القرار التاريخي بإدراج الصحافة الإلكترونية كآلية إشهار    طبعة رابعة استثنائية للمعرض الإفريقي للتجارة البينية 2025    امتدادا لإخلاص الجزائر لانتمائها الإفريقي ودفاعها عن القارة    بولتون، أمن و استقرار إفريقيا وأوروبا على المحك    المطالبة باعتقال مسؤولين عسكريين صهاينة    شان-2024 : المنتخب الوطني يجري الحصة ما قبل الاخيرة له قبل لقاء غينيا    الشلف أمن الولاية : تضع حدا لنشاط اشخاص يحترفون السرقة    إسدال الستار على الطبعة ال13 من المهرجان الثقافي الوطني للموسيقى الحالية بقالمة    متى تكون أفريقيا للأفارقة..؟!    تيميمون : دربال يؤكد على ضرورة ربط القصور بشبكة التطهير    هكذا حوّل الصهاينة غزّة إلى مدينة للموت    جهود متواصلة لمكافحة الإرهاب والإجرام    بن شيخة مدربا جديدا للاتحاد    عرض مذهل لمبابي    علينا بالاستثمار في الشباب الإفريقي    هذا موعد الدخول الجامعي    حملة تحسيسية مشتركة    جهود متواصلة لإنجاح الدخول لمدرسي    والي تيبازة يدعو إلى استكمال العمليات المسجلة    قبر القسّام يزعجهم..    غزّة.. جيل يُمحى من الحياة    وطّار يعود هذا الأسبوع    هل الرئيس ترامب صانع سلام؟!    زيد الخير يترأس بالقاهرة جلسة علمية    دعم الجزائر للقضية الصحراوية مبدأ ثابت    تكثيف العمل الرقابي الميداني لضمان الاستقرار في الاسواق    دعاوى قضائية لإحجام العنصرية ضد الجزائريين    معرض التجارة البينية الإفريقية, محطة استراتيجية لتحقيق التكامل العربي-الإفريقي    رئيس المجلس الإسلامي الأعلى يترأّس في القاهرة جلسة علمية    المغرب يواصل نهب ثروات الشعب الصحراوي    إقبال كبير على حديقة التسلية والترفيه    فضاء ترفيهي ببرنامج ثري لأطفال البيض وتيارت    مسجد "صالح باي".. حارس ذاكرة عنابة    برنامج طبي هام في جراحة الحروق    حصيلة إيجابية لتجارة المقايضة بإيليزي    ثوانٍ تحسم قضايا.. "نقرة على منصة رقمية" تختصر المسافة بين المواطن والقضاء    استثمار في صحافة الطفل    بولبينة سعيد ببدايته القوية مع نادي الدحيل القطري    دورفال أمام مستقبل غامض قبل غلق الميركاتو    تحذير برتغالي لبنفيكا من التعاقد مع محمد عمورة    منصة لتنمية الخيال وترسيخ القيم    رحلة طفل يحوّل فقدان البصر إلى قوة وإلهام    المؤتمر العالمي ال10 لدار الإفتاء المصرية: السيد زيد الخير يترأس بالقاهرة جلسة علمية    التشكيلي هاني بن ساسي يعرض أعماله بالجزائر العاصمة    برامج الاستيراد تودَع قبل 20 أوت    هذه البيوع محرمة نهى عنها الإسلام    موجة زكام حادّة تضرب الأسر في عزّ الصيف    شان-2024" /المؤجلة إلى 2025 : المنتخب الوطني يرفع وتيرة التحضيرات تحسبا لمباراة غينيا    تعديل تاريخ الدخول المدرسي    يجب وضع ضوابط شرعية لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي    التصدي ومواجهة الحملات العدائية التي تستهدف بلادنا    حملة توعوية حول الاستخدام السيئ للأنترنيت    تحسيس حول ترشيد استهلاك الطاقة    القانون المنظم للنشاطات المنجمية يعزز سيادتنا الاقتصادية    قويدري يستقبل وفداً نقابياً    شبكة استعجالات طبية جديدة بقسنطينة    تطهير قائمة موزّعي الأدوية لضبط السوق    تنسيق القطاعات أثمر نجاح عمليات نقل الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خصائص التشريع الإسلامي في الصوم وفضله
نشر في الفجر يوم 25 - 06 - 2014

جاء التشريع الإسلامي للصوم أكمل تشريع وأوفاه بالمقصود، وأضمنه بالفائدة، وقد تجلّت فيه حكمة العزيز العليم الخبير،الذي خلق الإنسان:{ألاَ يعلمُ من خلقَ وهُوَ اللطِيفُ الخَبيرُ}. فخص شهراً كاملاً - وهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن - بصيام أيام متتابعات متواليات،يصام نهارها ويفطر ليلها، وهو العرف عند العرب في الصوم، وهو الميزان في التشريع العالمي الإسلامي..
