تتواصل اختبارات شهادة البكالوريا لليوم الرابع على التوالي تحت ضغوط نفسية كبيرة ، تكاد تكون غير مسبوقة بالنسبة لتلاميذ الأقسام النهائية، وحتى وإن حصل غش جماعي قبل سنتين، وتظاهر الممتحنون في الشوارع، إلا أن ما حصل في دورة هذه السنة هو غش أيضا ولكنه هذه المرة من طبيعة أخرى، لم تتفطن إليها الوصاية والجهات المعنية الأخرى بالامتحانات، وكانت تصريحاتها المتلاحقة تِؤكد على اتخاذها كافة إجراءات منع الغش،إلا أنها لم تضع أبدا في حسبانها الكيفية المثلى للتعامل مع آخر صيحات الغش الحديث، الذي أحدثته خدمة تقنيات الجيل الثالث. تعيش وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريت هذه الأيام على وقع الارتدادات القوية المتتالية التي أعقبت الخطأ المقترف في حق موضوع اختبار اللغة العربية، وتسريب أسئلة الاختبار مباشرة بعد عشرين دقيقة من توزيع الأوراق على الممتحنين، وعلى وقع الترويج الواسع للمواضيع والأسئلة المزورة على صفحات "الفايسبوك"، الأمر الذي اضطرّها رفقة مساعديها للإدلاء بعدد من التصريحات وتقديم التوضيحات بشأن ما جرى، وقد تفطنت أمس لتنظيم ندوة صحفية، باستدعاء صحفيين، وأبلغت عن طريقهم الرأي العام الوطني بآخر المستجدات، وآخر ما انتهت إليه جهود الوزارة والجهات المعنية الأخرى، وما تنوي الاستمرار فيه، وقد أعلنت بشكل واضح عن أن مراكز إجراء الامتحان عبر الوطن قد أقصت رسميا 61 ممتحنا منهم 16 متمدرسا و45 ممتحنا من الأحرار بعد أن عُثر على هواتف نقالة معهم، وهي ممنوعة منعا باتا في قاعات الاختبارات، وأكدت بن غبريت أن هؤلاء جميعهم سيُعاقبون إداريا من قبل اللجنة الوطنية المشكلة لهذا الغرض، التي ستجتمع لاحقا، والعقوبة التي ستفرضها هي من 3 إلى 10 سنوات إقصاء عن المشاركة في أي امتحان قادم. أما الأشخاص الذين كانوا وراء الترويج للأسئلة المزورة لامتحان شهادة البكالوريا، فأعلنت أن هويتهما قد حُدّدت، وهما شخصان من ولايتين، وسيُحالان على العدالة، وسيُتابعان في إطار قوانين الإجرام الإلكتروني. ونفس الشيء بالنسبة إلى الذين قاموا بتسريب أسئلة مادة اليوم الأول(اللغة العربية) بعد عشرين دقيقة من بداية الاختبار، وقد أكدت أن هويتهما قد حُدّدت أيضا. وفيما يخص خطأ اختبار مادة اللغة العربية فأكدت من جديد الوزيرة بن غبريت أن هذا الخطأ غير مقبول، وأظنّهُ خطأ غير متعمد، ومع هذا ستكون هناك عقوبة، تقررها لجنة التحقيق، بعد أن تُراجع بدقة سلسلة التحضيرات التي مرت عليها أسئلة المادة، وتحدد فيها المسؤوليات. ومن الآن قالت الوزيرة: الأساتذة والمفتشون الذين تسببوا في هذا الخطأ سيُوضعون على القائمة السوداء، ولجنة التحقيق هي التي تقرر الاقتراحات للعقوبات اللازمة، ولابدّ من الانضباط والمسؤولية. وما هو ملفت للانتباه أكثر، ويطرح في نفس الوقت العديد من التساؤلات، أن وزيرة التربية الوطنية أكدت أنه "تمّ التعرف على الواقفين وراء هذه الإضطرابات"، في الوقت الذي ما يزال الرأي العام الوطني ينتظر منها أن توضح أكثر، وأن تسمّي بالشفافية المطلقة من هم هؤلاء الذين يريدون تعكير صفو هذا الامتحان، والعبث بالضمير الوطني الحي، وكان من بين ممثلي الشعب في المجلس الشعبي الوطني عن جبهة العدالة والتنمية النائب حسن عريبي توجّه إلى وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريت بسؤال كتابي، طالبها فيه "الكشف عن الأطراف الخفية التي تقف وراء هذه الفضائح"، ولم يفت النائب القوي حسن عريبي أن أعطى صورة مقارنة بين تسريبات أسئلة البكالوريا، التي جُوبه بها الوزير الأسبق القدير علي بن محمد سنة 1992 ، وأجبرته على الاستقالة من منصب الوزير وهذه الفضائح الحالية التي تجري هذه الأيام وبشكل متزامن مع بعضها البعض في عهدة الوزيرة الحالية نورية بن غبريت.