بقلم: وائل قنديل في ذروة همجية العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزّة وقبل إعلان شرم الشيخ لم تصل حصيلة الإجرام الإسرائيلي إلى أكثر من مائة شهيد فلسطيني في نصف يوم إذ كانت معدلات القتل اليومي بين 60 و70 شهيداً مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذه الاستهدافات كانت تُستقبل ببيانات إدانة وتنديد عربية ساخنة تحتوي على كميات مُعتبرة من أشدّ العبارات . هذه المرّة وفي أجواء الاحتفالات بما تعتبره كلّ دولة إنجازًا لها وإنقاذًا للشقيق الفلسطيني قتل الاحتلال 114 شهيداً فلسطينيّاً في واحدة من أعنف الهجمات بينما كانت كلّ أطراف الوساطة العربية تناضل من أجل العثور على جثث جنود العدو في قطاع غزّة وفيما كانت قوات بحث وحفر مصرية تكدّ وتعمل تحت سماء القطاع. لم نسمع أنّ أحداً من الوسطاء دان جريمة ليلة الأربعاء الماضي التي شنّت فيها إسرائيل أعنف اعتداءاتها على شمال القطاع وجنوبه فقط سمعنا كبير الوسطاء دونالد ترامب يعلّق بأنّ تل أبيب لم تخرق الاتفاق بل مارست حقّاً مشروعاً في الردّ والانتقام من مقتل جندي صهيوني في عملية لم يثبت أنّها من تنفيذ المقاومة الفلسطينية ثم تابع وهو في الطريق إلى شرق آسيا تهديده ووعيده بالقضاء على المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حماس إن هي أقدمت على فعل ما يغضبه ويغضب تل أبيب. *المسكوت عنه في اتفاق شرم الشيخ الشرعية التي يمنحها ترامب لجرائم الاحتلال هي شرعية شرم الشيخ التي وقّعت عليها الدول العربية وتركيا لنكون أمام عدوان صهيوني بعد اتفاقَ السلام الأميركاني الذي يلخّصه ترامب وأعضاء إدارته في أنّه السلام الذي ترضى عنه إسرائيل ويضمن لها السيادة والأمان ويُنهي مبدأ مقاومة الاحتلال ويُجرّمها ويعتبرها انتهاكاً لما اتفق عليه الموقّعون وينصّ على تجريد غزّة من سلاحها وتحويلها إلى جدار حماية للكيان الصهيوني بوضع لجنة دولية لإدارتها تحت وصاية البيت الأبيض الذي يحدّد مفهوم السلام بأنه كلّ ما يضمن مصلحة إسرائيل وبنصّ عبارات وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو لن يتحقق السلام طالما هناك منطقة تهدّد أمن إسرائيل والجميع يتفهم ذلك . وعلى ضوء ذلك يمكن فهم دوافع وأهداف زيادة وتيرة الاعتداءات والتوغّلات الصهيونية في لبنان إذ يتحرّك الاحتلال بأريحية أكثر من ذي قبل فور إعلان بيان مؤتمر ترامب في شرم الشيخ. الشاهد أنّ المسكوت عنه في اتفاق شرم الشيخ أخطر بكثير مما جرى إعلانه في أجواء بهيجة روّجت لانتصار تاريخي لصالح غزّة وفلسطين وسط حملة تلميع صهيونية للرئيس الأميركي بوصفه منحازًا أكثر لحماس إلى حدّ ذهاب وسائل إعلام صهيونية إلى نشر كاريكاتير يظهر فيه ترامب مُلثّمًا بالشال الفلسطيني ومن ضمن ذلك المسكوت عنه ما كشفه دبلوماسي أميركي سابق ل العربي الجديد عن أنّ بنداً في خطّة ترامب لإنهاء الحرب على غزّة كان يشير صراحة إلى عدم ضم إسرائيل الضفة الغربية ولكن تم حذفه بعد ضغوط من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تعديلات الأيام الأخيرة قبل الإعلان الرسمي للخطة . المُعلن حتى الآن من سلام شرم الشيخ أنّ لإسرائيل أن تنفّذ جرائم وحشية تحصد عشرات بل مئات الشهداء إذا تراءى لها ذلك تخرق الاتفاق وتنتهكه وقت الحاجة ثم تعود إليه تحت غطاء من تبرير الوسطاء والرعاة عدوانَها وتحت ذريعة أنّ هجومها قتل نحو 26 من قيادات المقاومة الميدانية زعمت أنّهم كانوا خطرًا على أمنها وكأنّ ذلك صار كافيًا ليلتزم الجميع السكوت أو الحديث عن خروقات كانت متوقّعة وحقّ الاحتلال في الردّ عليها. المشكلة أنهم لا يزالون يتحدّثون عن أنّهم أوقفوا الحرب بل ويتنافسون في نسبة هذا الإنجاز فالرئيس الأميركي يعلن كلّ يوم أنّه من أوقف الحرب التي لم تقف عمليًا وجمهور عبد الفتاح السيسي في مصر ما زال يُقيم المهرجانات ويعلّق الزينات وينحت التماثيل للزعيم الذي أوقف الحرب وحده ولن تعدم من يزعم بين جمهور أردوغان أنّه بدهائه وحنكته هو الذي أجبر الرئيس الأميركي على إيقاف الحرب عن طريق اتفاق سري بينهما ويتخذ الأمر طورًا ساخراً حين يطالب نفر من اللبنانيين بحصّة من السلام الأميركي ويناضلون من أجل نزع سلاح المقاومة في اللحظة التي تشتدّ فيها التوغلات الإسرائيلية إلى الحدّ الذي دفع برئيس الدولة اللبنانية إلى إصدار تعليمات للجيش بالتصدي للعدوان الصهيوني. نحن أمام لحظة شديدة البؤس في سخريتها حين يسمّي بعضنا الاعتداءات الصهيونية على الشعب ردًا على خروقات متوقّعة فيما يناضل بعضنا الآخر لتجريد هذه الأمّة المنكوبة بحكامها من أيّ سلاح أو أداة لردع الاحتلال عن المضي في تحقيق أحلامه التوسّعية لنشاهد جميعًا فصولًا أعنف من العدوان على لبنان وغزّة والضفة ثم نرقص في احتفالات نهاية الحرب!