لماذا خُص رمضان بالصوم؟
وجعل الله الصوم في رمضان، فجعل أحدهما مقروناً بالآخر، مرتبطاً به، فذلك قران السعيدين والتقاء السعادتين في حكة التشريع، وذلك لأن رمضان قد أُنزل فيه القرآن، فكان مطلع الصبح الصادق في ليل الإنسانية الغاسق، فحسُن أن يُقرن هذا الشهر بالصوم، كما يقترن طلوع الصبح الصادق بالصوم كل يوم، وكان أحقّ شهور الله - بما خصه الله من يُمنٍ وسعادة وبركة ورحمة، وبما بينه وبين القلوب الإنسانية السليمة من صلة خفيَّة روحية- بأن يصام نهاره ويقام ليله.
وبين الصوم والقرآن صلة متينة عميقة، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من القرآن في رمضان، يقول ابن عباس رضي الله عنه:”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل، أجود بالخير من الريح المرسلة”.
يقول العارف بالله، العالم الرباني الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي (1024ه) في بعض رسائله: ”إنَّ لهذا الشهر مناسبة تامة بالقرآن، وبهذه المناسبة كان نزوله فيه، وكان هذا الشهر جامعا لجميع الخيرات والبركات، وكل خير وبركة تصل إلى الناس في طول العام قطرة من هذا البحر، وإن جمعية هذا الشهر سبب لجمعية العام كله، وتشتت البال فيه سبب للتشتت في بقية الأيام وفي طول العام، فطوبى لمن مضى عليه هذا الشهر المبارك، ورضي عنه، وويل لمن سخط عليه، فمُنع من البركات، وحُرم من الخيرات”.
وقد روي أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:”إذا دخل رمضان فُتحت أبواب الجنة،وأُغلقت أبواب جهنم، وسُلسلت الشياطين”.
موسم عالمي، ومهرجان عام للعبادات والخيرات:
وهكذا أصبح رمضان موسماً عالمياً للعبادة والذكر والتلاوة والورع والزهادة، يلتقي على صعيده المسلم الشرقي مع المسلم الغربي، والجاهل مع العالم، والفقير مع الغني، والمقصر مع المجاهد. ففي كل بلد رمضان، وفي كل قرية وبادية رمضان، وفي كل قصر وكوخ رمضان، فلا سبق في الرأي، ولا فوضى في اختيار أيام الصوم، فكل ذي عينين يستشعر جلاله وجماله أينما حل أو ارتحل في العالم الإسلامي كله، فيُحجم المُفطر المتهاون بالصوم عن الانشقاق عن جماعة المسلمين، فلا يأكل إلا متوارياً أو خجلاً.. فهو صوم اجتماعي عالمي، له جو خاص، يسهل فيه الصوم، وترق فيه القلوب، وتخشع فيه النفوس، وتميل فيه إلى أنواع العبادات والطاعات، والبر والمواساة.
الجو العالمي وما له من تأثير في النفوس والمجتمع:
”إنَّ اجتماع طوائف عظيمة من المسلمين على شيء واحد في زمان واحد، يرى بعضهم بعضا معونة لهم على الفعل، ميسر عليهم ومشجع إياهم”.
