أثارت زيارة رئيس أركان الجيوش الفرنسية الفريق أول بيار دو إلى الجزائر، كثيرا من الجدل حول الأهداف الخفية التي تقف وراء هذه الزيارة، حيث سارعت عديد الأطراف إلى دق طبول الحرب ولوحت بوجود نية فرنسية لخوض تدخل عسكري في ليبيا والزج بالجزائر في هذه الحرب أو جعلها طرفا فيها أو ربما إعطاء دور المقاول العسكري للجزائر وإلى غير ذلك من المضاربات والتكهنات. ولعل ما يدعو إلى التساؤل، هو على ماذا اعتمدت هذه الجهات حين أكدت انسياق الدولة الجزائرية، هل لديهم معلومات أمنية، معطيات مسربة من مصادر موثوقة، أم هي مجرد تخمينات تم جمعها لتأليف سيناريوهات لا أصل لها؟ من يريد أن يفهم سياسة الجزائر داخلية كانت أم خارجية ما عليه إلا أن يعود أولا وقبل أن ينطلق مما هو حاصل في المرحلة الراهنة، إلى سنة 2011 التي شهدت ما يسمى بانتفاضات »الربيع العربي«، عندما خاضت الجزائر مواجهة عنيفة لحماية نفسها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. واستنادا لما أوضحه الدبلوماسي والوزير السابق عبد العزيز رحابي، فإن هذه المضاربات ارتبطت بتداعيات المرحلة الحالية التي تعرف فيها ليبيا انفلاتا أمنيا كبيرا أدخلها في حرب لا نهاية لها بين مختلف المليشيات العسكرية بما يوحي ببروز بؤرة إرهاب جديدة في المنطقة، تقلق البلدان المجاورة وكذا الدول الغربية، كما تزامنت هذه الأحداث بزيارة قائد الأفريكوم للجزائر ويضاف إلى ذلك تصريح وزير الدفاع الفرنسي بعدها مباشرة عندما قال، »على فرنسا التدخل في ليبيا وتجنيد كل المجموعة الدولية لتحقيق هذا التدخل«. أما بالنسبة لزيارة رئيس أركان الجيوش الفرنسية للجزائر، فيرى رحابي أنها كانت مبرمجة منذ مدة بطلب من الفريق قايد صالح، وبالتالي فهي زيارة عادية تدخل في إطار أول زيارة قام بها الرئيس الفرنسي للجزائر فرانسوا هولاند. إن مثل هذه التحاليل تجد من ينصفها من خلال التصريحات الرسمية، على غرار ما قاله وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، الجزائر تنسق ثنائيا مع معظم الشركاء الذين يلتزمون بالمساهمة في محاربة الإرهاب في ظل احترام عدد من المبادئ المكرسة دوليا في إستراتيجية الأممالمتحدة للتعاون الدولي ضد الإرهاب وفي ظل موقف الجزائر الثابت الذي يشترط أن تتضافر الجهود في ظل احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وأضاف أن الجزائر طرف هام في التعاون الدولي ضد الإرهاب. وعن ليبيا فإن الموقف الرسمي كان صريحا، عندما أكد لعمامرة مرة أخرى، أنه في حالة ما إذا ارتأى الليبيون أن الجزائر هي المكان المناسب لجمع شملهم وإطلاق مسيرة توحيدية وجامعة للشمل في إطار المصالحة الوطنية وبناء المستقبل الليبي، فإن الجزائر ترحب بذلك، مشيرا إلى أن الجزائر لن تمانع أي حل بأي كيفية ممكنة ومحبذة يقترحها الليبيون أنفسهم ويبقى أن موقف الجزائر ثابت ويقضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهذا لا يعني اللامبالاة، على حد تعبيره. كثيرون من حاولوا الزج بالجزائر في حروب، لكن دون جدوى، وهذا بداية من محاولة إقحامها في الحرب بمالي أو غيرها من الدول التي تعرف انفلاتا أمنيا، لكن السياسة الحكيمة التي تبنتها الجزائر من خلال دبلوماسية رفيعة المستوى تقوم أساسا على الاعتدال، احترام الآخرين، العمل على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لتبقى أقصى مساهمة للجزائر هي لعب دور وسيط من أجل السلام كما فعلت في مالي، ويضاف إلى ذلك تلك العقيدة الراسخة للجيش الوطني الشعبي الذي يلتزم في إطار مبادئ الدستور بحماية الوطن ولا يسمح لجنوده أن يخرجوا منه ولا يقبل أن يضحي بهمك في قضية لا تعني بلدهم، كلها مبادئ وقيم مكنت الجزائر من الحفاظ على استقرارها وتحصين الوطن من أي انحراف أو تهديد داخليا كان أم خارجيا وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن الجزائر بعيدة كل البعد عن أوهام الحرب التي يروج لها البعض.