مراصد إعداد: جمال بوزيان الجزء الثاني الغش أثناء الامتحانات.. مسؤولية كبرى على الأسرة والمجتمع ومؤسسات التعليم مهْما تكن مستويات التلاميذ والطلبة بشأن حفظ وفهم الدروس المقررة في مناهج التعليم بكل أطواره ومهْما تتزايد هواجسهم من الفشل وعواقبه من قِبل الوالدين أو الأولياء.. ينتابنا ذهول وغرابة واستهجان حين نسمع خبر قبض مراقب امتحان على متلبس بالغش عبر ورقة أو هاتف خلوي مزود بشريحة أو أي أداة إلكترونية أخرى كالسماعات والبطاقات.. وقد استفحلت الظاهرة في المؤسسات التربوية والتعليمية بشكل رهيب. سألنا أساتذة: هل يجد التلميذ أو الطالب نفسه مرغما على الغش أثناء الامتحان؟ ولمصلحة من ذاك الغش؟ وهل يعتقد أن الغش نجاة من الرسوب؟ وهل يعلم والداه أو ولي أمره برغبته في الغش؟ وألا يفكر في ما يحدث له ولوالديه بعد سجنه بسبب لحظة غش مؤكد ومطالبته بدفع غرامة مالية معتبرة؟ وهل يتحمل وحده المسؤولية القانونية والأخلاقية أم تتحملها معه الأسرة والمجتمع والمؤسسة التربوية؟ وأين الخلل تحديدا لعل أسبابا أخرى وراء الظاهرة؟ وهل التشريعات الحالية كافية لردع الغشاشين؟ وكيف تعالج الظاهرة من جذورها؟ وما الرسائل التي تبعثها بهذا الصدد؟. ///// النجاح المغشوش.. فشل مؤجل! أ.سعاد عكوشي ظاهرة الغش في الامتحانات النهائية تتفاقم عامًا بعد عام وكأنها باتت أمرًا طبيعيًا في أوساط الطلاب. حيث لم يعد الغش في الامتحانات سلوكًا فرديًا كما كان في الماضي بل تحوّل في كثير من المؤسسات التعليمية إلى ظاهرة مقلقة تنذر بانهيار القيم التربوية. ومع اقتراب كل موسم امتحان يتكرر المشهد: محاولات خفية وأخرى علنية للغش ما بين أوراق صغيرة مخبأة ووسائل تكنولوجية متطورة وتواطؤ أحيانًا من بعض المسؤولين عن الرقابة. أسباب كثيرة تدفع الطالب إلى توفير جهده فيلجأ إلى طرق غير نزيهة لتحقيق النجاح فبعضها يعود إلى ضعف القيم الأخلاقية والدينية حيث لا يجد الطالب حرجًا من الغش بل يبرره بضغط الامتحانات أو رغبة الأهل في نتائج مرتفعة.. كما تشكل الضغوط الأسرية دورًا كبيرًا أيضًا حين يرتبط التفوق الدراسي بمكانة اجتماعية أو بمكافآت مادية. وهناك عامل لا يقل أهمية: الخوف من الفشل الناتج عن ضعف التحصيل أو عدم الاستعداد الجيد. كما أن ضعف الرقابة الرادعة يسهّل عملية الغش في بيئة تعليمية تفتقد إلى القدوة والصرامة الإدارية. ولا نغفل أن بعض الطلاب يرون نماذج في المجتمع تحقق النجاح بطرق ملتوية فيترسخ في ضمائرهمأن الغش أحد الحلول المشروعة. إن خطر الغش عند اجتياز اختبار يمتد إلى تدمير الثقة في منظومة التعليم بأكمله. فالطالب الذي ينجح بالغش لا يملك كفاءة حقيقية ما يؤدي إلى ضعف في التعلم الجامعي أو المهني لاحقًا. كما أن الغش يخلق شعورًا عامًا بانعدام العدالة بين الطلاب