عندما تتكلم نساء الأوراس وعجائزه عن السداية والنغادة والخلالة والقرداش والمقص والخيط والصوف، فاعلم أنهن يحضّرن أدوات ولوازم نسج الفراش أو الزربية. أما إن حدثوك عن الدراقة والعقدة والحولي، فتأكد بأنها أشهر أنواع زربية بابار التي تنسب لبلدية ومنطقة بابار بخنشلة. وتعتبر زربية بابار، الضاربة في عمق وتاريخ الشاوية والأوراس، أصيلة بشكلها وألوانها ومعبّرة عن الحال، مثلما روت لنا أمهات وجدات احترفن نسج الزربية البابارية تواجدن في تظاهرة الطبعة الرابعة للصالون الوطني للزربية والغزل والمنتجات الصوفية، المقام حاليا بمدينة خنشلة والذي سيتواصل إلى غاية 18 أكتوبر الجاري. وسردت بعض النسوة قصة المرأة الشاوية مع زربية بابار منذ زمن الأجداد، والتي نابت عن الألواح الفنية التي يهيم بها الرسامون وعن القرطاس والقلم في بيان الشعر والقصص. فالفتاة الأوراسية كانت تعبّر عما يختلجها من مشاعر الفرح أو الحزن بما ترسمه من أشكال في الزربية التي تنسجها حتى أن خالتي ربيعة من بلدية ششار قالت بأن الفتاة الصبية، إن أرادت الزواج واستحت من أهلها، تعبّر عن ذلك الشعور برسم أو شكل تجسده في زربيتها يعكس ذاتها ودواخلها. كيف لا وأصالة الزربية البابارية تعكس حياء وحشمة أهلها الذين كانوا يستعملون إحدى أنواعها وهي زربية الدراقة من الدرقة بالعامية والخفية والتخفي من اللغة العربية في الفصل بين النساء والرجال داخل المنزل الواحد وفي الخيام كميزة للشهامة، مشيرة إلى أن زربية بابار كانت ولا تزال الفراش والغطاء وزينة البيت وفخرها. وكانت زربية بابار، ولا تزال عند نساجيها، بمثابة اللوحة التي تختزل أشكالا ورموزا وألوانا تعكس حياة الأسرة والمجتمع الشاوي الأوراسي وهو ما أبانته صديقة عمامري رئيسة جمعية الهناء لمساعدة المرأة الريفية والحرفية المهتمة بنسج وخياطة وحياكة زربية بابار والتي شرحت مراحل النسج. وأشارت في هذا الصدد إلى الأشكال والرسوم ذاكرة على وجه الخصوص رسم الخربقة على الزربية وهي لعبة يتسلى بها كبار المنطقة وتلعب بحجارة صغيرة على الأرض وفي الهواء الطلق ورسم المشرف، الذي يعبّر عن القراط والحلي الذي ترتديه المرأة الأوراسية، فضلا عن رسم المحراب الذي هو رمز التدين ورسومات أخرى مثل كف الذيب الذي رسمه الأجداد على الزربية بعد أن رأوا في يوم مثلج آثار قدم ذئب منقوشة على الثلج والرخام وعباد الشمس وغيرها. وتعد زربية بابار كذلك من أشهر أنواع الزرابي في الجزائر وخارج التراب الوطني خاصة وأنها مثلت البلاد وتراثه المادي في كثير من الدول. وخير مثال على ذلك الدورة التدريبية التي جرت بالصين الخاصة بالنسيج العربي عام 2014 أين تواجدت هناك السيدة عمامري، ابنة بلدية بابار، مرفوقة بزربية بابار والتي سعت عبر هذه التجربة إلى تحسين وجه الزربية التي تحتاج إلى نوع من الدقة في المقاييس والتطوير بعض الشيء في آليات النسج حتى تنافس كبرى أنواع الزربيات وأجودها في العالم والتي قالت أيضا عن الزربية أنه ينقصها الترويج والتعريف بها. ويعكف المهتمون، على غرار جمعية الهناء لمساعدة المرأة الريفية وغيرها، على الاهتمام بتكوين وتعليم بنات المنطقة حرفة الأجداد حتى تظل صامدة كرمز لمنطقة بابار وخنشلة والأوراس والجزائر عموما.