ما فتئ حزب جبهة التحرير الوطني يدعو إلى تغليب روح الحوار المسؤول والمنظم والتحلي بالحكمة والتعقل، لإيجاد الحلول لمختلف المشاكل المطروحة، وهذا للحفاظ على الأمن والاستقرار وسد الطرق أمام الذين، باسم التغيير والديمقراطية، يريدون الزج بالبلاد في مستنقع العنف والفتنة. ولم يفوت الأمين العام للحزب الفرصة، في أكثر من مناسبة، إلى الدعوة للتصدي للمؤامرة التي تستهدف الجزائر، من خلال محاولات إعادة تغذية الإرهاب، مؤكدا بأن أمن الجزائر يتطلب تحصين الجبهة الداخلية وتأمينها ضد كل الأخطار ودعم جهود الجيش الوطني الشعبي وأسلاك الأمن في محاربة الإرهاب وحماية حدود البلاد وحفظ سيادتها الوطنية وتوفير أسباب أمنها وتدعيم دفاعها الوطني. لقد حاول بعض الأطراف ركوب الحركة الاحتجاجية التي قام بها أعوان الشرطة واستغلالها سياسيا، وراح هذا البعض يبشر- للأسف الشديد- بالرياح العاصفة التي أخذت تهب على الجزائر وهناك من رأى أن احتجاج الشرطة هو بداية الانهيار. ولعله ليس مجرد صدفة أن تتزامن العملية الإرهابية التي أودت بحياة ثلاثة عناصر من الشرطة مع احتجاج أعوان الأمن، فالإرهاب استغل الظروف التي رافقت الحركة الاحتجاجية لارتكاب جريمته الشنعاء، في محاولة لإعطاء الانطباع بأن هناك انفلاتا أمنيا وأن الجزائر قد عادت إلى مربع الأزمة. لذلك كله، فإن الدرس الذي يمكن استخلاصه من هذه الأحداث هو أن الحفاظ على أمن البلاد قضية حيوية لا يمكن التفريط فيها أو التلاعب بها أو اعتبارها مسألة ثانوية، خاصة في هذا الظرف الذي يستوجب التحلي باليقظة للوقوف بالمرصاد لكل ما من شأنه أن يمس بأمن الوطن والمواطن. وإذا كان خروج أعوان الأمن للتظاهر في الشارع ظاهرة غير مسبوقة، فلماذا لا ننظر إلى هذه الظاهرة، مهما بدت غريبة وغير مألوفة في بلادنا، على أنها ليست عصيانا ولا تمردا وأنها ذات مطالب اجتماعية ومهنية صرفة. لقد التزم أعوان الأمن بمهمتهم الوطنية المنوطة بهم في حماية الأشخاص والممتلكات، إذ في الوقت الذي كان البعض منهم يقوم بالحركة الاحتجاجية بالعاصمة وعدد من الولايات، كانت الأغلبية الغالبة تضطلع بدورها الأمني بكل مسؤولية وفي احترام كامل لقواعد الانضباط التي تفرضها الوظيفة. لقد انفرجت الأزمة، ولو نسبيا، ولم يقع ما كان يتمناه الصيادون في المياه العكرة، أولئك الذين كانت خيبة أملهم كبيرة، لأن ما كانوا يتمنون وقوعه لم ولن يحدث، ولأن جهاز الشرطة ينأى بنفسه عن كافة الحساسيات والحسابات السياسية، وهذا ما يتجلى في قيامه بمهامه بكل إخلاص وانضباط وبما يمليه الواجب والقانون وعدم إقحامه في مسائل لا تعنيه وهي بعيدة كل البعد عن مهامه والتزاماته. إن أسلاك الأمن تضطلع بمهمة حيوية، وهي بهذا تستحق عرفان وتقدير المجتمع، ولهذا الاعتبار كان تجاوب السلطات العمومية مع المطالب المشروعة التي، تتوافق مع واجبهم الوطني وحجم تضحياتهم.