يتولّد لدى العديد من الأمّهات اللّواتي لا يتمكنّ من إرضاع أطفالهن شعور بالذّنب تجاههم، حيث يخشين أن يكنّ يحرمن أطفالهن من الفوائد الصّحية الجمّة للرّضاعة الطّبيعية. وتوصي العديد من التّنظيمات الصّحية، على غرار الأكاديمية الأمريكية لأطبّاء الأطفال ومنظّمة الصّحة العالمية في إطار السّياسة الصحية العالمية، كافة الأمّهات من البلدان النّامية والبلدان المتطوّرة بالإرضاع الحصري من الثّدي لمدّة ستة أشهر، يليها المشاركة بين الإرضاع من الثّدي والإطعام بأطعمة أخرى آمنة وكافية ومناسبة. وأوضحت الدّراسات التي تمّ الاستناد إليها، سهولة هضم حليب الأم لاحتوائه على مركّبات عديدة، تؤثّر مباشرة وبشكل إيجابي على حسن أداء الجهاز الهضمي، كما يحتوي على مغذّيات يفتقر إليها الحليب الصّناعي البديل، أو تكاد تنعدم فيه، كمركّبات جهاز المناعة التي تتواجد فيه بوفرة، مثل الأجسام المضادّة أو خلايا جهاز المناعة والتي تقلّل بشكل كبير من خطر اصابة الطفل بالتهابات في الجهاز الهضمي، إلى جانب غناه بالأحماض الدّهنية التي تعدّ أساسية لنمو المخ. غير أنّ دراسة جديدة أفادت مؤخرا، أنّ الفوائد العديدة والطّويلة الأمد المنسوبة إلى الرّضاعة الطبيعية، قد لا يكون مصدرها الرّضاعة الطّبيعية أو حليب الأم، وإنّما حياة الرخاء والصحة الجيدة التي تنعم بها المرأة التي اختارت أن تُرضع وليدها من ثديها. ولتأكيد هذه الفرضية قام باحثون جامعيون من ولاية أوهايو الأمريكية بمقارنة 1.773 زوج أطفال تتراوح أعمارهم بين سن 4 سنوات و 14 سنة، ينحدرون من نفس الآباء والأمّهات، رضع أحدهما رضاعة طبيعية، بينما رضع الطفل الآخر رضاعة صناعية، سجّلوا خلالها نتائج صحية وسلوكية مختلفة في أزواج الأطفال، شملت مؤشّر كتلة الجسم، السّمنة، الرّبو، الحركة المفرطة، فهم القراءة، القدرة الحسابية، والذّكاء المبني على الذّاكرة. ولم تجد الدراسة التي نشرت نتائجها على الموقع الالكتروني لصحيفة العلوم الاجتماعية والطّب فوارق احصائية مثيرة للانتباه بين الرّضاعتين الطبيعية والصناعية في أيّ من هذه المقاييس. وخلال دراسة التّضارب الحاصل بين الأطفال الإخوة - بين الأخ الذي رضع طبيعيا والآخر الذي رضع الحليب الصناعي البديل - ارتأى الباحثون التقليل من إمكانية تأثير الفوارق العرقية، والاجتماعية والاقتصادية والتّربوية، أوالفوارق الأخرى القائمة بين العائلات على النتائج، حيث كشف الباحثون فشل عديد الدراسات السابقة حول الرّضاعة الطّبيعية في مراقبة هذه العوامل.كما عرفت الحملات الرّامية إلى رفع معدّل الرّضاعة الطّبيعية خلال السنوات الاخيرة نجاحا كبيرا. واستنادا إلى المركز الامريكي للوقاية من الأمراض، تبين أنّ ثلاثة أرباع الأمهات الأمريكيات يرضعن أطفالهن طبيعيا، في حين كان عددهن يقدر بأقل من الرّبعين سنة 2000. كما تبين أنّ قرابة 49 بالمائة لازالوا يرضعون طبيعيا إلى غاية سن 6 أشهر، مقارنة ب 34 بالمائة سنة 2000. لكن رّغم من هذا التزايد، وجد الباحثون تفاوتات عرقية، واجتماعية واقتصادية كبيرة في معدّلات الرّضاعة الطّبيعية. وتوصّلت أبحاث أنجزها المركز الامريكي للوقاية من الأمراض، سنة 2008 إلى أنّ 75 في المائة من الأطفال الصغار البيض و59 بالمائة من الأطفال السّود قد رضعوا طبيعيا من قبل. وفي 2013، أفادت نفس المركز أنّ 47 بالمائة من الرّضع البيض، و30 في المائة فقط من الأطفال السود رضعوا أمهاتهم إلى غاية ستة أشهر. وخلال مقارنة الأطفال الذين خضعوا للرضاعة الطبيعية بأولئك الذين رضعوا صناعيا، تبيّن أنّ الأطفال الذين أرضعوا طبيعيا ينحدرون من عائلات ميسورة الحال ذات دخل عال وأولياء بلغوا درجات عالية من العلم، ويعيشون حياة آمنة ومستقرة ويستفيدون ن الرّعاية الصّحية اللاّزمة. ومع ذلك، تبقى الدّراسات التي أنجزت على الأطفال بما فيها الدّراسة التي نحن بصددها، لم تؤت ثمارها، ويرجع العلماء ذلك إلى الافكار المسبقة التي نكوّنها. وفي شأن متصل، صرّحت الدكتورة ”سينتيا كولين”، أستاذة علم الاجتماع بجامعة اوهايو الامريكية:”لم يكن بوسعنا مراقبة كل الأمور التي تدفع الأم إلى إرضاع طفل من أطفالها دون الآخر”، وأضافت ”لكننا لم نأخذ في الحسبان حالات الأطفال المولودين قبل الأوان، والولادات التي تتم بناء على طلب مسبق، وسن الأم، وإن كانت تعمل حين كان لديها الطفل الأوّل، أو لم تكن تعمل حين كان لديها الطفل الآخر. ومن جهته، صرّح جيوف در، خبير الاحصاء بجامعة غلاسكو، والذي اعتمد نفس المعطيات في دراسات سابقة، أنّ النتائج التي تمّ التوصّل إليها خلال الدراسة الحالية كانت مقنعة، وأنّ الطريقة التي تبناها الباحثون للقضاء على التمييز كانت فعاّلة، ليطمئن بذلك أولئك النّسوة اللواتي لم ترضعن أبناءهن رضاعة طبيعية أو تعذّر عليهن ذلك. وأضاف جيوف:”لا ينبغي على المرأة التي لا يمكنها إرضاع أبنائها أن تشعر بالذنب، لأن أي ضرر قد يلحق بالصبي سيصبح هيّنا في مجتمع يزود فيه السّكان بماء نقي شروب ووسائل عيش مريحة”.