انطلاق عملية تحضير مواضيع امتحان شهادة البكالوريا دورة 2024    بلعريبي يتفقد أشغال انجاز مشروع ملعب الدويرة    نفط: تراجع العقود الآجلة لخام برنت 71 سنتا لتبلغ 82.96 دولار    اختتام الندوة الدولية للتضامن مع الشعب الصحراوي: دعوة إلى توحيد الجهود لحماية الحقوق الأساسية للصحراويين    مشاركة قرابة 20 ولاية في المعرض الوطني للفنون والثقافات الشعبية بعين الدفلى    بلعابد يؤكد بأن مواضيع الاختبارات لن تخرج عن الدروس المقدمة: أزيد من مليون ونصف المليون مترشح لامتحاني البكالوريا والتعليم المتوسط    الجزائر/موريتانيا : افتتاح الطبعة 6 لمعرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط    لعقاب يبرز الانجازات المحققة في القطاع ويؤكد: على الإعلام لعب دوره في الذود عن مصلحة وسيادة الوطن    تجسيدا لقرار الرئيس تبون: وصول مجموعة أخرى من الأطفال الفلسطينيين الجرحى للعلاج بالجزائر    عنابة: ربط ذراع الريش بنظام الكاميرات والحماية عبر الفيديو    خلال إشرافه على مراسم إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة: لعقاب يدعو النقابات المهنية للصحافيين للعب دور إيجابي    تعيين برباري رئيسا للوفد الجزائري في أولمبياد باريس    الفاف تبنت مبادرة الصلح: رفع قرار حظر تنقل السنافر وأنصار مولودية الجزائر    موعد غينيا اتضح في انتظار مواجهة أوغندا: الكاف ضبطت رزنامة مواعيد شهر جوان    الجزائر تستقبل دفعة ثانية من الأطفال الفلسطينيين    قسنطينة : وفاة طفل غرقا في بركة مائية ببني حميدان    الوادي: ضبط 3 مشتبه بهم في جريمة قتل شخص    إعلام قوي للذّود عن مصلحة الوطن    تفاعل واسع مع رحيل جوهرة الساورة حسنة البشارية: عميدة موسيقى الديوان توارى الثرى    جيجل: إحياء الذكرى 42 لوفاة محمد الصديق بن يحيى    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    صالون دولي للسيارات والابتكار من 23 إلى 26 ماي بقسنطينة    رحيل سفيرة موسيقى الديوان حسنة البشارية    حان الوقت لرفع الظلم التاريخي عن الشعب الفلسطيني    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    "الفاف" تطلق مبادرة "صلح كروية" وتتوعد الحكام    الموافقة على اعتماد سفيرتي الجزائر بسلوفينيا وإثيوبيا    دبلوماسيون ومتعاملون أجانب: رغبة في تطوير المبادلات    معرض للمنتجات الجزائرية بنواكشوط    وضع شاطئ "الكثبان" على طول 7 كلم تحت تصرف المصطافين    اقتناء 4 شاحنات ضاغطة لجمع النفايات    مصالح الدولة في مهمة بلوغ "صفر حرائق" هذا الصيف    صحفيو غزة.. مئات الشهداء والجرحى والمعتقلين في سبيل القضية    توقيع 3 اتفاقيات بالصالون الدولي "لوجيستيكال"    في خطابه له أمام نقابيي الاتحاد العام للعمال وأحدث صدا،الرئيس تبون : نجدد تمسك الجزائر بالطابع الاجتماعي للدولة ولن نتخلى عنه    سكيكدة ولاية نموذجية في برنامج تعاون دوليّ    إطلاق مسابقة أحسن صورة فوتوغرافية    دعوة لصيانة الذاكرة من التزييف والتشويه    أكثر لاعب أنانيٍّ رأيته في حياتي!    حيماد عبدلي مطلوب في نادي نيس الفرنسي    حراك الجامعات المؤيّد لفلسطين يتوسّع..    