مسيرات غير مسبوقة لطلاب الجامعات عبر مختلف أنحاء البلاد ترفع نفس المطالب التي يرفعها المتظاهرون منذ أيام ، وليس هذا فقط ما وحد طلاب الجامعات، فقد تميزت مسيراتهم وتجمعاتهم كلها بالانضباط والسلمية. تستمر المظاهرات، وتمس فئات مختلفة من المجتمع، فقد سبق المحامون طلاب الجامعات، ومن المتوقع أن يلتحق الصحافيون، كما أن وسائل الإعلام العمومية شهدت تحركات لصحافيين للمطالبة بتغطية موضوعية للأحداث التي تشهدها البلاد، وقد بدأت الإذاعة الوطنية ووكالة الأنباء الجزائرية تناول المظاهرات بطريقة مختلفة تماما. لم يعد هناك من مبرر اليوم للتشكيك في الجهة التي تقف وراء المظاهرات، فقد سبق لأحزاب سياسية، ومنها أحزاب التحالف الرئاسي، أن أثنت على وعي الشعب الجزائري الذي تظاهر بطريقة حضارية وسلمية، وقد عاد الوزير الأول إلى التنويه بهذا مجددا أمام البرلمان بمناسبة عرض بيان السياسة العامة، غير أن هذا الثناء لا يتناسب مع القول بأن الشعب يتم جره نحو المجهول من قبل جهات مجهولة. لقد أثبت الجزائريون في مناسبات سابقة حرصهم على استقرار وطنهم، وكانت المظاهرات دليلا إضافيا على هذا الحرص، ومن غير المعقول أن تتمكن أي جهة مجهولة، أو حتى معلومة، من التلاعب بملايين الجزائريين وبنخبة المجتمع من طلاب جامعات ومحامين وصحافيين وأساتذة جامعيين، فضلا عن النخب السياسية، ودفعهم إلى خيارات لا تنبع من إرادتهم ولا تخدم مصلحة وطنهم. صحيح أن عدم وجود جهة محددة دعت إلى التظاهر وأطرت المسيرات أثار تساؤلات في الأيام الماضية، لكن الطريقة التي سارت بها المظاهرات كشفت لنا أن الجزائر أعادت تكرار تجارب دول أخرى في مناطق مختلفة من العالم حيث تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في التجنيد، وتوفر فضاءات للنقاش السياسي تكون في العادة أكثر حرية، كما أنها توفر منابر لأشخاص مؤثرين وكل هذه العوامل تسمح بظهور احتجاجات من هذا النوع. ما يجب التركيز عليه الآن هو استثمار هذا السلوك الحضاري والنزوع إلى التعبير السلمي عن المطالب وثقافة الحوار من أجل إشراك الغالبية العظمى من الجزائريين في رسم معالم مستقبل وطنهم، تلك الغالبية التي طالما تساءلنا عن سر استقالتها من الشأن العام، ومقاطعتها الدائمة للانتخابات.