المجتهدين وغيرهم مما يقتل روح التنافس الشريف. الأخطر من ذلك أن الغش قد يتحول إلى عادة في كل عمل يقدم عليه في حياته إذ من يغش اليوم في الامتحان قد يغش غدًا في العمل أو المعاملات مما يُسهم في تفشي الفساد في المجتمع. ويعتقد كثير من التلاميذ أن الغش هو وسيلة للنجاح وهذا الاعتقاد شائع خاصة بين من يعانون من ضعف في التحصيل الدراسي أو من لم يستعدوا جيدًا للامتحانات. في نظر هؤلاء الغش هو الحل الأخير أو طوق النجاة عندما يشعرون بالعجز أمام صعوبة الأسئلة أو قصر الوقت أو ضغط التوقعات. لكن هذا الاعتقاد خاطئ وخطِر جدا لأسباب عديدة: 1- الطالب قد ينجح في تجاوز الامتحان بالغش لكنه لا يكتسب أي معرفة حقيقية وهذا سيُضعفه في المراحل التعليمية التالية ثم الفشل في حياته العملية. 2- الغش يولّد لدى الطالب شعورًا داخليًا بأنه عاجز وهذا يقتل الحافز ويضعف الشخصية. 3- الغش قد يؤدي إلى رسوب فعلي إذا تم كشفه وقد تكون العقوبة أكبر من مجرد فقدان علامات: كإلغاء الامتحان الطرد المؤقت أو الحرمان من الدراسة في بعض الحالات. 4- قد يتحول الغش المؤقت إلى سلوك دائم في حياة الطالب ويتكرر في العمل والمواقف اليومية مما يقوده إلى طرق غير شريفة في الحياة العامة. والجدير بالذكر أن ظاهرة الغش في الامتحانات لا تقتصر مسؤوليتها على الطالب فقط بل تمتد إلى الأسرة حيث أن بعض الآباء – للأسف – يعلمون مسبقًا ويبررون ذلك بعبارات مثل: الكل يغش أو المهم أن ينجح . وهذا تشجيع ضمني على الاستمرار في الغش في المقابل هناك آباء لا يعلمون صراحة لكنهم يتجاهلون مؤشرات واضحة مثل تدني مستوى ابنهم مقابل نتائج عالية أو امتلاكه لأدوات تُستخدم عادة في الغش. هذا التجاهل ناتج عن ثقة زائدة أو عدم وعي بخطورة الموقف. أما الفئة الأهم فهي تلك التي ترفض الغش تمامًا وتغرس في أبنائها قيم الصدق والاجتهاد مؤمنة بأن الرسوب المشرف خير من نجاح مزيف. لذلك لا بد من مقاربة شاملة لمحاربة الغش تبدأ من الأسرة التي تزرع في أبنائها القيم والضمير الحي مرورًا بالمدرسة التي يجب أن تؤدي دورًا تربويًا أولا وتطوير طرق التعليم لتقوم على الفهم والتحليل لا الحفظ والتلقين. كذلك يجب أن تكون هناك رقابة صارمة خلال الامتحانات وأن تُطبق العقوبات على من تورط في الغش دون تهاون مع تقديم الدعم النفسي والتربوي للطلاب الذين يعانون من صعوبات أو ضغط مفرط. من جهة أخرى وفي الوقت الذي تُرفع فيه شعارات التعليم للجميع و الرقمنة من أجل الجودة يظهر علينا امتحان التعليم عن بعد المسمى المراسلة لا سيما في الجزائر كظاهرة مثيرة للقلق: ينتشر الغش بشكل واسع خلاله في ظل صمت رسمي قد يُفسّر على أنه تواطؤ غير معلن. امتحانات المراسلة المصممة أساسًا لمنح فرصة ثانية للمتعلمين غير النظاميين أصبحت اليوم محل جدل