مراصد إعداد: جمال بوزيان الجزء الثاني اتفاقات أبراهام في استمرار... غزو ثقافي جديد باسم الدين مرت خمس سنوات على اتفاقات أبراهام بين الكيان الصهيوني الغاصب وحكومات عربية (الإمارات العربية المتحدةالبحرين المغرب السودان والضغط جار حاليا لجر سورية ولبنان..) بوساطات أمريكية بهدف التطبيع.. وما لحق تلك الاتفاقات من اعتداءات صارخة على فلسطين لا سيما في غزة ولبنان وسورية.. والقائمة مفتوحة لتفتيت بلدان العالم العربي والإسلامي تحديدا. وبعد أكثر من 21 شهرا على الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة واستشهاد أكثر من 57 ألف بريء وتشريد ونزوح ما يقارب من مليوني فلسطيني في قطاع غزة المحاصر. سألنا أساتذة: هل اتفاقات أبراهام تعد سلاما أم تطبيعا كامل الأركان؟ وألا يراد صناعة دين جديد للهيمنة على الشعوب العربية والإسلامية وكل مقدراتها؟ ومن يواجه التمدد الإسرائيلي الحالك في المنطقة العربية والإسلامية؟ وما مقترحاتك لإفشال مثل هذه المؤامرات الصهيونية العالمية؟. ///// اتفاقات أبراهام .. خيانة ناعمة وتطبيع بثمن الكرامة أ.سعاد عكوشي خمس سنوات مرّت على ما يُسمّى باتفاقات أبراهام تلك التي طبّلت لها وسائل الإعلام الرسمية بوصفها سلام الشجعان بينما لم ير فيها الشارع العربي إلا ما هي عليه فعلا: خيانة سياسية وثقافية مغلّفة بكلمات ناعمة وتوقيع رسمي على استسلام طويل الأمد للكيان الصهيوني. أين نحن من كل هذا الطوفان التطبيعي الذي يُراد له أن يُصبح أمرًا واقعًا يُملى على شعوب المنطقة بوقاحة؟!. ما وقعته حكومات الإماراتوالبحرين والمغرب والسودان بضغط أمريكي فج لا يمكن تسميته اتفاق سلام بل هو تطبيع مع الاحتلال وتزكية لجرائمه في وقت كان فيه العدو يمعن في قتل الأطفال في غزة وتهويد القدس وهدم منازل الفلسطينيين وقصف سورية ولبنان في وضح النهار. فأين هو السلام؟ ومن أي باب يُشرعن هذا الاستسلام؟ بل كيف يُسوَّق للناس أن ما جرى هو تفاهم حضاري في حين أن آلاف الجثث الفلسطينية لا تزال تحت الركام وآلاف المعتقلين يُسحلون في زنازين العدو؟!. ما حدث لم يكن اتفاقًا سياسيًا بل انقلابًا قيميًا كاملًا على عقيدة الأمة في الصراع وعلى ذاكرة شعوبها ومصادرة لحقها في العداء الطبيعي والمشروع تجاه احتلال توسّعي دموي. الأخطر من التطبيع السياسي هو الاختراق العقائدي والثقافي الذي يحاول تمريره مشروع الإبراهيمية نسخة هجينة مشوّهة من الدين تُطبخ في مطابخ السياسة الأمريكية لتُقدَّم لشعوب المنطقة على أنها دين جديد ناعم منزوع من تاريخه المقاوِم من عقيدته الصلبة في رفض الظلم والاستدمار. يُسوَّق على أنه تقارب حضاري بينما هو في جوهره برنامج هيمنة ناعمة تُفرض على الشعوب العربية والإسلامية بالقوة والتضليل. ما يُسمى ب الديانة الإبراهيمية ليس سوى محاولة خبيثة لتفريغ الإسلام من روحه التحررية وتجريده من قيم المقاومة والعدالة وتحويله إلى نسخة مشوّهة مطواعة للطغاة ترضى بالظلم وتسوّق الاستسلام كفضيلة. يريدون أن يتحوّل الكيان الصهيوني من مغتصِب قاتل إلى جار مؤمن و شريك سلام وأن تُدفن فلسطين تحت ركام المصالح