الوريدة".. تاريخ عريق يفوح بعبق الأصالة "    موعد عائلي وشباني بألوان الربيع    ضرورة تعزيز الجهود لدعم ومرافقة المشاريع المتعلقة بتربية المائيات    عرقاب يتباحث بتورينو مع الرئيس المدير العام لبيكر هيوز حول فرص الاستثمار في الجزائر    مسؤول فلسطيني : الاحتلال فشل في تشويه "الأونروا" التي ستواصل عملها رغم أزمتها المالية    رئيس الجمهورية يؤكد على ضرورة مراعاة الأولويات التنموية للبلدان الإفريقية    رئيس الجمهورية يستعرض التجربة الجزائرية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية    أمطار مرتقبة على عدة ولايات ابتداء من مساء اليوم الاثنين    بوزيدي : المنتجات المقترحة من طرف البنوك في الجزائر تتطابق مع مبادئ الشريعة الإسلامية    الشلف – الصيد البحري : مشاركة أزيد من 70 مرشحا في امتحان مكتسبات الخبرة المهنية    تسخير كل الإمكانيات لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    إجراء اختبارات أول بكالوريا في شعبة الفنون    هنية يُعبّر عن إكباره للجزائر حكومةً وشعباً    العالم بعد 200 يوم من العدوان على غزة    صورة قاتمة حول المغرب    5 شهداء وعشرات الجرحى في قصف صهيوني على غزة    العدوان على غزة: الرئيس عباس يدعو الولايات المتحدة لمنع الكيان الصهيوني من اجتياح مدينة رفح    مولودية الجزائر تقترب من التتويج    تيارت/ انطلاق إعادة تأهيل مركز الفروسية الأمير عبد القادر قريبا    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    شنقريحة يحث على اليقظة..    تقدير فلسطيني للجزائر    رفع سرعة تدفق الأنترنت إلى 1 جيغا    الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية المسنّين    أمّهات يتخلّين عن فلذات أكبادهن بعد الطلاق!    سنتصدّى لكلّ من يسيء للمرجعية الدينية    برمجة ملتقيات علمية وندوات في عدّة ولايات    المدية.. معالم أثرية عريقة    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فرصة مثلى لجعل الجمهور وفيا للسينما    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    الجزائر تُصدّر أقلام الأنسولين إلى السعودية    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    استئناف حجز تذاكر الحجاج لمطار أدرار    بعد الإعلان عن خفْض الفوائد البنكية على قروض الاستثمار: قرارات الحكومة تريح المستثمرين    بعد مسيرة تحكيمية دامت 20 سنة: بوكواسة يودع الملاعب بطريقة خاصة    3 تذاكر ضاعت في نهاية الأسبوع: الثنائي معمري يرفع عدد المتأهلين إلى دورة الأولمبياد    لموقفها الداعم لحق الفلسطينيين قولا وفعلا: هنية يعبر عن إجلاله وإكباره للجزائر    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    مبادرة ذكية لتعزيز اللحمة الوطنية والانسجام الاجتماعي    القضاء على إرهابي بالشلف    تسجيل تلاميذ السنة الأولى بالمدارس القريبة من إقامتهم    إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار    تخوّف من ظهور مرض الصدأ الأصفر    عائد الاستثمار في السينما بأوروبا مثير للاهتمام    "الحراك" يفتح ملفات الفساد ويتتبع فاعليه    مواجهة كل من يسيء للمرجعية الدينية ولثورة نوفمبر    أرسنال يتقدم في مفاوضات ضمّ آيت نوري    مدرب ليون الفرنسي يدعم بقاء بن رحمة    راتب بن ناصر أحد أسباب ميلان للتخلص منه    العثور على الشاب المفقود بشاطئ الناظور في المغرب    "العايلة" ليس فيلما تاريخيا    5 مصابين في حادث دهس    15 جريحا في حوادث الدرجات النارية    تعزيز القدرات والمهارات لفائدة منظومة الحج والعمرة    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سكنتها معمرة مالطية اسمها «بوديس جولييت» و حولتها إلى مزارع للعبيد
نشر في النصر يوم 08 - 12 - 2013

عين غراب بقالمة.. قرية أشباح في سهل الجنوب الكبير
في واد به ماء و زرع كثير و بين تلال تحجب الرؤية و سهل خصيب تقع قرية عين غراب جنوب قالمة ، يسمونها بلاد القمح و السوط سكنها مالطيون دخلوا الجزائر مهاجرين مع الاحتلال و أقاموا فيها مزارع كبرى قبل 150 سنة بعد أن استولوا على الأرض و حولوها إلى موطن لاستعباد جزائريين يساقون بالسياط إلى الحقول كل صباح للعمل خماسة أو مقابل الأكل حتى لا يموتوا جوعا بعد أن صودرت ممتلكاتهم و هجروا قسرا إلى رؤوس الجبال.
