قويدري يبحث فرص التعاون الثنائي مع السفير الأوغندي    رؤساء المجموعات البرلمانية يشيدون بالرؤية الوطنية المتكاملة للنص    عاما من النضال من أجل تقرير المصير والاستقلال    ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 69182 شهيدا و170694 مصابا    الأوضاع الإنسانية بغزة ما زالت مروعة    بحث سبل تعزيز التعاون الجزائري-الأردني    في بيان لها حول انتشار "الجرب" في بعض المدارس    توحيد مواضيع الاختبارات وفترات إجرائها    متابعة تجسيد البرامج التكميلية للتنمية    دستور 2020 يؤسس لمرحلة بناء دولة الحكم الراشد    تصدير فائض الطاقة يفتح آفاقا لتوسيع الاستثمارات    "سلام تصدير +" لدعم الصادرات الوطنية    الشركات الروسية مهتمة بالاستثمار في السوق الجزائرية    اختبار تجريبي قبل ودية أقوى مع السعودية    مقلّد الأوراق المالية في شباك الشرطة    12 مصابا في اصطدام بين حافلة وشاحنة    786 حالة سرقة للكهرباء    ندوة دولية كبرى حول الشاعر سي محند أومحند    نحو تجسيد شعار: "القراءة.. وعي يصنع التغيير"    مساحة للإبداع المشترك    مدرب منتخب ألمانيا يردّ على تصريحات مازة    تحديد منتصف جانفي المقبل لعودة غويري للمنافسة    إبراز أهمية توسيع علاقات التعاون الاقتصادي    سلطة ضبط البريد والاتصالات تُحذّر..    الإصابات تضرب بيت الخضر    إبراز ضرورة حماية المنتجات التقليدية وطرق تسويقها    اجتماع تحضيري لإطلاق المخيمات الشتوية    خنشلة : توقيف شخص اعتدى على شخص آخر    الرئيس الصومالي يخص باستقبال رسمي    جلاوي يستعرض مدى تقدم المشاريع في الجنوب الكبير    ناني ضمن طاقم للخضر    حيداوي يُحفّز المبتكرين    بونعامة يبرز أهمية اعتماد معايير الجودة    الجزائر وأنغولا تجمعهما مواقف مبدئية    ناصري يرافع من باكستان لمقاربة الجزائر الشاملة    بلمهدي يُوقّع اتفاقية الحج للموسم المقبل    كيف يشكل الهاتف تهديداً لذاكرة طفلك؟    إنطلاق "الملتقى الدولي للمبدعين الشباب" بالجزائر العاصمة    أسبوع القافلة السينمائية للأفلام الثورية " من 9 إلى 13 نوفمبر الجاري    عجال يستقبل وفدا من "جنرال اليكتريك" الأمريكية    ضبط برنامج جلسات مناقشة مشروع قانون المالية 2026    ارتفاع محسوس في الكشف عن سرطان البروستاتا بقسنطينة    جهود متميزة تبذلها الجزائر لتهيئة الظروف الملائمة للاجئين الصحراويين    ستورا يدعو فرنسا للاعتراف بجرائمها في الجزائر    المنتخب الوطني يحطّ الرّحال بجدّة    ياسر جلال يوضّح تصريحاته بالجزائر    بلمهدي في السعودية    نزوح 75 ألف شخص من إقليم دارفور السوداني    من ينصف الأسرى الفلسطينيين أحياء وأمواتا؟    وزير الشؤون الدينية بلمهدي يشارك في اللقاء نصف السنوي لرؤساء مكاتب شؤون الحجاج بالسعودية    بعيدا عن هموم مهنة المتاعب..!؟    الطبعة الرابعة لنصف مراطون "الزعاطشة" ببسكرة    عبد الرحمان بن عوف .. الغني الشاكر    غنى النفس .. تاج على رؤوس المتعففين    فتاوى : واجب من وقع في الغيبة دون انتباه وإرادة    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    مؤسسة Ooredoo تبرم شراكةً رسميةً مع نادي مولودية وهران    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



Chez la France إفريقيا
نشر في صوت الأحرار يوم 01 - 06 - 2010

جنّدت فرنسا ترسانتها الدبلوماسية والإعلامية، وحرّكت أتباعها النافذين في دول مستعمراتها القديمة، لتُقنِع مَن لم يقتنع بعد بالمشاركة في المؤتمر، الذي دأبت على أن تجمع فيه معظم قادة إفريقيا، لتوهُّمها أنها ما زالت سيّدة الجميع، وأنهم مجرد ممثلين لها في بلدانهم.
