أطباء علم السموم يحذّرون من استهلاك الفطريات البرية    الشاي.. ترجمة الحياة وأنيس الجلسات    تأكيد على الكشف المبكر للأشخاص المقبلين على الزواج    مؤهلات معتبرة تجعل الأغواط قطبا اقتصاديا واعدا    كيفيات جديدة للتسديد بالدينار    المنخفض الجوي يُهدّد بكارثة في غزّة    قرار أممي لفائدة فلسطين    واقعية ترامب    الخضر يشرعون في التحضيرات    من يحرس مرمى الخضر ؟    جامعة البليدة 1 تستضيف الدكتور زرهوني    دور محوري للجامعات الحدودية الجزائرية والتونسية    فرنسا مُطالَبة بتنظيف مواقع التفجيرات النووية    مُجرمون خلف الشاشات!    شبكات إجرامية تستهدف الأطفال    لاناب توقّع اتّفاقية شراكة    هذه تفاصيل ورزنامة مسابقة توظيف 40 ألف أستاذ    قفزة نوعية في إنتاج الأسماك ببومرداس    "غراندي بوندا" في مرحلة التجريب ب20% نسبة إدماج    تحذيرات من استمرار المغرب في "حربه الهجينة"    البرهان يبدي استعداده للتعاون مع الرئيس الأمريكي    الإدارة الرقمية الفعّالة خدمة للمتعامل الاقتصادي    شركات التأمين ملزمة بحماية المعطيات الشخصية    160 مليار لرد الاعتبار لعاصمة "روسيكادا"    تعزيز دور البحث العلمي والابتكار كقاطرة للتنمية    بودربلة في مهمة تعبيد الطريق نحو أولمبياد ميلانو    العناصر الوطنية في تربص إعدادي ببجاية    قافلة متخصصة للكشف المبكر عن سرطان الثدي    نُجري أبحاثا متقدمة لعلاج أمراض السرطان    كأس إفريقيا فرصة إيلان قبال للانتقال إلى نادٍ كبير    منصة لاكتشاف تجارب سينمائية شابة    "رُقْية" يدخل قاعات السينما ابتداء من 22 ديسمبر    فرصة لتبادل الخبرات وتشجيع العمل الإبداعي    لجنة الدفاع الوطني بالبرلمان تناقش مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر    وزيرة البترول والمناجم التشادية في زيارة عمل إلى الجزائر لبحث تعزيز التعاون في قطاعي المحروقات والمناجم    الملتقى السابع للجامعات الحدودية الجزائرية والتونسية: تعزيز الابتكار والتكامل الأكاديمي في المناطق الحدودية    الجزائر تفوز بمنصب مدير المركز العربي لتبادل الأخبار والبرامج لاتحاد إذاعات الدول العربية    اتفاقية شراكة بين قناة "AL24News" واتحاد إذاعات الدول العربية لتعزيز التعاون الإعلامي    الإذاعة الجزائرية تحيي الذكرى ال69 لتأسيسها : الإذاعة السرية.. صوت الثورة الذي هزم الدعاية الاستعمارية    ضرورة تعزيز حضور خطاب ديني وطني معتدل و ملتزم    اتحاد العاصمة يتأهّل    نحو رفع سرعة الأنترنت بالجزائر    التلفزيون الجزائري سينقل 17 مبارة لنهائيات للكان    وزيرا السكن والمالية يوقعان القرار الخاص بالسعر النهائي    هل هناك جريدة كبيرة عندنا..؟!    بوغالي يدعو إلى مواصلة دعم القضية الفلسطينية    تمكين الطلبة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة    الجزائر بذلت جهودا جبارة لترقية قيم العيش معا في سلام    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    فتاوى : سجل في موقع مراهنات وأعطوه هدية    من أسماء الله الحسنى .. الحليم    اللعبان بركان وبولبينة ضمن قائمة"الخضر"في ال"كان"    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    الاستغفار.. كنز من السماء    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    صهيب الرومي .. البائع نفسه ابتغاء مرضاة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعذيب لدى العرب ثقافة
نشر في صوت الأحرار يوم 10 - 05 - 2009

أستاذ مصري التقيت به في إحدى الدول الأوروبية، وبعد "‘إجراءات" التعارف بادرني بالقول: "أنت عربي وأنا عربي فلماذا لا نتمتع بهذه الفسحة في دولة أوروبية لنشبع ضحكا على حال العرب " ودون أن ينتظر مني الجواب راح يحكي العشرات من النكت السياسية عن الحكام العرب، وعلى إثر نكتة جد "مالحة" قلت له إياك أن تروي هذه النكتة في بلدك وإلا فانك ستنهي بقية أيامك في "اللومان" أو "أبو زعبل"، وهما أسمين لسجنين مصريين كانا مشهورين في السابق، وإذا بالأستاذ ينسى نفسه وينخرط في ضحكة مجلجلة جلبت نحونا أنظار المارة، ولما هدأ بعض الشيء قال والدموع في عينيه من أثر الضحك: "لومان إيه وأبو زعبل إيه.. ده كان زمان البكباشي.. السجون وقتها كانت فنادق خمسة نجوم مقارنة بسجون اليوم" وراح يحكي ما يعانيه المساجين في سجون أم الدنيا. شيء لا يصدق.
مناضل فلسطيني التقيت به في إحدى الدول العربية، قضى أكثر من ثلاث ساعات وهو يحدثني عن التعذيب الذي تعرض له على أيدي رجال أمن البلد الشقيق الذين كانوا يطالبونه، تحت التعذيب، بالاعتراف بالعمالة لإسرائيل. المناضل الفلسطيني ختم كلامه مؤكدا بأنه يتمنى أن يقع بين أيدي رجال الأمن الإسرائيليين ولا يتعامل مع نظائرهم في بعض البلدان العربية.