ويُخرَس صوت المقاومة باسم العيش المشترك . لكن أي دين هذا الذي يقبل الظلم ويعترف بالجلاد ويتعايش مع السفاح؟. ليست المسألة دينية ولا روحية بل سياسية حتى النخاع. المطلوب ليس التقارب بل إعادة تشكيل الهُوية وفق نموذج أمريكي – صهيوني يخدم مصالح الاحتلال ويفتح الأبواب أمام مزيد من التحكم في مقدرات الأمة من النفط والاقتصاد إلى التعليم والدين نفسه. هذا الدين الجديد المُعلّب في مختبرات واشنطن وتل أبيب لا يمثل الإسلام ولا المسيحية ولا اليهودية بل يمثل إملاءات الهيمنة وخرائط النفوذ وتقسيم الأدوار. وهو مرفوض بكل ما فيه من تزييف وانبطاح. الصمت المُريب من كثير من النخب الدينية والثقافية في العالم العربي يكشف مدى ما بلغه الاختراق السياسي من العمق حتى صار بعض الدعاة والمثقفين يبررون هذا السقوط الأخلاقي تحت شعارات مضللة مثل مصلحة الدولة أو إيقاف الحروب أو مواجهة النخب التي من المفترض أن تكون ضمير الأمة إما صامتة أو مهادِنة أو متورطة في تبرير التطبيع. تخلّت عن دورها وارتضت الجلوس في حضن السلطة بدل الوقوف في وجه الباطل. أما العلماء فقد لاذ كثير منهم بالصمت وكأن دماء الشهداء لا تعنيهم وكأنّهم ينتظرون فتوى من العرش لتأييد الحق. والشعوب أُنهكت قُمعت جُوّعت شُغلت بلقمة العيش لكنها ما تزال تحتفظ بجمر تحت الرماد. تتأرجح بين مطرقة القمع وسندان التضليل لكنها لم تنكسر. ولا يزال الوعي الشعبي رغم كل شيء يحتفظ بقوة الرفض كما ظهر في انتفاضات الطلاب وهبّات التضامن مع غزة والمقاطعات الشعبية.. من هذا المد التطبيعي ليست الحكومات ولا القمم ولا الاجتماعات الفارغة التي تعقد ثم تُنسى. التمدد الصهيوني لا يوقفه بيان شجب ولا مؤتمر تضامن تُصفّق فيه الكلمات وتُقتل فيه الحقيقة. ومن يواجه هذا التمدد الخطِر هم الأحرار الذين لم يبيعوا ضمائرهم ولم يخضعوا لعقيدة التطبيع الجديدة. هم الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن الأمة كلها وهو أعزل تحت القصف والحصار. هم المقاومة في غزة والضاحية وجنين ولبنان وسورية التي تثبت أن البندقية حين تكون مبدئية تردع الاحتلال مهما تكن موازين القوى. يواجهه الطلاب في الجامعات الشباب على وسائل التواصل الكتاب الشرفاء العلماء الأحرار والفنانون الصادقون. كل من يرفض أن يجمّل الاحتلال أو يسكت عن دم الشهداء أو يبيع فلسطين مقابل الاستقرار الوهمي . أما الأنظمة المطبّعة فهي شريكة في المشروع تسهّل له الطريق وتبرر خيانتها بشعارات فارغة لكن وكما كانت الشعوب دائمًا آخر الحصون فهي اليوم أول من يقاوم... وربما الوحيد. التمدد الإسرائيلي ليس قدَرًا بل مؤامرة تُنفّذ بصمت. وكسرها يبدأ بالوعي.. ثم الرفض.. والتحرك الحقيقي كلها آليات لمشروع مقاومة شعبية شاملة في وجه التطبيع والهيمنة. يتحقق ذلك من خلال: إعداد حملات توعوية منظمة في الجامعات المدارس المساجد وحتى المقاهي لشرح خطر التطبيع وصناعة الدين الجديد . طباعة وتوزيع منشورات ملصقات كتيبات مبسطة تكشف زيف الإبراهيمية والتطبيع الناعم. مقاطعة شاملة للمنتجات والشركات المرتبطة بالكيان الصهيوني والدول المطبعة ونشر