الفضائيات صورّت لنا الجزائر بأنّها بلاد للتطرف والإرهاب الفن التشكيلي أصبح سلعة تجارية يعود رسام الشريط المرسوم الكونغولي جو اوكيتاونيا، في هذا الحوار الذي جمعه ب”الفجر”، إلى الحديث عن واقع فن الرسم والكاريكاتير في القارة السمراء، بين الطموح والتحديات التي يرفعها من أجل التغلب على مختلف العوائق. ولم يخف ”جو” علاقته بالجزائر التي احتوته يوم كان طالبا. وها هو اليوم يبرز في ساحة الرسم في أوروبا وإفريقيا من خلال معارض يقيمها بأشهر أروقة الفنون بها. في كلمة قصيرة، من هو جو أوكيتاونيا؟ أنا مواطن كونغولي، من العاصمة كينشاسا، أتواجد خلال الفترة الحالية بفرنسا، إقامة وعملا، أين أنشط معارض بين الفترة والأخرى معارض بمختلف أروقتها، على غرار المعرض الذي نظمته رفقة رسامين أفارقة شهر ديسمبر الفارط من 24 إلى 27 بالعاصمة باريس، من أجل إبراز والتنوع والثراء الإفريقي، في فن الرسم والتشكيل اليوم في القارة السمراء، حيث يهدف هذه الحدث إلى منح الفنانين الأفارقة المتميزين فرصة البروز على الساحة الأوربية والتعريف بالثقافة الأفريقية بشكل عام. وقبل هذا ترعرعت في الكونغو، وانتقلت بعدها إلى الجزائر للدراسة بها، حيث درست في المدرسة العليا للفنون الجميلة بالعاصمة وتخرجت منها بشهادة في الفنون وفي تخصص الرسم. وأغتنم الفرصة لأقول ”شكرا للجزائر التي احتضنتني طوال فترة تواجدي بها”. من خلال دراستك في مدرسة للفن الجميل في الجزائر، هل تغيّرت نظرتك لجزائر اليوم التي صورتها لك الفضائيات على أنّها بلاد للإرهاب والقتل والتطرف؟ قبل كلّ شيء، يجب أن أشير إلى أنّ الثقافة هي الواصلة بين الشعوب، والتي تعني في مفهومها الواسع احترام الآخر وتقديره وكذا تجاوز الخوف منه، الذي ربما يتجسد في اعتقادي في كل أشكال وألوان التحيز، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى المزاج الزائد والمعكر دوما، وحتى يصل في غالب الأحيان إلى كره الأجانب. لكن بالنسبة للجزائر فهي مرحبة بالناس مهما كان لونهم أو جنسهم. فقد كنت في الكونغو وأنا لا أعرف الجزائر، هذا البلد الرائع، إلا من الفضائيات وشاشات التلفزيون التي كانت تنقل المعاناة في الجزائر وبالتحديد في سنوات العشرية السوداء، حيث كانت تنقل صور العمليات الإرهابية والتطرف وغيرها من المشاهد المروعة التي نراها ونسمع عنها آنذاك كل يوم. بينما لمّا جئت إلى هذه الأرض وجدت الأمر مختلفا جدا، وما كان يحصل ربما فبركة وتزييف للحقيقة. كما أود التنويه بأنّ الجزائر أرض المبدع والكاتب كاتب ياسين، وحكى لي أصدقائي أنّ الجزائر كانت ولا تزال رمزا للتحرر من قيود الاستعمار، كما أريد قول الحقيقة أنّ ما كان يروى على مسامعي وجدته حقيقة هو أنّه - حسب البعض - أنّ الجزائريين لا يعرفون بلادي الكونغو، لكن أدركت من خلال احتكاكي بهم أنهم يعرفون الكثير ويعرفون ”لومومبا”. لكن ماذا عن الرسم في الجزائر، كيف تراه؟ بخصوص الفن التشكيلي الجزائري فبعد احتكاكي بثلة من الرسامين الجزائريين، وجدت أنّه في تقدم ويسير نحو التطور بدليل وجود عديد المهتمين والمبدعين في هذا المجال. كما أنّ الأحداث والنشاطات الفنية نشطة بشكل فعال ومستمر أحيانا، وهو ما يعطي صورة إيجابية عن الحركة العامة لهذا الفن في الجزائر، تتميز بالسيرورة والاستمراية ومن دون شك التطور. كما أنّ الفنان التشكيلي الجزائري في الخارج أثبت مرات كثيرة أن ما يقدمه من أعمال ولوحات فنية تثير الاهتمام وتدعو لمشاهدتها، لا لشيء سوى أنّها متميزة وترسم بخصوصية فريدة من نوعها تعكس مدى غنى وثراء التراث الجزائري في شتى الجوانب. هل هناك مجال مقارنة بين الفن التشكيلي الجزائري والإفريقي خاصة بالكونغو؟ المشكلة الحقيقية بين الفنانين الأفارقة هو عدم وجود حوار وتلاقي، وإذا كان فهو قليل ويكاد يكون غير معروفا. لذلك أعتقد أن أفضل طريقة لمعرفة وبناء الثقافة الأفريقية، باعتباري كفناني ومن وجهة نظر فنية، هو أن يبادر القائمون على السياسات الثقافية والفنية بالبلدان الإفريقية لفتح فضاء خاص من أجل التقاء الفنانين والكتاب وكل المبدعين، حتى يتم التوصل إلى بناء جسور حقيقة للتعاون وتطوير الإبداع فيما بعد كخطوة ثانية. ومن هذا المنطلق فقد لا يوجد اختلاف كبير وشاسع في هذه الزاوية. وإذا كان الفرق فربما يتجسد على صعيد التجربة الشخصية لكل فنان، وكذا المادة والعنصر الذي يستلهم منه أعماله الفنية. وأنا أرى بأنّ القارة الإفريقية والجزائر كذلك غنية وثرية من ناحية التقاليد والعادات والتراث الغزير الذي تملكانه في شتى المجالات. ما هي أبرز العوائق التي تقف حجرة عثرة في طريق الفنان الإفريقي والجزائري معا؟ نحن نقوم بإنتاج أعمال جميلة تكون في مستوى تطلعات الجماهير وعشاق الفنون الجميلة، لكن ما يمنع تطورها وتقدمها على مستويات مختلفة هو العوامل التي تقلل من الحرية التعبيرية للفن وعدم وجود ما أعتبره ب”النتيجة”. ففي المدرسة درسنا تاريخ الفن مع مختلف الحركات الفنية، ونحن نعلم أن كل واحد منها كان وسيلة للفنانين من الوقت. ولكن فيما يتعلق عصرنا الحديث، قد وضعنا مفاهيم خاطئة في فن التجديد الفني.. الذي يبقى القول بخصوصه إن الفن تحول إلى سلعة وابتعد عن جذوره ورسالته التي تهدف إلى نقل الواقع وبث روح الإبداع في الناس وتصوير كل شيء بحقيقية، وكذا برسم التاريخ عبر لوحات فنية. وبالتالي أعتبر هذا النقد وهذا المشكل قد شوش على مبادئ الفن التي قام من أجلها وأغراضه الاجتماعية التي يحملها معه. برأيك كيف تحول الفن التشكيلي إلى سلعة تجارية؟ بات الفن التشكيلي يستخدم للمتعة فقط أو للتميز بهواية ما، لذلك اليوم لم يعد من المستغرب الفن ولا يثير تساؤلات. هذا لم يعد خيارا أو وظيفة، فمعظم الطلاب عند الانتهاء من دراستهم في كلية الفنون الجميلة يخرجون من دون علامة وهذا يتسبب في التخلي عن الفن، ولا يستطيعون مغادرة مكانهم والذهاب إلى مناطق أخرى لأنهم ببساطة لا يجدون مكانا فيها، بسبب ضعف مستواهم، ناهيك عن معتقدات أخرى ومشاكل أخرى كعدم الوعي من طرف بعض الجماهير بهذا الفن وما يحمله من معنى راق وسام، إضافة إلى الصراعات المتعددة التي تطفو إلى السطح بين الفنانين والرسامين في البيئة الواحدة. هل من حلول تقترحها للدفاع عن ”حرمة” الفن التشكيلي والرسم بصفة عامة؟ الوضع الذي يأسف له الكل دفعني إلى إنشاء جمعية ”أفريكان آر”، التي تعمل على تقديم ”الفكر الدافع” الذي يتناول الجوانب الخفية لهذا الفن ورسائله المتعددة من خلال تسليط الضوء على القيم الحقيقة التي تجنب تقنين المشاعر في الفن، مثل الفنان الذي يشعر بها بهدف جعلها في متناول الآخرين، سواء مشاعر تقاسم لحظات الفرح أو الحزن أو الحقائق في كل شيء أو العواطف، وهذا كله يساهم في تقريب الثقافات ويعمل على تلاحمها وانصهارها في بعضها. هل لك مشاريع في الأفق تتعلق بالجزائر، لاسيما أنّك غصت في ثقافتها وقت مزاولتك الدراسة بها؟ أتمنى ذلك من كل قلبي، هذا حلم أول، أمّا الحلم الثاني يتعلق بمشروع يجمع فنانين تشكيليين جزائريين وفنانين من الكونغو ”بلدي”.