رحلت إفريقيا الرسمية إلى فرنسا، ليخيّم زعماؤها أو ممثلوهم في إحدى مدنها الجميلة، في إطار ما أطلقت عليه باريس للمرة الخامسة والعشرين اسم: فرنسا إفريقيا، ويبدو أن هذه التسمية لم تطلق عبثا، إنما لها دلالتها التي تشير إلى أن فرنسا، لم تزل تؤمن أن كثيرا من الجيوب المفصلية في هذه القارة، هي مجالها الحيوي الذي لن ترضى بأن يزاحمها فيه لاعب، حتى ولو بلغت من الضعف مبلغه، وأن ما ترفعه في وجه دول هذه القارة من شعارات إنسانية جميلة، ما هو إلا إغراء يناقض ما ُتبْطِنه لتلك الدول جملة وتفصيلا، والدليل أن بصماتها واضحة في أكثر من منطقة توتر إفريقية، وجرائمها ثابتة في أكثر من دولة أو إقليم إفريقي .
وجّهت باريس الدعوة إلى أكثر من خمسين رئيس دولة إفريقيًّا، واستثنت المغضوب عليهم- ليس من شعوبهم- إنما الذين جاهروا برفضهم للطرح الغربي المجافي لحقوق الشعوب، ولا يهمها في ذلك حتى ولو نال هؤلاء، ثقة أغلبية شعوبهم في انتخابات رئاسية حرّة، شهد على نزاهتها وراقبها العالم، كما هو الحال مع الرئيسيْن السوداني والزيمبابوي، ذلك أنها تتحرك بالعقلية الكولونيالية، التي ورثها الجيل السياسي الحاكم اليوم في فرنسا، عن سابقيه من الأجيال التي فتكت بشعوب كثيرة ومن قارات مختلفة، وكانت أكثر تلك الشعوب غبنا وسحقا، هي شعوب إفريقيا التي تراودها اليوم عن نفسها فرنسا في محاولة غير خفيّة لجعلها سوقا لفضلاتها وخردتها، ودركيّا يمنع مَن تسببت هي في جوعهم وبؤسهم وتخلفهم، من الوصول إلى مدائنها التي ساهم في بنائها آباؤهم وأجدادهم الأولون، بدل التكفير عن ماضيها الأسود بتعزيز الديمقراطيات الشعبية في هذه المجتمعات، والمساهمة الجادة في بناء دولها الوطنية، ولكنها »تريد أخْذ الزبدة، وثمن الزبدة، وابنة بائع الزبدة«.
لم يستطع أبناء هذه القارة التي شاخت وهي بكْر، أن يتجاوزوا شعارات إغوائهم، ويكشفوا زيف حكام باريس، منذ أن استردت بعض الدول استقلالها، أو استقل بعضها بعد أن خرج عن »البرقع« الفرنسي، وظلوا واجمين كمن يستمتع بالكذب الفرنسي عليهم عشرات السنين، وربما لا تعرفهم فرنسا إلا حينما يعصف بها مشكل ما، يكون أبطاله مواطنين فرنسيين من أصول إفريقية، خاصة إذا كانوا عربا ومسلمين، قد يكونون من الجيل الثالث أو الرابع، وهم مشكلة فرنسية يالأساس فتطلب خبرة هذه الدولة الإفريقية أو تلك، حيث يقوم فقهاء منها في الدين أو التاريخ، بإطفاء غضب جزء من مواطنيها، غبنته بتحويل تركة إهانة آبائه وأجداده إليه، من خلال عزله في غيتوهات مرميّة حول الضواحي، وقد حاول الملتحقون بهذا النادي في السنوات الأخيرة، أن يجعلوا مواعيده منصّة يطالبون من عليها بحقهم في توظيف حريتهم لصالح شعوبهم، واستثمار خيراتهم لفائدة تلك الشعوب، ولكن لم يحدث ما يدل على أن فرنسا سمحت أو ستسمح بذلك لأنها لا ترغب في استقلال حقيقي لإفريقيا، إنما تريدها جغرافية مستباحة أو جسما بين الحياة والموت، فهي الطبيب إذا أرادت، وهي جرّافة لحفر القبور الجماعية عندما تشاء .