في منتصف الثمانينات، قضيت ثلاثة أسابيع ببولونيا وكان من بين ما زرت معسكر (أوشويتز) الذي يقال أن الغاستابو الهتلرية كانت تجمع فيه اليهود قبل تحويلهم إلى حمامات الغاز، وقد فوجئت وقتها وأعجبت بإنسانية الرايخ لأنه كان يسجن اليهود في غرف جد واسعة ومريحة وفيها تدفئة وأسرة للنوم. يومها لاحظت لبعض رفاق الرحلة أن هذا المعسكر هو أفضل بكثير من السجون العربية.
تذكرت هذه الوقائع وأنا أتابع على قناة الجزيرة شهادات الضابط المغربي أحمد المرزوقي عن المعاناة التي تعرض لها ورفاقه في سجن أمير المؤمنين بتازمامرت.
الوضعية داخل هذا السجن ليست غريبة علي، فقد سبق لي أن قرأت، منذ أكثر من عشر سنوات، كتاب (جيل بيرو) Gilles Perrault الذي صدر في بداية التسعينيات بعنوان "صديقنا الملك" Notre ami le Roi والذي يصف فيه بدقة كبيرة سجن تازمامرت.
الكاتب الفرنسي خصص فصلا كاملا لوصف الحياة المستحيلة داخل هذا السجن الرهيب الذي هو من ذلك النوع الذي لا يخطر على بال. الكاتب الفرنسي اللائكي خصص كتابه للحديث والدفاع عن المسجونين المغاربة المسلمين العرب المحرومين من كل الحقوق.
الملك الحسن الثاني الذي كان يلقب، في حياته، بأمير المؤمنين، لم يستسغ فكرة أن يقوم بعض الضباط بمحاولة الانقلاب على العرش فسام كل من كانت له علاقة من قريب أو بعيد، بما في ذلك ذوي الرتب الصغيرة واللذين لم يقوموا سوى بتنفيذ أوامر عسكرية دون أن يكونوا على علم لا بمخطط الانقلاب ولا حتى بأن ما يجري هو انقلاب عسكري، عذابا شبيها بعذاب جهنم، التي لا يموتون فيها ولا يحيون. نزلاء تازمامرت كانوا، من فرط التعذيب يحسدون زملاءهم اللذين ماتوا في هذا السجن واستراحوا.
أحمد المرزوقي عرى، من خلال شهادته على العصر، العرش الملكي وطرح، لعله دون أن يدري، إشكالية الحاكم بالمحكوم في هذا العالم العربي الذي لازالت تقمع فيه المظاهرات السلمية المطالبة بالتغيير وتنظم فيه الاحتفالات بمناسبة افتتاح سجون جديدة.
من كان يدعي أنه حفيد محمد رسول الله عليه أفضل السلام، ويصلي بالناس، ويشرف على الدروس الحسنية المنقولة على التلفزيون طوال شهر رمضان، ويرأس لجنة تحرير القدس.. هذا الملك كان يرى نفسه فوق البشر وأنه المانح والقابض للحياة، وبلغ به الجبروت حد القول، على إثر حادثة الصخيرات، أن الله يخوله حق القضاء على الثلثين من المواطنين ليعيش الثلث.
الضابط أحمد المرزوقي يقول أنه لما حوكم من طرف القضاء المغربي صدر في حقه حكما بخمس سنوات سجن لكنه قضى بتازمامرت ثمانية عشر سنة. إنه الظلم بعينه في مملكة أمير المؤمنين الذي لا يولي حتى الحد الأدنى من الاحترام للقضاء الذي يصدر الأحكام باسمه.
اللومان، أبو زعبل، تازمامرت .. وغيرها من السجون الفظيعة التي لا يعني وجودها سوى شيئا واحدا، وهو أن هذه الأمة لا زالت بعيدة جدا عن الحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان، وأن من الأنظمة العربية من لم تصل بعد في تعاملها مع مواطنيها المسجونين مستوى معاملة هتلر لليهود.
حتى أكون موضوعيا لا بد من الإشارة إلى أن الحكام العرب لا يجن جنونهم إلا عندما يتعلق الأمر بالمساس بالنظام و"بأمن النظام". في مملكة صاحب الجلالة، يمكن للمغربي أن يزرع ويجني ويبيع بالمخدرات، أو يتاجر بالسلاح أو حتى يغتصب صبية في سن الطفولة دون أن يزعجه أحد. كل الممارسات التي تعد في دول العالم المتقدم من الجرائم وتسلط على فاعلها أشد العقوبات، يمكن ممارستها في المملكة دون إزعاج. الشيء الوحيد المحرم على المغاربة حتى حق التفكير فيه هو تغيير النظام السياسي.
إن ما لا يستطيع المرء إدراكه هو لماذا يستورد هؤلاء الحكام كل شيء من الغر ب: من الخمور العتيقة إلى آخر موديل من السيارات. يستوردون كل معالم الحضارة الغربية بما فيها اللغة ونمط المعيشة وأنواع الرقص المختلفة لكنهم يرفضون وبشدة استيراد، أو التشبه بالغرب في أهم وأجمل وأرقى ما لديه: الحرية وتقديس حقوق الإنسان. التساؤل الذي يطرح هو: لماذا المسلمون، منذ عهد يزيد بن معاوية، هم أكثر الناس ابتعادا عن قيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان مع أنها جوهر الدين الإسلامي؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.