السيد العرباوي يحل ببانجول للمشاركة في أشغال قمة منظمة التعاون الإسلامي    تمثيلية جبهة البوليساريو بإيطاليا تنظم يوما تكوينيا لمرافقي الأطفال الصحراويين خلال الصيف    بن طالب ينافس أوباميانغ على جائزة أفضل لاعب أفريقي في فرنسا    دراجات/ طواف البنين الدولي: الجزائري ياسين حمزة يفوز بالمرحلة الرابعة    دعا لها مشاركون بندوة علمية بسطيف.. ضرورة بناء وتكوين قدرات فعالة في إدارة المخاطر محافظة على الموروث الثقافي    الاهتمام بالتكوين ضروري لتحسين أداء الأفواج الكشفية    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي : الجائزة الكبرى "الغزالة الذهبية" من نصيب الفيلم الاسباني "ماتريا"    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال الصهيوني استهدف منزلا برفح    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    تيارت..هلاك ثلاثة أشخاص وإصابة ثلاثة آخرين في حادث مرور    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن المعتزلة وزمننا
نشر في النصر يوم 28 - 04 - 2014


عن اضطهاد المختلف
في كتابه " الإسلام والعقل"...معركة الأفكار" الصادر بالفرنسية عام 2005، يرى المفكر الجزائري "مالك شبل" أنّ المعتزلة كانوا أول المثقفين المنشقين في الإسلام. لقد أطلقوا صرخة الاحتجاج والحرية على الفقهاء الدوغمائيين الذين كانوا يؤسسون لتجميد الإسلام إلى الأبد.فخرجوا عن الإجماع الإسلامي الذي يقول بأن القضاء خيره وشره من الله، وقالوا أنّ الله لا يصدر عنه إلا الخير لأنه الخير المحض، أما الشر فينتج عن أعمال الإنسان وبالتالي فالإنسان هو وحده المسؤول عن أعماله خيرا كانت أو شرا.
ياسين سليماني
المعتزلة بهذا الرأي يكونون أوفى لروح القرآن من غيره لأن القرآن يقول :" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"
قد تكون هذه الفكرة الآن بديهية غير أنها كانت ثورية في وقتها الذي ظهرت فيه. إن الإنسان هو خالق أعماله والله لا يتدخل إطلاقه في خياره هذا، لأن الله يمثل العدل المطلق الذي يستدعي حرية الإنسان وتفعيل الصواب والخطأ والمسؤولية المنجزة عن ذلك فإذا كان الإنسان لا يملك هذه الحرية أمكن لنا أن نقول أن الله ظالم. وهل تظلم العدالة الإلهية؟
يبدو كلام مالك شبل واضحا، بهذه الطريقة إنه لا يضيف جديدا في فهم آراء المعتزلة أو فتحا معرفيا في النسق الثقافي الذي كانت"الجماعة" تبلور أفكارها من خلاله. ومع ذلك فإن خطاب شبل يتجاوز حقيقة أساسية. إن موقف المعتزلة كان تجريديا ، مثقفا أكثر من اللازم ولهذا انتصر عليهم خصومهم من الحنابلة الذين قدموا تصورا عن الله أقرب إلى فهم العامة ، إن العامة هنا لم تفهم الخطاب المعتزلي لإغراقه في التجريد العالي ، بتعبير هاشم صالح في كتابه "معضلة الأصولية الإسلامية" فإن التفسير المحسوس المباشر المجسد للقرآن كما فعل خصومهم هو الذي انتصر على التفسير الرمزي المجازي العقلاني.
يقول هاشم صالح : لو انتصر لاهوت المعتزلة العقلاني المؤمن في آن لتغير مصير الإسلام ولما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من تحجر عقائدي و ظلامية لاهوتية وتعصب أعمى. ماذا لو انتصرت مقولة خلق القرآن؟
بالنسبة لهاشم صالح، لو حدث ذلك أي لو كان المصحف الذي نمسكه بأيدينا ونقلب صفحاته كأي كتاب لم يكتسب صفة المقدس كان بالإمكان أن نطبق عليه القراءة التاريخية وعندئذ ما كان يصاب العقل الإسلامي بالجمود وما كان يصيبه هذا التحنط العقائدي.
