”كنا نعرف أن الجشع والسرقة والكذب والنفاق هي من ميزات حكامنا - قالت صديقتي السورية، التي مازالت تنتظر انتصار الثورة لتعود إلى بيتها الذي لم تزره منذ أزيد من ثلاثين سنة - لكني لم أكن أتوقع أن حكامنا سفاحون ومتعطشون للدم والقتل”. نعم، لم نكن نتصور أن يبلغ الهوس والتمسك بالحكم لدى الحكام العرب حد اقتراف مجازر، وتعريض حياة الآلاف من المواطنين من شتى فئات العمر للخطر، وها هو الوجه الحقيقي للرؤساء، بل الأمراء العرب، يظهر على حقيقته، وها نحن نكتشف أن الدولة الوطنية التي جاءت على أنقاض الاستعمار هي أكذوبة كبيرة، ومثلما يقول المثل الشعبي الجزائري ”الفار ما يدير العولة والعربي ما يدير الدولة” فذهنية الإنسان العربي مازالت غير مهيئة لبناء دولة بمقاييس الجمهوريات الديمقراطية الحديثة، وأظهر انفجار الشارع العربي أن منطق العائلة والعشيرة مازال هو هو، لم يتغير منذ قرون. تنوعت أسماء العائلات - وإن كنت استخسر فيها لفظة عائلة لما للكلمة من معان إيجابية في منطقتنا العربية - لكن أساليبها في الظلم والسرقة والابتزاز وتحويل المال العام واحدة. فعماد الطرابلسي هو نسخة صغيرة من رامي مخلوف، أو جمال مبارك، وليلى بن علي، ليست أكثر جشعا من سوزان مبارك، وحسني مبارك لا يختلف في نفاقه وتشبثه بالسلطة في شيء عن نظيره عبد الله الصالح أو الأسد أو القذافي، تعددت الأسماء والمصائب واحدة. العبارة نفسها التي قالها مبارك إن أمن مصر هو من أمن إسرائيل، رددها رامي مخلوف، قريب الرئيس السوري، فأين مبادئ القومية والعروبة وقضية العرب الأولى فلسطين؟ ضحكوا كلهم بهذه المصطلحات على ذقوننا عقودا من الزمن، لنجد في النهاية أن قضايانا العربية لا تساوي طلقة رصاص باتجاه الجولان، ووجدنا أن الأسلحة التي كانت الأنظمة العربية تتسابق لاقتنائها بأموال طائلة، ليست لتحرير فلسطين، ولا للذود على الكرامة العربية، بل كانت تكدس لتوجهه يوما ما إلى صدور مواطنيها عندما يستفيقون من سباتهم، فمن من البلدان العربية أكثر تسليحا من القذافي وها هو يستخرجها اليوم ليحمي بها عرشه ومستقبل أبنائه وعشيرته في السلطة، ونفس الشيء يحدث في اليمن وفي سوريا، وكان من الممكن أن يحدث في تونس ومصر لو لم يتخذ الجيش في كلا البلدين موقفا محايدا إلى حد ما ...