لا توجد هنا أزمة سكن في القرية الفلاحية الصغيرة بل أزمة سكان ، كانوا هنا يعمرون عين غراب و يبعثون فيها الحيوية و الأمل ثم رحلوا تباعا تاركين منازل موحشة توشك أسقفها و جدرانها على الانهيار ، هنا في عين غراب رأينا كيف أن الطبيعة تزرع الشوك و الحزن في غياب الإنسان.لم نكن نتوقع دخول قرية تسكنها الأشباح و نحن نتوجه إلى هناك عبر مسلك ريفي لم تبق منه إلا أجزاء قليلة تصلح لعبور الجرارات و السيارات النفعية.
عبر هذا الطريق كان المعمرون يشحنون القمح و يرسلونه إلى أوروبا و صار اليوم سببا في تعاسة قوم عمروا المنطقة منذ سنوات طويلة قبل أن يهجروها الواحد بعد الآخر حتى صارت بلا سكان.
قطعنا مسافة قصيرة بين الحجارة و الحفر و خطوط عميقة شكلتها الفيضانات المتعاقبة على سهل الجنوب الشهير ، كان الطريق خاليا من الحركة في ساعات الصباح الأولى و بدا لنا رجل من بعيد قطع مسافة طويلة سيرا على قدميه و صار متعبا بالكاد يمد خطاه الثقيلة لم نكن ندري إلى أين هو ذاهب كنا نقترب منه شيئا فشيئا حتى صار أمامنا يبدو أنه اقترب من السبعين سنة لكنه مازال يحتفظ بجسد قوي.
المزارعون و سكان الأرياف هم دائما هكذا متعبون لكن أجسادهم سليمة من السكري و الضغط الدموي و غيرها من أمراض المدن و الحواضر الكبرى.
السلام عليكم طاب يومك ، نحن صحافيون نريد الوصول إلى عين غراب كيف هي حال الطريق هل يمكننا مواصلة السير ؟ .
«أهلا بكم أنا من عين غراب اسمي هزيلي عبد المالك الطريق صعب و يمكنكم الوصول فقط كونوا حذرين».
و سألته ثانية : إلى أين أنت ذاهب ؟.
«إلى سلاوة عنونة سأصل إلى الطريق الوطني 20 و انتظر هناك حتى تأتي الحافلة لقد تعودنا على السير مشيا مسافات طويلة ليلا و نهارا صيفا و شتاء لا توجد وسائل نقل على هذا الطريق».
طلبت منه أن يعود معي إلى عين غراب و وعدته بان أوصله إلى سلاوة عنونة بعد نهاية المهمة فواق الرجل دون تردد ركب السيارة و أحس بشيء من الدفء في يوم شديد البرودة ، كانت درجات الحرارة تنخفض بسرعة كلما صعدنا إلى مرتفعات سهل الجنوب الكبير.
الطريق المنهار و المنازل المتداعية سبب مأساة عين غراب
يقول عبد المالك بأن طريق عين غراب قد انهار منذ سنوات طويلة و لم يتم إصلاحه حتى اليوم فقط هناك عمليات ترقيع غير مجدية و مع مرور الوقت انقطعت به الحركة تماما و أصبح مجرد مسلك ريفي زراعي تستخدمه الجرارات و الحاصدات للمرور إلى الحقول المترامية الأطراف و سيارات نفعية بالكاد تصل إلى مزارع توشك هي الأخرى أن تصبح مهجورة بعد أن فر أغلب المزارعين باتجاه المدن و القرى المجاورة هروبا من جحيم عزلة خانقة أطبقت على عين غراب و حولتها إلى أطلال.
«طلبنا من البلدية إصلاح الطريق و فك العزلة عن المنطقة لكنهم لم يستجيبوا و بعد أن حاولنا إقناعهم مرات عديدة أرسلوا مقاولا وضع رملا ببعض المقاطع المنهارة ثم غادر بلا رجعة و أتت الفيضانات على الأجزاء المرممة و عادت العزلة من جديد كرهنا الحياة بعين غراب و نشعر بالحقرة و اليأس و خيبة الأمل».
