اختلط الحابل بالنابل في جبهة التحرير الوطني التي يبدو أنها تتجه إلى الطريق المسدود، بل ربما بدأت تسير بخطى ثابتة نحو المتحف مثلما طالب بذلك الكثير من المناضلين السابقين والوطنيين الصادقين. فبعد رحيل آخر أمل لرجال الجبهة والمتمثل في شخص المرحوم عبد الرزاق بوحارة الذي كان يعول عليه في انتشال الجبهة من المستنقع الذي أغرقها فيه أمينها العام السابق عبد العزيز بلخادم، ها هي اللجنة المركزية مشتتة من جديد وعاجزة عن اختيار رجل يكون قدوة لمناضليها، يتحلى ولو نسبيا بالنزاهة ويحترم القيم التي بني عليها هذا الصرح الوطني التاريخي. الجبهة ليست مجرد حزب، إنها أداة حكم، وخزانة تاريخ وأسلوب نضال، ورمز للوطنية الحقة، وإن كانت حادت عن هذا الخط منذ سنوات لما اعتلى صهوتها منافقون ووصوليون وانتهازيون، إلى درجة عجز مناضلوها عن اختيار شخصية نظيفة ترقع الشرخ الحاصل في صفوفها وتعيدها إلى خطها الوطني. وهو مأزق لم يعرفه الحزب حتى خلال سنوات الأزمة الأمنية لما اختار أمينها العام السابق عبد الحميد مهري معسكر ”سانت ايجيديو”. يكفي التنصت هذه الأيام على الأصوات الآتية من أعالي حيدرة، لنعرف من هذه الجعجعة عمق الأزمة التي تعيشها الجبهة. جبهة التحرير صانعة الاستقلال وأم الرجال، الجبهة التي ركعت رجلا في حجم دوغول، أصيبت اليوم بالعقم ولم تعد بطنها تنجب الرجال، بعد أن نخر رحمها سرطان الفساد والمحسوبية والجهوية والتسلق. فهذا يدين بالولاء لاسم فلان، لأن فلان مدعوم من شقيق فلان، وهذا مأمور من فلان آخر ليقود الجبهة إلى مصلحة جهة على حساب المصلحة الوطنية. أمر مؤسف حقا عندما يقول لك قيادي في الحزب إن خيار الأمين العام ليس من صلاحياته ولا من صلاحيات الصندوق بل إن فلان هو الذي يقرر من سيكون، وهو الذي استمات في القتال ضد أمينها العام السابق. وأمام هذا الانحراف الخطير في مبادئ وقيم الجبهة، صار من حقنا نحن أبناء الجبهة التاريخية الذين من حقنا جميعا مهما كانت انتماءاتنا السياسية الدفاع عن تاريخها، أن نتصدى لهذا المنزلق، ونطالب بوضع حد لهذه المهازل التي أضرت برصيدها التاريخي، من حقنا أن نقول ”بركات” وأن تزف الجبهة إلى المتحف التاريخي، على أن تتحول إلى سجل تجاري، ويا ليتها تجارة أخلاقية، فقد حولها البعض إلى سوق للنخاسة ولكل الموبقات.. ولتتوقف المهزلة!؟