واسع. فبين من يراها وسيلة نبيلة لتكافؤ الفرص ومن يعدها قنطرة عبور مزيفة نحو شهادات بلا قيمةفتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صور لتسريبات مجموعات تقدم الأجوبة لحظة الامتحان وأحيانًا حتى مقاطع فيديو لطلبة يجرون الامتحان الجماعي تحت أنظار أولياء أمورهم. كل هذا يحدث بينما لا تصدر الجهات الرسمية سوى بيانات مقتضبة تؤكد نجاح الامتحان في ظروف جيدة . أعتقد أن الضحية الأولى لهذا الغش الممنهج هو الطالب نفسه. فبعد حصوله على شهادة بلا محتوى علمي حقيقي يجد نفسه في مواجهة سوق عمل لا يرحم أو دراسات جامعية لا يقوى على مجاراتها. أما الضحية الثانية فهي منظومة التعليم ككل التي تفقد شيئًا فشيئًا ما تبقى من مصداقيتها وتُهمَّش كأداة حقيقية للتنمية. رقابة حقيقية حتى باستخدام أدوات متقدمة. مرافقة تربوية حقيقية للمتعلمين بدل الاعتماد فقط على الامتحانات. عقوبات واضحة لكل من يثبت تورطه في الغش أو مساعدته. إرادة سياسية صادقة تعلي من قيمة الشهادة لا من نسب النجاح. لكن السؤال المؤلم هو: هل يفكر الطالب في مصير والديه قبل أن يغش؟ الغش قد يبدو أمرا هينا في لحظته لكنه قد يؤدي إلى نتائج خطِرة: الطرد من المدرسة فقدان السمعة بل وحتى العقوبات القانونية إذا استُخدمت وسائل غير قانونية. كما حدث هذه السنة لأحد الممتحنين في شهادة التعليم المتوسط وعندها لا يتضرر الطالب وحده بل يُصدم والداه أيضًا. هذان الأبوان اللذان سهرا وتعبا من أجل تربية ابنهما يُفجعان بخبر سقوطه في سلوك لا أخلاقي. قد يشعران بالعار والحزن العميق وقد يواجهان نظرات اللوم من المجتمع وكأنهما شريكان في الذنب. لذلك على الطالب أن يفكر في عواقب أفعاله على من يحبونه ويختار الصدق حتى في أصعب اللحظات. فهل تستحق لحظة غش أن تُكسر قلوب الآباء؟ إذن الخلل ليس في الطالب وحده بل في بيئة كاملة تساعد على هذا السلوك. في البيت ضغط الأهل من أجل النتائج دون اهتمام بالطريقة.. في المدرسة يعتمد التعليم غالبًا على الحفظ والتلقين دون غرس القيم أو تطوير المهارات فيدفع ذلك الطالب للبحث عن حلول سريعة حتى لو كانت غير نزيهة. أما في المجتمع فالراسب محتقر ويُبجَّل النجاح أيا كانت وسيلته فينشأ الطالب على قناعة أن الغاية تبرر الوسيلة . كل هذا مع ضعف الرقابة وغياب العقوبات الرادعة يُنتج بيئة تزرع الغش وتُضعف الضمير. الحل يبدأ حين نُواجه الخلل بصدق: في بيوتنا ومدارسنا وثقافتنا العامة. فقط حين يعود الطالب ليرى أن النجاح الحقيقي لا يتحقق إلا بالجهد سنستعيد المعنى الحقيقي للتعليم. وللحد من هذه الظاهرة وضعت الحكومات والمؤسسات التعليمية العديد من التشريعات والقوانين الصارمة التي تهدف إلى معاقبة الغشاشين وردعهم مثل إلغاء الامتحان الحرمان من الدراسة لفترة معينة أو