المسافة بين عين غراب و الطريق الوطني 20 ليست طويلة و لا تحتاج إلى مال كثير لفك العزلة عن بقايا السكان و إقناع النازحين بالعودة من جديد، 3 كلم فقط من الخرسانة المزفتة و نظام حماية من الفيضانات و منازل ريفية جديدة تعوض السكنات المنهارة و تعود عين غراب إلى الزمن الذهبي من جديد.
بعد مسيرة شاقة وصلنا إلى القرية المهجورة منازل منهارة نبتت فيها الحشائش و غطتها الأشواك لم تبق إلا الأسقف الخرسانية المتداعية و أعمدة تآكلت و صارت نحيفة يظهر فيها حديد التسليح بوضوح.
بنيت القرية الصغيرة بين سنتي 84 و 86 قرب منبع مائي غزير يكفي لسد حاجة مدينة بأكملها و يعتقد السكان بأن عملية البناء لم تكن بمواصفات تقنية و أصيبت المنازل بتصدعات و بدأت مياه الأمطار تتسرب من الأسقف و تشقق نظام الإسناد الأرضي بعد سنوات قليلة.
دخلنا قرية لا بشر فيها فقط عبد الملك هزيلي و حارس مدرسة مغلقة منذ 4 سنوات و عائلتان قرب المدرسة تقيمان بمنزلين ريفيين جديدين لكنهما تفكران في المغادرة هروبا من العزلة و مكان صار موحشا مخيفا حتى في النهار.
لم يعد في عين غراب تلاميذ يذهبون إلى المدرسة كل صباح و لم يعد فيها أطفال يلعبون بين الأزقة الصغيرة و لا نساء يذهبن إلى الغدير و لا حتى رعاة يعزفون الناي خلف قطعان المواشي بين الأودية و السهول.
صارت القرية الريفية الجميلة منكوبة و مهجورة في غفلة من قوم تولوا شؤون الرعية و لم يحسنوا التدبير.
و قيل لنا بأن عصابات المواشي و سنوات الأزمة الأمنية ساهمت أيضا في هروب السكان و زوال مجتمع زراعي بأكمله في عين غراب.
و رغم عودة الأمن إلى السهل الكبير إلا أن سكان عين غراب لم يتمكنوا من العودة إلى قرية معزولة و منازل لم تعد تصلح للبشر.
آخر الهاربين ترك صورة بومدين على الجدار و مصباح يشتعل بغرفة الاستقبال
في عين غراب يمكنك دخول جميع المنازل دون استئذان منازل بلا أبواب و أخرى بأبواب لا مفاتيح فيها.
قادنا دليلنا عبد الملك إلى المنزل رقم 102 قال لنا بان عائلة كانت تسكن هنا ثم غادرت منذ 5 سنوات بعد أن تصدع البناء و بدأت أجزاء منه في السقوط.
من الصعب أن تدخل بيتا غير بيتك بلا استئذان شعرت و كأن أعينا تراقبنا و نحن ندخل من باب خشبي ، منزل لا بشر فيه فقط صورة للرئيس الراحل هواري بومدين معلقة إلى جدار تسربت إليها مياه الأمطار و أتت على جزء منها غير أن ملامح الرجل مازالت واضحة جلية.
سكان الريف القالمي مازالوا يحبون بومدين و يذكرونه باستمرار كلما تعلق الأمر بفك العزلة و المدرسة و المستوصف و القرية الفلاحية و الكهرباء و العدالة الاجتماعية و خدمة الأرض.
مازلت أرضية الغرف مغطاة بالبلاط و مصباح كهربائي مازال يشتعل بغرفة واسعة يبدو أنها غرفة استقبال الضيوف أيام الزمن الجميل.
تشعر بالحزن و أنت تدخل منازل صارت أطلالا تشعر و كأنك تنتهك حرمة بيت كانت فيه أم و أب و أطفال يلعبون و يسمعون القصص في ليل شتاء طويل.
«أنا أيضا أفكر في الرحيل تعبت و كرهت حياتي هنا أصبح منزلي مهددا بالانهيار و أبنائي مشردون في كل مكان طلبنا بناء منزل ريفي جديد لكنهم رفضوا نحن نعاني ظلما كبيرا هنا في عين غراب» يقول عبد المالك و هو يتفقد منزل جاره غرفة غرفة و بالكاد حبس دموعه بين جفنيه.
