يلجأ الكثير من الأشخاص خاصة خلال شهر رمضان إلى التزام المساجد وأداء العبادات المختلفة، ليتوجهوا بعد ذلك إلى التمتع بالسهرات المقامة، حيث تجد أن أغلبية الأسر حريصة على إتمام الأيام المتبقية في ظروف حسنة ومميزة من خلال الاجتماعات العائلية التي تستمر في غالبية الأوقات إلى غاية أوقات متأخرة من الليل بحضور أنواع الحلويات المختلفة والشاي لتبادل أطراف الحديث. ولعل الأمر الملفت للانتباه هو تلك الطريقة التي ينتهجها عامة الناس أثناء حديثهم إلى بعضهم البعض من خلال مزج كلامهم بأمثال شعبية نجدها متداولة بين الأفراد، تظهر ذلك الكلام الموزون الذي يحمل في طياته حكم الأسلاف وخلاصة تجاربهم، والتي تنساب عادة على وقع موسيقى لغوية مميزة. فبالرغم من تعاقب الأزمان والتغييرات الحاصلة في بنية المجتمع لا يزال هذا الموروث الحضاري يفرض وجوده بين ثنايا مواقفنا الحياتية، وقد عرف تداولا خلال السهرات الرمضانية نتيجة الاحتكاك بكبار السن ممن تسري على ألسنتهم بكثرة، من خلال مجموعة من التعابير العفوية التي تعبر بدقة عن مواقف مليئة بتجارب حياتية مرفقة بحكم ذات قيمة لغوية وجمالية قد لا يبلغها سوى عقل على قدر من الفطنة والذكاء، هذه الأمثال الشعبية التي تقدم دروسا في الأخلاق من خلال سلسلة من المواعظ التي تختصر العديد من المعاني في كلمات معبرة وموجزة والتي تبرز خصوصيات ذلك الفرد داخل العائلة. ورغبة منا في معرفة مدى استعمال وتداول هذه الأمثال خاصة خلال شهر رمضان الذي يعتبر فرصة سانحة لالتفاف جميع أفراد العائلة على مائدة الإفطار طيلة شهر كامل، وكذلك في وقت السهرات، حيث تتبادل الزيارات بين الأقارب والجيران والأحباب وتختلط جميع الفئات بمختلف الأعمار، وخاصة منهم الكبار الذين يعتمدون في كلامهم وبكثرة على استعمال مثل هذه الأمثال لما فيها من عبر للأجيال حتى لا تزول بمرور الأيام التقينا بمجموعة من الشباب الذين كانوا يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم بالقرب من محطة الحافلات بالعاصمة، وسؤالنا لهم كان حول مدى تداول هذه الأمثال الشعبية داخل بيوتهم أو المحيط الذي يعيشون فيه خصوصا في شهر رمضان الذي فارقنا ثلثه الأول، حيث أجمعوا على أن هذا الشهر الكريم كان فرصة لاطلاعهم على الكثير من الأمور من خلال اجتماعهم بأجدادهم وبأنه لا يمكن إنكار حقيقة تداول هذه الأمثال في أحاديثهم اليومية من خلال المتعة التي يجدونها في حديثهم بها خاصة في المناسبات وبعض المواقف المعينة. في السياق ذاته أضاف نسيم بقوله: (إن أكثر من يتداول هذه الأمثال في وقتنا الحاضر هم كبار السن، حيث تشكل هذه الأمثال جزءا معتبرا من ثقافتهم بالمشافهة مقارنة معنا نحن الشباب بالرغم من أننا متعلمون إلا أننا نجهل العديد من هذه الأمثال الشعبية)، في الوقت الذي ذهب فيه البعض الآخر من الشباب إلى التركيز على استغلال فرصة تواجدهم برمضان والتقاء كبار السن مع بعضهم البعض إلى جانب أفراد العائلة يقول محمد: (أعشق كل ما هو متعلق بحضارتنا والأمثال الشعبية جزء مهما منها، لذا فإنني استغليت فرصة رمضان والسهرات المقامة من أجل جمعها في كتاب من خلال كتابتها وذلك لغرض واحد وهو الحفاظ عليها لأننا عادة نستعمل هذه الأمثال في حياتنا اليومية في بعض المواقف التي نمر بها حيث ينطق بها لساننا بطريقة عفوية نتيجة تداولها في المحيط الاجتماعي الذي ننتمي إليه). وبالرغم من حكمتها وتداولها خلال أيام رمضان إلا أنها تسير في طريق الاندثار في عصر الأنترنيت والهاتف النقال وعصر الموضة والاستهلاك السريع، الذي جعل من شباب الجيل الحالي يتطلعون فقط لما وراء البحار من آخر صيحات التكنولوجيا فرمضان فرصة لتقريب البعيد وإحياء القديم.