حتى المساءلة القانونية يمثل خطوة في مواجهة المشكلة. هذه التشريعات توجه رسالة واضحة بأن الغش لن يُسمح به مهما تكن الظروف. لكن الواقع العملي يكشف أن وجود القوانين وحده لا يكفي لضمان ردع الغشاشين. فالعديد من الطلاب لا يخشون العقوبة إما بسبب ضعف تطبيق القوانين أو لعدم وجود رقابة فعالة أثناء الامتحانات أو بسبب تواطؤ أحيانًا بين بعض المسؤولين. لذلك تقل قيمة القوانين وتصبح أقل تأثيرًا ولذلك لا بد من: * تنفيذ العقوبات بدون استثناءات حتى يشعر الجميع أن الغش خط أحمر لا يمكن تجاوزه. *استخدام التقنيات الحديثة لمراقبة الامتحانات والتعامل بحزم مع الغشاشين. *نشر الوعي بين الطلاب وأولياء الأمور حول خطورة الغش والعقوبات المترتبة عليه. *تحسين أساليب التعليم بالتركيز على الفهم بدلاً من الحفظ. بهذه الخطوات يمكن أن نحول التشريعات من مجرد نصوص على الورق إلى أدوات فعالة تحمي نزاهة التعليم وتبني جيلًا واعيًا ومسؤولًا. ///// الغش في الامتحانات.. بين دوافع اليأس ورهبة العقاب أ.زليخة زلاقي المقدمة: دهشة المواجهة ما إن يُعلن عن ضبط غاشّ في قاعة الامتحان حتى تهزّنا صورةٌ تقشعرّ لها الأبدان: طالبٌ يُقبض عليه وهو يمسك بورقة مكتنزة بالأجوبة أو يهمس في سماعة خفيّة وكأنّ امتحانا واحدا قد تحوّل إلى ساحة حرب وجودية. تساؤلاتٌ عميقة تثار: ما الذي يدفع الأبناء إلى هذه الهاوية؟ هل هو ضغطٌ لا يُطاق؟ أم ثقافةٌ استسهلتْ محو الخط الفاصل بين النجاح والانحدار؟. دوافع الغش: بين القهر والاختيار لا ينبثق الغش من فراغ بل هو ابن شرعي لبيئة تعليمية مثقلة بالأعباء: 1. الخوف من الفشل: حين يتحول الرسوب إلى وصمة اجتماعية وإلى خيبة أمل للأسرة يصبح الغشُّ ملاذا يائسا. الطالب هنا لا يخاف الامتحان بقدر ما يخاف نظراتَ اليأس في عيون والديه. 2. المناهج الجامدة: عند ما يُختزل التعلُّم في حشو الذاكرة ويُهمَّش الفهمُ والتحليل يبحث الطالب عن أقصر الطرق ل اجتياز الامتحان لا لإثبات الكفاءة. 3. الضغط المجتمعي: ثقافةٌ ترفع شعار النتيجة فوق الجوهر تزرع في الطالب قناعةً أن الغشَّ وسيلةٌ مشروعةٌ للبقاء في سباق قاس . التشريعات الرادعة: سيفٌ ذو حدين شرَّعت الجزائر أخيرا قوانين صارمة لمحاربة الغش منها عقوبات السجن والغرامات المالية الباهظة. هذه القوانين ضرورةٌ لحفظ هيبة التعليم لكنّها وحدها كالدواء المسكّن للأعراض دون علاج الجذور: -الإيجابيات: نجحت في تقليل الغش الجماعي المنظم وأصبحت رادعا نفسيا لمن يفكر في الانزلاق. - المخاطر: قد تدفع الطالب اليائس إلى ابتداع وسائلَ أكثرَ تخفيا أو تزيد من رهبته فتُعطّل قدراته الحقيقية. الغش جريمةٌ ثلاثيةُ الأبعاد لا يُلام الطالب وحده فجريمة الغش تشترك فيها أطرافٌ عدة: - الأسرة: حين تضع سقف توقعات أعلى من قدرات