أكثر من 200 طفل ضاع مستقبلهم الدراسي بسبب العزلة
مأساة عين غراب ليست هجرة و تشرد و منازل مهجورة فقط حتى الطفولة البريئة دفعت الثمن غاليا و ضاع مستقبلها بين أودية و تلال تحجب نور الشمس. أكثر من 200 طفل توقفوا عن الدراسة مباشرة بعد الانتقال إلى المرحلة المتوسطة و مغادرة القرية الصغيرة في نهاية التعليم الابتدائي.
عزلة المنطقة صعبت من مهمة المعلمين و جعلت التعليم ضعيفا للغاية بالمدرسة الابتدائية المغلقة منذ 4 سنوات فلم يعد هنا تلاميذ يذهبون إلى المدرسة. و قيل لنا بان كل أبناء قرية عين غراب يغادرون مقاعد الدراسة بالمرحلة المتوسطة بسبب ضعف المستوى و العزلة و انعدام النقل و الظروف المناخية الصعبة في فصل الشتاء حيث تستوطن الثلوج المنطقة أياما طويلة و تزيد من عزلة المنطقة لا دراسة و لا غاز و لا مواد غذائية و لا فرق إغاثة تصل القرية المنكوبة.
و يتردد بعض شباب عين غراب على المكان بين حين و آخر لتفقد حقول القمح و بقايا و مزارع منتشرة هنا و هناك.
و قد حسنت أسعار القمح المرتفعة حياة المزارعين بعين غراب و أصبح أبناؤهم يقودون سيارات الطيوطا اليابانية قاهرة الجغرافيا الصعبة لكنهم ليسوا سعداء مازالوا يتذكرون سنوات الفقر و البؤس و الشقاء عندما توقفت الحياة بعين غراب زمن الجنون الإرهابي و تعنت عصابات المواشي. مازال شباب عين غراب المشرد في المدن و القرى يتذكرون بأسى كبير كيف ضاع مستقبلهم الدراسي لكنهم مازالوا يحلمون بالعودة إلى موطنهم و الاستقرار فيه.
قيل لنا بأن فتاة واحدة من عين غراب بلغت مدرجات الجامعة بعد مسار دراسي شاق بدأته بعيدا عن قريتها الصغيرة كانت تقطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام ليلا للوصول إلى الطريق المعبد و ركوب حافلة أو سيارة للوصل إلى المدرسة كل بداية أسبوع.
الحاج السعيد حجوجة:"المتسببون في مأساة عين غراب لن نسامحهم إلى يوم الدين"
اقتربت الساعة من العاشرة صباحا و بدأت الحركة تزداد بعين غراب ، جرارات و سيارات نفعية تصل تباعا إنه موسم زراعة القمح ، مناسبة تجمع كل أبناء المنطقة كما في موسم الحصاد يجتمعون في النهار و يغادرون قبل شمس المغيب تاركين القرية الحزينة للأشباح و كائنات الليل من طيور بوم حزينة و ذئاب رمادية كانت تعترض طريق الرجال و الأطفال ليلا على طريق البؤس و الشقاء و لم تعد اليوم تجد بشرا أو قطيع غنم تعترضه بعين غراب.
و صلت سيارة تقل شيخا استهلك سنوات عمر طويلة لكنه مازال مفعما بالحيوية و النشاط هو واحد من أعيان عين غراب اسمه السعيد حجوجة 85 سنة أحد كبار ملاك الأراضي الزراعية بالمنطقة.
قادنا دليلنا عبد المالك للقاء الرجل قرب منبع مائي غزير و قال لنا بأنه يحفظ الكثير من تاريخ المنطقة و يحتفظ بذكريات جميلة في حقول القمح و أخرى محزنة تتحدث عن مزارع العبيد و ليل الاستعمار المظلم الطويل.
قال الرجل متحدثا بأسى «لن نسامح المتسببين في مأساة عين غراب بنوا منازل مغشوشة و طريقا بلا نظام حماية من الفيضانات و لا طبقة صلبة مقاومة تأتي عليه الأمطار كل سنة و انهارت عدة أجزاء منه و انقطعت الحركة باتجاه عين غراب بلاد الخيرات و القمح الذهبي الشهير". و يضيف الحاج السعيد حجوجة "طلبنا من البلدية إصلاح
الطريق أكثر من مرة و إيجاد حل للمنازل المنهارة و تعويض السكان ببناءات ريفية جديدة و إقناعهم بالعودة من جديد ، دولتنا مهتمة كثيرا بالريف و الفلاحين و لا يمكن أن ننكر هذا لكن المشكل في المسؤولين المحليين هم الأقرب إلى المواطنين و يعرفون مشاكلهم ، لن نسامحهم و نوكل أمرهم إلى الله".
