فتية النقب الذين آمنوا بالعمل و استكشاف خيرات الطبيعة بقالمة يغادرون منازلهم كل صباح و يشدون الرحال الى الحقول الزراعية و الغابات المجاورة بحثا عن مصادر الرزق و الكسب الحلال كما يقولون ، يقضون ساعات طويلة هناك يستمتعون بجمال الطبيعة الساحرة و يجتهدون في اكتشاف مواقع الثمار البرية التي تغنيهم عن السؤال و مد الأيدي الى أسرهم التي أنهكتها متغيرات الزمن و لم تعد قادرة على مواجهة متطلبات المعيشة و تكاليف الحياة التي تتعقد باستمرار و تدفع بالفقراء الى البحث عن مصادر بديلة للعيش . إنهم فتية النقب ، النبات البري الواسع الانتشار بولاية قالمة.. آمنوا بالعمل منذ الصغر و حولوا هواية صيد الثمار البرية الى حرفة موسمية تتجدد باستمرار لكل فصل ثماره و خيراته التي تهبها الطبيعة بسخاء و دون عناء . وجدناهم منهمكين في جمع ثمار نبات السدرة أو النقب كما يسميه القالميون يجمعون الثمار البنية الحلوة المذاق حبة حبة ، يعانون بين شجيرات السدرة الشائكة تحت الشمس الحارقة لكنهم لا يتراجعون حتى يجمعوا ما يمكن جمعه من النقب ثم يعودون الى منازلهم للاستراحة قليلا قبل التوجه الى الفضاءات العامة لبيع الثمار النادرة بثمن معلوم يرتفع و ينخفض تماشيا مع آلية العرض و الطلب التي يعرفونها بأدق التفاصيل و كأنهم يستعدون لدخول عالم التجارة من أوسع أبوابه . يقول عبد النور البالغ من العمر 11 سنة بأن ثمن الكأس الواحدة من النقب الجيد يصل الى 5 دنانير و هو مبلغ هام بالنسبة لفتية النقب الذين يكسبون نحو ألف دينار يوميا يدخرون منه ما أمكن استعدادا للدخول المدرسي و مبلغ آخر للعائلة و الباقي لمقاهي الانترنت كما يقول أيمن صاحب ال13 سنة و الذي قدم من العاصمة لقضاء العطلة الصيفية عند أهله ببلدية هواري بومدين غرب قالمة و التي تعد إحدى الأقاليم المعروفة بانتشار النقب و الثمار الطبيعية الأخرى كالزعرور البري و الخرشف و غيرها من خيرات الطبيعة التي تنموا و تثمر مع حلول كل فصل . حدثنا عبد الرحيم دليل الفتية و مكتشف الغابات و مواقع الثمار البرية عن فوائد التجوال في الطبيعة و مواقع الانترنت و قال مازحا بأن المجموعة تجيد السباحة عبر الشبكة العنكبوتية و كانت قبل هذا قد تعلمت مبادئ السباحة بشلال عين الغول القريب من بلدية هواري بومدين و أشار بيده الى منخفض بعيد قائلا هناك شلال بارد لا يعرفه الكثير من سكان المنطقة نحن وصلنا إليه و سبحنا في مياهه الباردة عندما اشتد الحر ذات يوم بينما كنا نصطاد الثمار البرية و منذ ذالك الحين نزور المكان كل خريف عندما يحين موعد جني النقب و الزعرور البري الثمين . يسلكون الزوراتي الطريق البلدي المتهالك و يغوصون في أعماق الغابات و الأدغال غير آبهين بالخطر فقد تعودوا على المغامرة كما يقولون لا شيء يخيفهم هنا أو هناك بعد أن أصبحت الربوع الجميلة آمنة و علمت فتيتها الأيمان بالعمل و التعلق بالطبيعة. يعرفون كيف يحتمون من الشمس الحارقة و متى يغادرون عندما تغضب الطبيعة و تنذر برعد و برق و سيل غزير تماما كأطفال الحلزون و الزيتون الذين كبروا في أحضان السهول التي اتسعت للجميع و منحت خيراتها بدون مقابل و بسخاء .