الابن وتخلط بين قيمته الإنسانية وعلاماته الدراسية. - المدرسة: إذا قصرت في غرس الضمير الأكاديمي واكتفت بدور الناقل للمقرر دون المُهَذب للأخلاق. - المجتمع: عند ما يكافئ الناجحَ بغضّ النظر عن وسيلته ويجعل الشهادات مجرد أوراق للتباهي الاجتماعي. نحو حلّ جذري: وقايةٌ قبل عقاب لمواجهة الغش نحتاج إلى استراتيجية ثلاثية المحاور: 1. إصلاح التعليم: تحويل الامتحان من محكمة للذاكرة إلى فضاء للإبداع والتفكير النقدي وتقويم الطالب بمشاريع تطبيقية تراكمية. 2. الدعم النفسي: إنشاء وحدات إرشادية في المدارس لمساعدة الطلبة على مواجهة القلق وتعزيز ثقتهم بأنفسهم بمعزل عن الدرجات. 3. التوعية الأسرية: تذكير الآباء بأن الرسوبَ شهادةٌ على صدق الابن وأن مستقبله لا يُختزل في ورقة امتحان. الخاتمة: رسالة إلى كل غاش محتمل أيها الابن قد تنجو اليوم بورقة خبيئة أو سماعة صغيرة لكنك ستدفع غدا ثمنا أعظم: ستسرق من عقلك قدرته على الابتكار ومن ضميرك طعمَ النجاح الحقيقي ومن والديك سعادةً تنتظر إنجازا لم يأتِ. الغشُّ قد يُنجيك من رسوب مؤقت لكنه يوقعك في فشل دائم اسمه ضياعُ الكرامة . ///// بين الغش والتقويم العادل.. أزمة ضمير أم خلل في المنظومة؟ أ.سميرة زايدي في مشهد يتكرر كل موسم دراسي تُسجل حالات متزايدة من الغش في الامتحانات رغم كل الإجراءات الأمنية والتشريعية ورغم الجهود التي تبذلها المنظومة التربوية لضمان مبدإ تكافؤ الفرص. والغريب أن هذه الظاهرة لم تَعُد مقتصرة على أساليب بدائية كالأوراق الصغيرة المخفية بل تطورت مع تطور التقنية لتشمل سماعات لاسلكية وبرامج تواصل سرية وحتى الذكاء الاصطناعي في بعض الحالات. السؤال الذي يُطرح بإلحاح: ما الذي يدفع التلميذ أو الطالب — الذي قضى سنوات في مقاعد الدراسة — إلى أن يختزل كل تلك الرحلة في لحظة غش؟ هل الغش خيار اضطراري أم قرار واع ؟ وهل نحن أمام خلل في الضمير الفردي أم في بنية النظام التربوي ككل؟. يمكنأن يكون الغش كعرض لمرض أعمق أي عند ما يُضبط تلميذ وهو يغش لا ينبغي أن ينصبّ كل اللوم عليه وحده. نعم هو مسؤول أخلاقيًا وقانونيًا لكن فعلته غالبًا ما تكون نتيجة تراكمات: ضعف في الفهم ضغط أسري خوف من الرسوب غياب الدعم النفسي وربما نظرة اجتماعية مشوّهة تُعلّق القيمة على النجاح الشكلي لا على الكفاءة الحقيقية. في كثير من الحالات لا يشعر الطالب بالرضا عن أدائه الدراسي لكنه لا يرى في الرسوب فرصة جديدة للتعلم بل فشلًا مدويًا سيحاسَب عليه أمام أسرته ومحيطه فيسلك طريقًا مختصرًا آملًا أن ينجو من السقوط ولو بالكذب والتحايل. وبعض الأولياء للأسف ليسوا بعيدين عن هذه الظاهرة بل هناك من يدفع أبناءه صراحة إلى الغش سواء عبر التحريض المباشر أو عبر التساهل والتبرير أو حتى بتوفير الأدوات التقنية