مكافحة الأعشاب الضارة كيماويا تقضي على عالم العصافير الصغيرة لم نتمكن من الوصول إلي أعشاش العصافير الصغيرة التي كانت تعج بها الحقول خلال السنوات الماضية بمنطقة عين اعبيد بقسنطينة ،أين كان مجرد ولوج حقل أو أرض معطلة حتى تصادفك عشرات الأوكار التي أحسنت تلك المخلوقات الصغيرة بناءها وتهيئتها لاحتضان بيضها حتى يفقس في مثل هذه الأيام من كل سنة بعد أن تهجر موطنها الأصلي إلى مضارب تكاثرها . وكانت لعبة تشغل الأطفال في الأرياف أين يتفاخر كل واحد منهم بعدد الأعشاش التي تمكن من تحديد مواقعها على اختلاف بيضها وطريقة بناء عشها كما يتذكر الفلاح ب.أحمد الذي حاول عبثا أن يجد لنا أثرا لهذا العالم الجميل الذي قضت عليه المكافحة المفرطة للأعشاب الضارة كيماويا وبعد أيام أخبرنا أنه عثر على وكر في أحد الحقول وخرجنا معه للبحث عنه ورغم أنه عينه بالطريقة التي كان يمارس بها هذه اللعبة في صغره إلا أن الأمر صعب علينا بعد أن عرف نمو الزرع تغيرا كبيرا عبث بمعالم الحقل، وبعد بحث عن قشة في بحر تمكنا من الوصول إليه إلا أنه تأسف لأن ما كان فيه من حياة قضت عليها عملية الرش بالمبيدات وقد ترك فيه منذ أيام بيضات ثلاث. وأثناء البحث كان يحدثنا عن تلك اللعبة التي لا يعرفها أطفال الأرياف اليوم بعد أن غزت عالمهم الرسوم المتحركة والألعاب الإلكترونية فلم يعد أحد منهم ينتبه إلى هذه الكائنات الصغيرة التي كان وفودها المنطقة الأخصب في الولاية إيذانا بوفود طلائعه، بمختلف أسمائها من”السلايح” “و”الضرايس و”حمر السديرة” والقوبع”و”ملل”بما فيها الهدهد. وهذه الألقاب التي تعرف بها لا علاقة لها باللغة العربية ، ويميزون بينها بلون بيضها وشكلها والألحان التي تعزفها وهي تحلق فوق أعشاشها ، فيقضون رفقتها فصل الربيع لا حديث لهم سوى أخبارها وكم بيضة ولدت وإلى أين وصل ، ثم نعرف كما أوضح أنها تحضنهم بعد أن نلاحظ قلة حركة الأنثى وارتفاع درجة حرارتهم ، وما هي إلا أيام حتى تفقس ويبدأ الصغار في النمو فيظهر الزغب ثم الريش وأخيرا تطير معلنة نهاية الربيع ، فنودعها بالكف عن التردد علي مضاربها وقد كانت تصل إلي المئات ، وكان الطفل منا يعد منها العشرات فما أحلى ذلك الزمن الجميل الذي ولى وجاء بعده العصر الكيماوي الذي أباد هذا العالم البهيج الذي أصبح من الماضي الجميل البعيد الذي يجهله أطفال اليوم كل الجهل. وقد طلبنا من مجموعة من الموالين الذين يرعون مواشيهم على حافتي الطريق الولائي الرابط بين عين عبيد وعين الفكرون أن يساعدونا في البحث عن عش فيه بيض ، فتأسف الجميع عن إمكانية تحقيق ذلك لأن هذه الصغار لم يعد لها أثر ، أحدهم فقط قال أنه عثر مؤخرا على عش واحد في حقل معطل ، وقد وضع معالم تحدد مكانه ، حيث تمكنا من الوصول إليه، ولكن ليس بسرعة ، فعش عصفور بين مئات الحقول كمن يبحث عن قشة في كوم تبن، فوجدنا فيه أربعة بيضات لم نر مثلهن منذ سنوات طوال،وقد أجمع كل من تحدثنا إليهم على أن هذا العالم الجميل قد انقرض بفعل الإفراط في مكافحة الأعشاب الضارة بنية رفع إنتاج الهكتار من الحبوب الشتوية التي تعرف بها المنطقة معبرين عن أسفهم الشديد من الظاهرة. وبالنسبة للمصالح الفلاحية فإن هذه العملية جد ضرورية وتدخل في المسار التقني الذي أصبح الفلاحون يتبعونه ومطالبين به في دفتر الشروط للحصول على محصول وفير ، ولكن العملية الكيماوية يمكن تفاديها مع توفير في التكاليف ، وذلك باعتماد المكافحة الميكانيكية للأعشاب الضارة ، عن طريق حرث الحقل وتقليب الأرض عدة مرات في بداية ونهاية الربيع، وبذلك يمكن اجتثاثها بصفة جذرية دون اللجوء إلى المواد الكيماوية ، وهي تتطلب جهد اكبر ولكن كلفة أقل وتحافظ على التوازن البيئي الذي عرف خللا كبيرا في السنوات الأخيرة . لكن معظم الفلاحين يفضلون الطريقة الأسهل يقول محدثنا من تجزئة مصالح الفلاحة في عين عبيد ولاية قسنطينة على الرغم مما تلحقه بالبيئة من ضرر وتلويث للمياه الجوفية. لتبقى حملة توعية مركزة وحدها قادرة علي تغيير هذه الذهنية ليعود التوازن تدريجيا إلى المحيط الطبيعي والحياة البرية بصفة عامة.