و يعتقد الرجل بان إعادة إعمار عين غراب أصبحت صعبة للغاية لكنها ليست مستحيلة إذا توفرت الإرادة و صدق الرجال عندما يوعدون.
جيل جديد من سكان عين غراب ولد بالمدن و القرى بعيدا عن الموطن الأصلي و من الصعب إقناعه بالعودة إلى هناك و مع مرور الزمن تتوسع الهوة بين هذا الجيل و موطنه ، إنه تحد كبير يواجه برنامج إعادة إعمار أكثر من قرية و ريف مهجور بقالمة رغم إطلاق برامج مكثفة لإيصال الكهرباء و تعبيد الطرقات و التنقيب عن المياه و دعم الأنشطة الزراعية.
و يرى محدثنا أن جيلا عمر الريف و خدم الأرض و أنتج القمح يوشك اليوم على الانقراض و لا بديل في الأفق حتى الآن. لم يعد هناك شباب متحمسون لإعمار مناطق معزولة لا طريق فيها و لا مدرسة و لا رعاية صحية و لا خدمات ، بعض الشباب يأتون فقط لزراعة حقول القمح نهارا و يغادرون المنطقة قبل الغروب.ربما تكون فرصة إعادة الإعمار و إقناع السكان بالعودة قد فاتت بالفعل.
ملكة القمح «بوديس جولييت» التي سكنت عين غراب و بنت مزارع للعبيد
حدثنا السعيد حجوجة عن مالطية اسمها «بوديس جولييت» قدمت مع الاحتلال الفرنسي ضمن ما كان يعرف بهجرة المالطيين إلى منطقة عنابة بين سنتي 1830 و 1860 و شجعتهم فرنسا على الاستيطان و منحتهم أراضي زراعية واسعة تحولت في ما بعد إلى مناطق لاستعباد جزائريين يعانون الجوع و الأمراض. كانت مالطية شديدة البأس بنت مزارع كبرى بعين غراب و استولت على 300 هكتار من أجود الأراضي المنتجة للقمح بالمنطقة صارت أشبه بملكة تركب حصانا و تأمر الخدم و تسوق الجزائريين كالقطعان إلى الحقول و تضربهم بالسياط و هي تقول "أمشي قواد".
«كان الجزائريون أصحاب الأرض يعملون ساعات طويلة عند جولييت مقابل خبز حتى لا يموت أطفالهم جوعا و عندما يكبرون يلتحقون بمزارع العبيد» تذكر الرجل كل هذا و هو يعتصر حزنا و ألما على ما عاناه الجزائريون من اضطهاد و استعباد بسهل الجنوب الكبير كما في كل شبر من ارض الجزائر المحتلة.
تملك جولييت مزرعتين قرب عين غراب واحدة مازالت بعض مبانيها قائمة حتى اليوم و أصبحت مستثمرة فلاحية جزائرية بعد طرد جولييت و خروج مستعمر أذل الجزائريين 130 سنة. قبل أن نغادر طلب منا السعيد حجوجة نقل مطالب أهل عين غراب إلى كبار المسؤولين المحليين و المركزيين. تعبيد الطريق و حمايته من الفيضانات و توسيعه إلى غاية الطريق الرابط بين سلاوة عنونة و عين مخلوف حتى يفك العزلة عن سهل القمح الكبير و تعويض السكان ببناءات ريفية جديدة و اعتبار القرية منكوبة من الناحية التقنية و الهندسية و إقناع النازحين بالعودة و إصلاح محول كهربائي يوشك على الاحتراق كلما سقطت الأمطار و حماية منبع عين غراب من الفيضان و محاسبة كل مقاولة إنجاز تسببت في ما وصفه بنكبة قرية فلاحية كانت تمد أوروبا بالقمح الذهبي سنوات طويلة.
انتهت المهمة ودعنا عمي السعيد و بعض من أهل عين غراب النازحين و توجهنا رفقة عبد المالك هزيلي إلى سلاوة عنونة لقد وعدته بان أوصله إلى هناك عرفت انه ذاهب لطلب بناء ريفي هو يحاول منذ سنوات لكنهم رفضوا و قالوا له بأنه مستفيد و حاصل على إعانة لترميم مسكن تحول إلى أطلال....؟ !.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.