يقارن مالك شبل بين انتصار الحنابلة على المعتزلة في القرن التاسع الميلادي وبين انتصار الأصوليين المتشددين في وقتنا الحالي على الحداثيين والليبيراليين، هل التاريخ يعيد نفسه؟
قد يكون من المجدي هنا أن نقول أن الأشاعرة أيضا كانوا ضد المعتزلة في هذا الاتجاه وانتصروا للحنابلة، بتعبير آخر، كان موقف الحنابلة والأشاعرة انقلابا رجعيا على جوهر الدين الإسلامي عندما دعموا فكرة "تعطيل قانون السببية والقدرة البشرية" بينما كان المعتزلة أوفى لروح القرأن عندما رأوا أن الله لا يمكن أن يعاقب الخيّر ويكافئ الشرير، وإلا لكان قد ناقض نفسه بنفسه ما دام يقول : " من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مقال ذرة شرا يره....." وهذا يحسب للمعتزلة مرة أخرى.
ينبني خطاب الجماعات الإسلامية المعاصرة في كل البلاد العربية وباختلاف مسمياتها على تحنيط العقل البشري وعلى تمركز الأحادية العقائدية بخطاب مغلق يدور في أغلبه بين قوسي التحليل والتحريم عبر صياغات مقولبة قديمة أثبتت عبر الزمن حاجتها للمراجعة.
إنها جماعات تقلّم الحقيقة من كلّ نتوءاتها أو غناها –بتعبير صاحب عرش المقدّس- فتبقى الأجسام فقط بدون روح. جماعات امتلكت –في رأيها- المعرفة الكاملة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. هذا الامتلاك يتحول إلى سلطة، والسلطة لها مشروعية الحكم، ويصبح على الآخر التنفيذ سواء كان مقتنعا أم غير مقتنع.
من هنا جاءت الصياغات التكفيرية المقولبة للآخر المختلف، حتى وإن كان خطابه مخاتلا مراوغا يحمل على التعاطي معه بالفهم المجازي لا الظاهري. يكفي أن تشم هذه الجماعات رائحة التفكير المختلف (التحليق في أرض غير أرضهم كما ذكرت في كتابة سابقة) حتى ترش الحوامض الكيماوية كما حدث للعديد من الفتيات من غير المحجبات في جامعة كابول بأفغانستان لتشويههن عقابا لهن على الجريمة النكراء.
هنا يقطع السبيل عن إنتاج حوار حقيقي، ذلك أنّ الحوار يجب أن يسائل أكبر المسلمات وإلاّ فقد مصداقيته. وكيف لا يسائل الإنسان مكوّنات الثقافة التي يعيش في أجوائها وأولها الدين. أليس الدين منتج سوسيو ثقافي ظهر في زمان ومكان معينين؟.
الدعوات إلى الانفتاح أنتجت مزيدا من الانغلاق، ومحاولة التوجه نحو مجتمع تشاركي تفاعلي لا يضطهد فيه المختلفُ رمزيا ولا ماديا أفرزت مزيدا من تكبيل الحريات وتكميم الأفواه. وما حدث للمعتزلة قبل قرون، لا يزال يحدث الآن بل بصيغ مختلفة وأشكال متنوعة.
إنه سقوط مدوٍّ للإسلام الحضاري الذي لا أراه إلاّ سرابا. بل إنه سقوط مخزٍ لإنسان هذا العصر.
-------------------
هوامش المقال:
Malek Chabel : L'islam et la raison Le combat des idées
-هاشم صالح، معضلة الأصولية الإسلامية
-عبد الهادي عبد الرحمن، عرش المقدس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.