قوائمها بشكل دائم. رصد وتعرية الأنشطة الثقافية والفنية التطبيعية أفلام أغان معارض شخصيات... وفضح المشاركين فيها. تنظيم منتديات طلابية ومخيمات شبابية فكرية تزرع الوعي المقاوم وتدرّب على العمل الجماعي. إنشاء مجموعات رقمية واتساب تيليغرام إنستغرام للمتابعة السريعة للانتهاكات والمستجدات والتعبئة الجماهيرية. إطلاق صناديق دعم محلية سرّية أو علنية لمساعدة الأسر الفلسطينية المحاصرة. استضافة نشاطات فنية وثقافية وأمسيات تضامنية لصالح المقاومة معارض صور شعر مسرح أغان ملتزمة... . كتابة مقالات فيديوهات قصيرة برامج بودكاست تكشف تناقضات العلماء الرسميين و المثقفين المطبعين . تشجيع علماء أحرار ومثقفين شجعان على رفع صوتهم وإحياء ثقافة العالم المقاوم لا العالم المطبع . إنشاء صفحات ومبادرات إعلامية محلية تبث بالعامية وبأسلوب بسيط للوصول إلى شرائح غير مسيسة. إنتاج مقاطع فيديو قصيرة من1 دقيقة إلى 3 دقائق تنتشر على TikTok وReels وYouTube Shorts بلغة حماسية وبصرية. استخدام الكتابة على الجدران الملصقات الشعارات في الشوارع والجامعات لإبقاء فلسطين حاضرة في الوجدان. مقاطعة الفضاءات والمؤسسات التي تروّج للتطبيع حتى داخل المجتمعات المحلية. في الختام لن نستسلم حتى إن خانت الحكومات وتواطأت النخب فالشعب الذي أنجب عز الدين القسام و أحمد ياسين لا يمكن أن يموت.. الصراع لم ينتهِ بل بدأ من جديد... في الميدان وفي الكلمة وفي الذاكرة. ///// اتفاق أبراهام.. إعادة صياغة المنطقة على مقاس الكيان الصهيوني أ.صافي محمد مظهر أحمد لا يخفى على قارئ لما يجري في منطقة الشرق الأوسط أن اتفاقية أبراهام هي عملية تطبيع شاملة الأركان تهدف إلى إقامة شبكة من العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية بين بعض الدول العربية والإسلامية والكيان الصهيوني. ولا تقتصر هذه الاتفاقية على مجرد تطبيع العلاقات الرسمية بل تسعى إلى صناعة منظومة فكرية تُروّج لفكرة التعايش والتعاون مع الكيان الصهيوني من خلال المناداة بوحدة الأديان بدايةً ما ييسر من خلاله تمرير الهيمنة السياسية والاقتصادية... وتُعد هذه العملية وسيلة لتعزيز موقع الكيان الصهيوني في المنطقة وتثبيت أركانه عبر كسر الحواجز الشعبية والرسمية التي كانت تقف عقبة أمام قبول وجوده وهو ما يفتح الباب أمام إعادة ترتيب موازين القوة بما يخدم المصالح الإسرائيلية على حساب القضايا العربية والإسلامية. في ظل التحولات الفكرية والسياسية الكبرى التي تعصف بالعالم يبرز بين الحين والآخر الترويج لمصطلحات تعبث بتشكيل الوعي الجمعي في سياق حديث يبدو ظاهريًا وحدويًا لكن عند التأمل فيه يظهر كمصطلح مزيف يُراد به تمرير أجندات لا تتصل بالجوهر العقدي البتة بقدر ما تتصل بمشاريع سياسية وتطبيعية تتخفّى وراء شعارات التعايش والحوار الديني. هذا المصطلح ليس وليد اللحظة بل يُعد امتدادًا لمشروع فكري سابق عُرف ب وحدة الأديان وهو المشروع الذي تلقى دعمًا كبيرًا منذ ظهوره وبلغ ذروته بإعلان بابا الفاتيكان فرنسيس عام 2016 رغبته في إنشاء دين عالمي موحد يضم الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية تحت شعارات السلام العالمي والتسامح بين الأديان. رغم الزخم الإعلامي والسياسي الذي صاحب هذه الدعوة إلا أنها قوبلت برفض واسع داخل المؤسسات الدينية في العالم سواء على المستوى الإسلامي أو النصراني لما تنطوي عليه من خرق جوهري للفروق العقدية التي تمثل أساسًا في كل ديانة. فعلى خلاف ما يُطرح عن مساحات مشتركة فإن القرآن الكريم نفسه يدعو إلى كلمة سواء تمثل دعوة للتوحيد لا للتماهي ولكل نبي دعوة تميز بها جمعت بين التوحيد والسلوك ولم تكن يوما مشروع إذابة في دين شامل أو وحدة شمولية لا معالم فيها.. ومن هذا المنطلق فإن ما يُطرح تحت اسم الاتفاق الإبراهيمي ليس سوى حلقة جديدة من هذا المسار لكن بغلاف سياسي وأهداف جيوستراتيجية واضحة. اتفاق أبراهام الذي وقّعته الإماراتوالبحرين عام 2020 ولحقت بهما السودان والمغرب لم يُطرح كاتفاق ديني رسمي بين المؤسسات العقدية بل جاء كاتفاق تطبيعي سياسي بامتياز قُدّم بمصطلحات محايدة ومضللة تُوحي بإطار قيمي أو إنساني مشترك لكنه في حقيقته يتغافل عمدًا عن الفروق العقدية ولم يُعرض يومًا على جهة إسلامية موثوقة للمراجعة أو التقييم الشرعي ما يضع علامات استفهام حول صدقيته كمشروع ديني. من الناحية الواقعية فإن النظر العميق في مثل هذه المبادرات يُظهر تلاشيًا متعمدًا للبعد العقدي لصالح دعم مشاريع التطبيع وهو ما يعكس وجهًا جديدًا من التوظيف السياسي للدين. فالدعوات المضلّلة تحت شعار البيت الإبراهيمي أو الديانات الإبراهيمية ليست سوى أدوات ناعمة في مشروع صلب المرامي هدفه دمج الكيان الصهيوني في المنطقة وإضفاء مشروعية على وجوده من خلال الانتماء الإبراهيمي. هذا الإدماج لا يقتصر على السياسة فقط بل يسعى لإعادة تشكيل وعي الشعوب لتقبل الكيان كجزء طبيعي من نسيج المنطقة وهو ما يشكل خطرا مضاعفا. الأخطر من كل ذلك هو أن المشروع لا يتصف بالجدية الصريحة بل يعتمد على تكتيك قديم يعرفه أهل البدع: الترويج لفكرة كبيرة مثيرة للجدل لتمرير فكرة أخطر وأكثر ضررًا تحت غطاء الجدل. فبينما ينشغل الناس بالخلاف حول جمع الكتب السماوية أو إنشاء معابد مشتركة يُمرر التطبيع كأمر واقع ليصبح لاحقًا من المسلمات. هذا المسار يُشبه ما حدث مع مشروع وحدة الأديان الذي أُثير ثم تلاشى بعد أداء وظيفته السياسية. ويُعزز هذا الطرح أن صاحب المشروع السياسي كان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أثناء عهدته الأولى المعروف بإطلاق مشاريع رنانة يصعب تنفيذها لكنها تخدم غاية جزئية محددة بمهارة إعلامية وتلفزيونية مشهودة. المشكلة لا تكمن فقط في المضمون بل في السياق الذي يُراد فرضه على المجتمعات بحيث يصبح الكيان المحتل شريكًا في منظومة أمنية وسياسية له الحق في التدخل في شؤون المحيط العربي لا باعتباره خصمًا أو كيانًا دخيلًا بل كعضو في الحلف الإبراهيمي . وهذا ما يجعل المشروع خطِرًا لأنه يتجاوز التقبل السياسي الرسمي إلى محاولة اختراق التقبل الشعبي وهو الأخطر. في الحالة السورية يصبح المشروع أكثر تصادمًا مع الهوية الدينية والثقافية فالشعب السوري