضاً مما يحمله البدن من أوزان.. التجديد يقودك إلى نوع من السعادة الداخلية المفقودة، وهنا نحاول أن نضع أمامك مفاتيح إسلامية تمهد أمامك الطريق لذلك، مع إقرارنا بنسبية السعادة من حيث المفهوم والمعايير. ندعوك لأن تبدأ خطة تجديد حياتك، وإذا كان البعض يحاول أن يبحث عن صفحة جديدة في حياته، أو يربط هذه البداية بموعد مع الأقدار المجهولة كتحسن في حالته أو تحول في مكانته، أو يقرنها بموسم معين أو بداية عام مثلاً، ظناً منه أن رافداً من روافد القوة قد يجيء فجأة فينشطه بعد خمول، فهذا وهم، لأن تجدد الحياة ينبع قبل كل شيء من داخل النفس، ومع ذلك فإن شئت مناسبة للتجديد، فلن تجد أفضل من رمضان. نعم يمكنك أن تجدد ذاتك وخلايا جسمك أيضاً، جدد ذاتك بوقفة مع النفس لعرض الحساب الختامي لسنة مضت من عمرك، لن نطيل كثيراً في رصد أفعال الخير في العام الماضي، ولا الأفعال التي خلت منه، لكن لتبدأ بخطوات عملية بسيطة لتجديد حياتك في هذا الشهر، بعضها تختاره، وبعضها الآخر يختارك! جدد حبك للناس: الأهل والأصدقاء، رمضان يحقق الهدف الذي يصعب تحقيقه في الأيام العادية، وهو اجتماع الأهل في موعد واحد للإفطار، فيوفر مناسبة سنوية للتواصل مع أسرتك الصغيرة وعائلتك الكبيرة، وبني وطنك بل وكل الناس، فعلى مائدة الإفطار الجماعية أو مائدة الرحمن أو الخيمة الرمضانية يفطر الجميع، من كل جنس ولون، صاحب المائدة وعابر السبيل. إذا أفطرت مع أسرتك فأغلق التلفاز وافتح باباً واسعاً للتواصل مع أولادك وأهلك، وإذا أفطرت في الخيمة الرمضانية أو مع ضيوفك على مائدة الرحمن، فافتح آفاق روحك وتذوق هذا التواصل الاجتماعي الفريد وأنهل من نفحاته. على مستواك الشخصي هناك فرصة أيضاً للاختلاء بذاتك والتأمل العميق، والتجديد هنا ينطلق من وعيك بحقيقة اللحظة الرمضانية، عندها سوف تعلم أن فراغ المعدة هو الطريق لامتلاء الروح، وأن صفاء الذهن أول الطريق للرقي نحو الخالق. اختار الله تعالى شهر رمضان ليكون مظهراً لرحمته بعباده، ولصفاء نفوسهم، بعبارة أخرى نتذوق معنى رمضان، فالصوم هنا ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، لكنه تأمل وتدبر، وأول ما يستحق ذلك هو خير الكلام، وأخص خصائص هذا الشهر الكريم، فقد تنزل القرآن في رمضان ليكون لنا نوراً يضيء الطريق إلى الخلاص وسراجاً يهدينا إلى الصراط المستقيم، فقد فتح القرآن أمام العقل البشري كتاب الكون ودفعه إلى النظر فيه ليتعرف إلى أسراره. التجديد هنا يعني تجاوز مجرد التلاوة إلى التدبر، وإعمال العقل، وجسر المسافات بين كتاب الله المقروء (القرآن) وكتاب الله المنظور (الكون). أمام هذه الهداية الإلهية التي جلاها الله للإنسان بالقرآن في هذا الشهر المبارك، اقتضت حكمته تعالى أن يجعل من هذا الشهر الكريم موسماً للرياضة الروحية، التي تلتقي مع تلك الهداية العامة التي فتح القرآن أبوابها للناس، فقد ميّز الله تعالى هذا الشهر المبارك بجملة من العبادات يتخذها المؤمنون وسيلة للتقرب إلى الله عز وجل وعنواناً على التعلق بجلاله وجماله، وهي في حقيقتها وسائل لإحياء هذا الشهر الكريم، وأولها الصوم الذي يعتبر من خصائص رمضان. هل تعلم أن الله تعالى يحبك ويحب أن تتقرب إليه، والصوم إحدى العبادات التي فرضها الله ليتقرّب بها عباده إليه، هذه العبادات تتعاون على تطهير النفس، وعلى تقويتها بألوان من المجاهدة والصبر واليقظة، وعلى تعليمها سلوك سبيل الخير والانتهاء عن المنكر، فتمدّ الإنسان بطاقات إيمانيّة تريحه وتطمئنه على آخرته، وتعينه على مواجهة أعباء دنياه ومصارعة أعاصيرها، وتمكّنه من توفير مناخ روحيّ يتحقّق له فيه الأمن، والتوازن النفسيّ، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه” متفق عليه. وهذا مظهر آخر لتجديد حياتك في رمضان. على مستوى صحتك، هناك أيضاً نصيب من التجديد المفيد، يقول الأطباء: إذا تركنا جسم الإنسان يتحرك وهو صائم، فهذا يعني أننا نجعله يستمد طاقته من الغذاء المخزون فيه، ولأن آخر وجبه تناولها الصائم هي وجبه السحور التي تعتبر مصدراً للطاقة في ساعات النهار الأولى، فإن الجسم سوف يكون مضطراً لتكسير وحرق المواد الغذائية السكرية المخزونة، فيؤدي ذلك إلى زيادة تدفق الدم للخلايا، وبالتالي زيادة حيوية ونشاط الخلايا ما يترتب عليه زيادة حيوية أجهزة الجسم المختلفة، ربما هذا جزء من حكمة قوله تعالى: “وأن تصوموا خيراً لكم إن كنتم تعلمون”.