”وأيضا فإن اجتماعهم هذا لنزول البركات الملَكية على خاصتهم وعامتهم، وأدنى أن ينعكس أنوار كُمَّلهم على من دونهم، وتحيط دعوتهم من ورائهم”.
الفضائل وما لها من تأثير وقوة:
لقد علم الجميع أن الإمساك عن الطعام في بعض الأيام مفيد للصحة، وخير للمرء أن يصوم مراراً في كل عام، وقد أسرف الناس في الأكل والشرب، واتَّخموا بأنواع من الطعام والشراب فأصيبوا بأمراض جسدية وخَلقية، كل ذلك معروف ومشاهد..
ولكن إذا سأل سائل: ما عدد الصائمين في هذه السنة لفوائد طبية ومصالح اقتصادية؟ وما عدد الأيام التي صاموها طمعاً في الاعتدال في الصحة أو الاقتصاد في المعيشة؟ كان الجواب المقرر إنه عدد ضئيل جداً، ضئيل حتى في الشتاء مع أن الصوم فيه سهل هين، ورغم أن الصوم الطبي أسهل بكثير من الصوم الشرعي.
ثم ننظر في عدد الصائمين الذين يصومون؛ لأنهم يعتقدون أن الصوم فريضة دينية، قد وعد الله عليه بثوابه ورضاه وتكفل بجزائه، فنرى العدد - مهما طغت المادية وضعف الدافع الديني - عدد ضخم لا يقل عن ملايين، وأن هؤلاء الملايين من النفوس لا يمنعهم الحر الشديد في الأقاليم الحارة من أن يصوموا من النهار ويقوموا من الليل، لأن الإيمان بالمنافع الدينية أقوى من الإيمان بالمنافع الطبية التي أخبر بها الأطباء، ومن الإيمان بالمنافع الاقتصادية التي لهج بها الاقتصاديون.
ذلك لأن المؤمنين سمعوا في الصوم ما هون عليهم متاعب الصوم وشجعهم على احتمال الحر والجوع والعطش فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”كل عمل ابن آدم يُضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال تعالى: ”إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عند فطوره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك”.
العناية بروح الصوم وحقيقته، ومقاصده، والجمع بين ”السلب” والإيجاب”
إن صوم رمضان لهيئته الاجتماعية وشيوعه في المجتمع الإسلامي عرضة لأن يتغلب عليه التقليد واتّباع العادة، وأن لا يصومه كثير من الناس، إلا مسايرة للمجتمع والبيئة، وتفادياً من الطعن الملام. وأن يشار إليهم بالبنان ولا يرافقه الإيمان والقصد والتفكير في عظم شأنه وموقعه من الله وأجره وثوابه، أو يصومه بعض الناس لغايات مادية، أو مقاصد صحية واقتصادية، فكان من حكمة النبوة الباهرة، وفقه الرسالة العميق، أن اشترط النبي صلى الله عليه وسلم للصوم المقبول عند الله الإيمان والاحتساب، فقال:”من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه”..
ثم إنَّ التشريع الإسلامي لم يكتف بصورة الصوم، بل اعتنى بحقيقته وروحه كذلك، فلم يحرم الأكل والشرب والصلات الجنسية في الصوم فحسب،بل حرم كل ما ينافي مقاصد الصوم وغاياته، وكل ما يضيع حكمته،وفوائده الروحية والخلقية، فأحاط الصوم بسياج من التقوى والأدب وعفة اللسان والنفس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:”إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، وإن سابه أحد، أوقاتله، فليقل إني صائم ”وقال :”من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”. وذكر أن الصوم الذي يخلو من روح التقوى والعفاف صورة مجردة من الحقيقة، وجسم بلا روح، فقال:”كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر”..
وليس الصوم الإسلامي مجموعة من أمور سلبية فقط، فلا أكل ولا شرب، ولا غيبة ولا نميمة، ولا رفث ولا فسوق ولا جدال، بل هو مجموع أمور إجابية كذلك، فهو زمن العبادة والتلاوة والذكر والتسبيح والمواساة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:”من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه،كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة”..
الأستاذ أبو الحسن الندوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.