بأكثريته المتدينة وبحكم التجذر العميق للمدارس الدينية في حواضر العلم الشامي لا يمكنه أن يتقبل مشروعًا كهذا دون أن يحدث فيه تمزق داخلي أكيد. فالمجتمع السوري لم يكن يومًا أرضًا خصبة لمشاريع الانصهار الفكري بل حافظ على تميّز عقدي مدعوم بمنهجية علمية تبلورت في مدارس فكرية شامية عريقة على رأسها مدرسة الشيخ بدر الدين الحسني وتلميذه الشيخ علي الدقر والشيخ حسن حبنكة الميداني وعبد الكريم الرفاعي والشيخ أحمد الحارون وغيرهم من كبار العلماء الذين صاغوا الوعي الديني السوري الحديث. هذه المدرسة كانت حصنًا متينًا ضد آثار الاستعمار الفرنسي وأثبتت قدرتها على الجمع بين العقيدة الواضحة والروحانية العميقة والمنهج الفقهي المتين وهو ما يُعزز قدرتها اليوم على التصدي لغزو ثقافي جديد يلبس لبوس الدين. من مظاهر الخطر أن هذا المشروع لا يعبّر عن نفسه بوضوح بل يتخفى خلف شخصيات جدلية كثير منها مثير للريبة يتحدث باسم مشروع ضبابي لا يتولى أحد توضيح أبعاده وكأن الجهة المصنّعة لا تريد أن تتحمّل تبعاته إن فشل وتُحمّل اللوم في ذلك على الأطراف المتلقية. وهذا بحد ذاته ملمح يدل على نيات غير بريئة ويستوجب الحذر لا سيما عند ما يُراد تمرير هذه الدعوات ضمن مناهج تعليمية أو مبادرات شبابية بلا جذور علمية أو مرجعية شرعية. في ضوء هذه المعطيات فإن أقوى أشكال المواجهة تكمن في تحصين الوعي وتوجيه المنابر والخطاب الديني والتعليمي نحو إعادة إبراز القيمة الذاتية للعقيدة الإسلامية وفهم النصوص الشرعية التي تُقر التعايش لكنها تُحذر من الذوبان في الآخر عملاً بالهدي النبوي الشريف: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (رواه الترمذي والنسائي). وهذا التحصين لا يكون فقط بالموقف الدفاعي بل بإحياء المدرسة الفكرية الروحية الفقهية التي أثبتت نجاعتها تاريخيًا وتقديم قراءة جديدة معاصرة تشرح خطر هذه المشاريع وتفكك خطابها وتقدّم بديلاً معرفيًا مقنعًا للجيل الجديد. أما في الخصوصية السورية فإن من الحكمة التشديد على خطاب الوحدة في الأصول والتجاوز المرحلي عن الخلافات الفرعية التي قد تُشغل الساحة عن مواجهة المشروع الجذري الأخطر. وفي هذا السياق يُستأنس بكلام حجة الإسلام الإمام الغزالي في كتابه فيصل التفرقة حين فرّق بدقة بين الخلاف في الفروع والخلاف في الأصول ودعا إلى معالجة كل منهما بما يناسبه. وعلى المؤسسات الدينية والفتاوى والتعليم والثقافة أن تتعاون في صياغة خطاب تحصيني شامل يعالج الفكرة لا فقط الظاهرة ويركّز على الجذور لا القشور ويزرع في الجيل أن قوة العقيدة في وضوحها لا في تميعها وفي استقلالها لا في اندماجها. إن المشروع المُشار إليه بكل خلفياته ورموزه ومصطلحاته ليس دعوة للسلام بل إعادة صياغة للمنطقة على مقاس الكيان الصهيوني ومن غير العقلاني أن نفتح له الأبواب من مناطق رمادية ومصطلحات خادعة تنمو فيها بؤر التمزيق باسم المشترك الإنساني. وتمامًا كما زرعت مشاريع القومية والاشتراكية سابقًا نبتة البعث الخبيثة فإن تجاهل هذه المشاريع الجديدة قد ينتج ما هو أشد خطرًا إن لم نواجهه بالفكر والمنهج والبصيرة.