لذلك بذريعة أن الجميع يفعل ذلك أو أن المنظومة فاشلة ولا تستحق الجهد ... وهذا ما يُحوّل الغش من سلوك فردي إلى ثقافة اجتماعية خطرة. من جهة أخرى هناك أولياء لا يعلمون أن أبناءهم ينوون الغش لكنهم يُحمّلونهم فوق طاقتهم فيُطالبونهم بالنتائج العالية دون مراعاة لقدراتهم الحقيقية وهنا يصبح الغش وسيلة للبقاء في مستوى التوقعات العائلية لا أكثر. الغش لا يحدث في فراغ إذا كنا نُسلّط الضوء على التلميذ الذي يغش فعلينا أيضًا أن نسائل المدرسة التي لم تنجح في بناء ضمير تعليمي داخلي ولا في تحبيب المعرفة لطلابها كما يُفترض أن نتساءل عن البرامج التي تركّز على الحفظ وتغفل الفهم والامتحانات التي تقيس التكرار لا الإبداع فالمنظومة التي تجعل الطالب يُراكم الكم دون أن يستوعب الكيف وتُقيّمه في ساعات معدودة على كل ما تعلّمه خلال سنة كاملة تُعطيه دون أن تقدم مبررًا للغش لأن المطلوب منه ليس الفهم بل الجواب الصحيح بأي وسيلة دون أن نغفل على وجود تشريعات رادعة وقوانين تُجرّم الغشحيث تصل إلى المتابعة القضائية والغرامات وحتى السجن وقد شاهدنا بالفعل حالات كثيرة لطُلاب أُدينوا وتحمّلت عائلاتهم أعباء مالية كبيرة بسبب تصرف فردي متهور لكن السؤال الأهم: هل الردع القانوني كاف إذا غاب الوازع الأخلاقي؟. في الواقع الردع وحده لا يصنع مواطنًا نزيهًا تمامًا والمطلوب اليوم منظومة متكاملة تُعيد بناء قيمة الاستحقاق لدى التلميذ وتُعيد ثقة المجتمع في أن من ينجح هو من اجتهد فعلًا لا من عرف كيف يُخفي سماعة في أذنه. ولمعالجة هذه الظاهرة يجب إصلاح البرامج الدراسية بالتركيز على الفهم وتنويع طرائق التقويم لتشمل المشاريع والاختبارات الشفوية والعمل الجماعي لا الاقتصار على الامتحان الكتابي التقليدي وحده. ويلزم تحصين القيم الأخلاقية عبر حملات توعوية مستمرة داخل المؤسسات التعليمية وعبر القدوة الحسنة من الأساتذة والإداريين وللأسرة دور هام يتمثل في التخفيف من الضغط على الأبناء وتعليمهم أن الرسوب ليس نهاية العالم بل خطوة نحو النجاح الحقيقي باعتبار أن الدعم النفسي له دور كبير ومباشر في تخطي هذه الظاهرة لذا يتوجب على المستشارين التربويين في المؤسسات التعليمية مرافقة التلاميذ والطلبة نفسيًا قبل وخلال الامتحانات. واستخدام وسائل تقنية فعالة للحد من الغش دون خلق أجواء من الرعب داخل قاعات الامتحان. إنّ الفشل في الامتحان ليس مجرد خطإ عابر بل مؤشر على تصدع في منظومة كاملة: تربوية أسرية اجتماعية. ولعله حان الوقت لنتوقف عن التعامل مع الغشاشين ك مجرمين صغار ونتعامل مع الظاهرة كناقوس خطر يدعونا لإعادة النظر في الطريقة التي نُعلّم بها والنشاطات التي نُقوّم ونقيّم بها للنجاح. فالمسألة ليست فقط: لماذا غش التلميذ؟ بل: لماذا لم يجد طريقًا آخر سوى الغش ؟!.