تؤكد البيانات الرسمية أن القمة الخامسة والعشرين، ستنظر فى الملفات ذات الاهتمام المشترك، وهنا يتراءى للسامع أو القارئ، وكأن إفريقيا تراها فرنسا ندّا حقيقيا في هذه اللقاء، مثل: دور إفريقيا في إدارة العالم، وتعزيز السلم والأمن في إفريقيا، والتغيّرات المناخية والتنمية، وهي ملفات من الأهمية بمكان لصالح إفريقيا، لو أن صوتها تسمعه فرنسا وتستجيب له، أو تجد مَن يلتقطه إيجابيا من أقوياء هذا العالم، فإفريقيا ُتصفَع في كل مرة، ترفع فيها عقيرتها على منبر الأمم المتحدة، من أجل ترْكها تمارس حقها فقط في استثمار استقلالها، بفيتو إحدى دول البطش والرفض، ولم تستطع عبر جميع مؤسساتها الإقليمية، أن تخمد أي حريق من الحرائق التي أشعلتها مصالح الدول الكبرى في ديارها، كما أنها لم تتركها تتخطى عتبة التخلف، وهي تمتلك كل أسباب النهضة، ويتم تأجيل التنمية فيها إلى آجال غير مسماة، تحت مبررات واهية، بل وُترغِم القارة على دفع ضريبة خطيئة لم ترتكبها في تلويث الجو والبيئة والأرض، مع أن العالم يصنّفها ضمن الدول الأقل تلويثا، إنها كمن يقضي حكما بتهمة ارتكبها غيره .
لا توجد دولة إفريقية واحدة، من مستعمرات فرنسا السابقة، خرجت من دائرة التخلف، بالرغم من أن النخب التي تحكم معظم تلك البلدان، إما أنها مواليّة لقصر الإليزيه، أو تراعي مصالحه قبل مصالحها، ولم تفعل مخلفاتها البشرية والإدارية والقانونية في تلك الدول، غير إحداث المزيد من الفتن والقلائل، التي تحوّلت- في بعض الأحيان- إلى حروب أهلية، ما زالت رائحة الجثث تنتشر في كل مكان وتشير إليها، ذلك أنها تجاوزت مرحلة »الكفر« باستقلال تلك الدول، حيث دعت إلى تعاون غريب قوامه تفريغ مجتمعات تلك الدول، من كفاءاتها التي أنفقت عليها من »حُرِّ مالها« أموالا طائلة فيما أسماه الرئيس الفرنسي الهجرة المختارة، إلى محاولة الحد من ذلك الاستقلال، بازدرائه والتقليل من قيمته وخدشه، ولعل قانون 23-02-2005 الذي يمجّد الاحتلال والكولونيالية، دليل قاطع منها على الاستهتار بتضحيات شعوب القارة، والتنكّر لما اقترفته في حقها من جرائم ضد الإنسانية، بالإضافة إلى أن اجتماعات نيس جرت على وقع الجريمة ضد الإنسانية التي ارتكبتها إدارة الاحتلال الصهيوني، في حق أكثر من ستين جنسية، دون أن يحرّك المجتمعون ساكنا، وعندما تكلم كبير هؤلاء وراعي الاجتماع، اكتفى بأسفه على عدم تكافؤ القوة، وهو ما يؤكد أن هذه الدولة غير معنية بالحقوق الإنسانية أينما كانت، خاصة إذا كان وراءها من يعتبرهم فكرها الكولونيالي الأقل شأنا، أو ممن يذكّرها التاريخ بدورهم في المعارك من أجل الحرية والتحرر .
إن إفريقيا يجب أن تتخلص من حالتها كوسيط، بين فائض الدول الغربية، وحاجات مواطنيها المتعبين بعدم الرشادة في الحكم، وأن تتحوّل إلى وضعها الطبيعي، كقطب اقتصادي وثقافي وعسكري أيضا، يكون في مستوى كتلته البشرية التي تجاوزت المليار نسمة، وطموح شعوبه في إثراء الحضارة البشرية، التي يشارك فيها أبناؤها فعلا- أفرادا وجماعات- بقوة وذكاء وعنفوان، والدول الإفريقية، مطالبة- قبل كل شيء- بتحسين أدائها السياسي، الذي يسبق ويمهّد للتعاون المثمر فيما بينها أولا وعلى مختلف المستويات، والذي من شأنه تعزيز مكانتها في التفاوض مع الشمال كله، وليس مع فرنسا منفردة، وقد أصبحت عضْوَهُ الأضعف، وقد يكون ذلك المدخل الأساسي، لتفكيك التركة الاستدمارية المسمومة، التي تحاول فرنسا من خلالها، الإبقاء على حالة التشرذم والضعف، كي يسهل عليها العبث بسياستها وحتى أمنها، ولا غرْو في أن تحاول حشر بعضها في زاوية حادة، تحت أي مصطلح سياسي، ُتغيِّر شكله مع الظروف، ويبقى مضمونه الكولونيالي واحدا على الدوام، كالاتحاد من أجل المتوسط، الذي بشّر به ساركوزي، وأراد أن يجعله بوابة تتسلل منها إسرائيل، المجرم الغربي المعتمَد بالقوة لدى العرب، والذي ازداد وحشية مع الضعف الرسمي العربي المخزي، لتدخل إلى غرف عرب إفريقيا، خاصة أولئك الذين يرفضون الاعتراف بالكيانات اللقيطة مهما كان اسمها أو جبروتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.