قال الكاتب عبد القادر بن دعماش إنّ الحاج محمد العنقا ردّ على اتهامات زعزعته فن الأندلس، ووصفه ب«الهرّاس"، بأنّ فن الأندلسي بدوره تعرّض للتجديد منذ أن عرف النور على يدي زرياب، داعيا منتقديه إلى إحضار من أخذ هذا الطابع مباشرة من زرياب؛ لمواجهته. كما نوّه الكاتب بقدرة العنقا على الإبداع، وهو ما رآه ضرورة؛ فالفن، حسبه، يحتاج إلى التجديد وليس إلى التقليد وكفى. قدّم الكاتب عبد القادر بن دعماش، أوّل أمس بقصر رياس البحر، كتابه الجديد "الشيخ الحاج محمد العنقا.. عميد تراث أغنية الشعبي" الصادر عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية والذي يقع في 400 صفحة، أكد فيه أحقية تربُّع الحاج أمحمد العنقا على أغنية الشعبي، بل إنّه مؤسّسها بفعل التغييرات التي أدخلها في ما كان يسمى بالمديح المديني، أو الأغاني الشعبية، وتزويدها ببعض خصوصيات تراث الفن الأندلسي، وهي انقلابات، وتوشيات، وانصرافات، ومخيلصات، تُعَد نوتات خفيفة للترويح عن الجمهور، علاوة على إدماجه العديد من الآلات الموسيقية، وإيلاء اهتمام أكبر بأخرى، وهي الدربوكة، والبانجو، والبيانو، والموندول. وقال بن دعماش إنّ العنقا فنان مجدّد، استطاع بلورة فن الشعبي. وأبعد من ذلك، فقد أنشأ طابعا خاصا به اسمه "الساحلي" الذي استلهمه من فن "النهوان" . كما أضاف لفن الشعبي سبعة طبوع الأساسية لفن الأندلسي، وهي: رمل ماية، وزيدان، وموال، ولعراق، ومزموم، وجاركا، وسيكا. وذكر بن دعماش أنّ اهتمامه بالعنقا يعود إلى كونه فنانا مؤسّسا ومجدّدا، بالإضافة إلى أنّه ذكيّ، وسريع البديهة. كما كان يحفظ القصائد بسرعة، ممثلا بتنشيط العنقا عرساً في مستغانم عام 1937، والتقائه بشاعر معروف هناك اسمه عبد القادر بن سعدون، الذي كتب قصيدة للعنقا على المباشر في طابع "بيت وصياح" ، وهو طابع صعب لا يتمكن من أدائه إلاّ المهرة، فما كان من العنقا إلا أنّ حفظ القصيدة في رمشة عين، وأداها، أيضا، في تلك السهرة. وتحدّث بن دعماش في بداية المحاضرة، عن فن المديح الديني أصل فن أغنية الشعبي، الذي كان يؤدَّى في فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، كوسيلة للمقاومة. كما تطرّق للشيخ الذي تتلمذ على يديه العنقا، وهو الشيخ مصطفى الناظور الذي توفي عام 1926. وقد أُعجب بالعنقا، وألحقه بفرقته الموسيقية وعمره لم يكن يتجاوز 11 سنة. وتابع أنّ الناظور كان فنانا صارما لا يقبل الخطأ، لكن العنقا كان موهوبا، وكان في بدايته يضرب "الطار" . وقد ذكر العنقا في قصيدة له، أنّ الشيخ الناظور هو أستاذه، فقال: "هو سباب فهمي" ، علما أنّه هو من أطلق عليه اسم "العنقا" نسبة للطائر الخيالي الذي يولد من رماد احتراق جسده. كما أدى العنقا آخر حفل له في منزل حفيد الناظور. وأضاف بن دعماش أنّ العنقا لم يكن يستعين بورقة لأداء أغانيه مثله مثل الفنانين الكبار؛ كخليفي أحمد والشيخ حمادة. كما لجأ في الثلاثينات إلى عالم الأسطوانة، مُتّبعا الموضة آنذاك، ليلتحق بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بالإذاعة إثر تأسيس بودالي سفير، عدّة أجواق، آخرها جوق "الشعبي". وأشار بن دعماش إلى تسمية فن أغنية الشعبي أوّلا، بفن الأغنية الشعبية؛ أي إطلاق صفة لا تسمية على هذا الفن الذي لم يعرف اسمه الحالي إلاّ سنة 2005، حينما تم تنظيم مهرجان فن أغنية الشعبي، لتتحوّل صفة "شعبية" إلى اسم "شعبي". كما ذكر دراسة العنقا مرحلة الابتدائي فقط، ومع ذلك كان مثقّفا، ومصاحبا للمثقفين؛ مثل كاتب ياسين. وفي مرة من المرات قال لرجل يرتدي بِذلة ويتحدث بعشوائية: "تحدّث مثل ما تلبس، أو البس كما تتحدث". وبالمقابل، واجه العنقا سيلا من النقد الجارف من طرف ممارسي الفن الأندلسي حينما جدّد فن أغنية الشعبي مستغلا بعض مراحل النوبة الأندلسية. وفي هذا ردّ على منتقديه بأنّ كلّ فن يتعرّض للتجديد مثل فن الأندلس، وأنه لا يتقبّل النقد إلاّ من طرف الفنان الذي أخذ الأندلسي من مؤسّسه زرياب مباشرة، يضيف بن دعماش. ودعا بن دعماش إلى التغلغل في خبايا فن الأندلس في مختلف مناطق الوطن، ممثلا بالفنان راي مالك، الذي أسّس نوعا جديدا في فن الأندلس خاصا بالأغواط، إلاّ أنّه غير معروف للعامة، حيث غادر مالك الجزائر العاصمة بعد اتهامه بارتكابه جريمة قتل باتجاه الأغواط، ولم يبارحها إلى أن فقد الحياة.