بقلم: سامح المحاريق أثناء كتابة المقال الذي تطلع في نسخته الأولى لتقليب الاحتمالات الخاصة بهجوم إسرائيلي على إيران والرد الذي سيتخذه الإيرانيون كانت المحطات الفضائية تحمل أخبار الهجمة الجوية الأولى من قبل إسرائيل فأصبحت جميع الفقرات غير ذات معنى ويجب تأجيلها وبعد متابعة الهجمات الإسرائيلية المتعاقبة ونتائجها واسعة الأثر أعيدت صياغة المقال من جديد وبشكل شبه كامل وأصوات صفارات الإنذار تدوي في العاصمة الأردنيةعمان بينما تتحدث التقارير الإخبارية عن اعتراض مسيرات وصواريخ دخلت المجال الجوي الأردني وأثناء هذه النسخة فإن أصوات تحليق الطائرات الأردنية بدأت تسمع في سماء عمان. في واحدة من لحظات السيولة التاريخية يظهر الشأن الإيراني بطريقة يصعب تجاهلها ومن المبكر قراءتها ولكن يبدو أن طهران تدخل في مرحلة من سوء التقدير ففي الوقت الذي تتحدث فيه إسرائيل عن حرب يمكن أن تمتد إلى أسبوعين أو أكثر يبدو الإيرانيون عالقين داخل فكرة الرد الصاروخي الذي لا يبدو ناجحا في الساعات الأولى من أزمة يصعب التكهن بمداها من الوقت وأثرها في التاريخ وتتضح ملامح الصدمة في فشل إيران في التصدي للضربة الأولى التي كانت متوقعة إلى حد بعيد على امتداد يومين على الأقل قبل الضربة الإسرائيلية وكأن طهران ومؤسساتها تعيش من غير الحد الأدنى بالحساسية تجاه التفاعلات التي تدور حولها في المنطقة. وصلت إسرائيل إلى العديد من الشخصيات العسكرية رفيعة المستوى وعلماء مرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني بصورة تستدعي التساؤل حول قدرات الدفاع الجوي الإيراني وما يمكن أن يغري إسرائيل في الأيام المقبلة لتصعيد كبير في عملياتها العسكرية وفي طموحاتها للمحصلة السياسية لهجومها الواسع الأخير وبصورة قد تشجع الأمريكيين على اتخاذ قرارات مختلفة تجاه الحرب لتقف في زاوية الرؤية التي تتخذها إسرائيل في هذه المرحلة وتتطلع إلى دور أكثر فعالية وصراحة في الحرب. تظهر إسرائيل في هذه المرحلة بوصفها الذراع الطولى في المنطقة فخلال أشهر قليلة تمكنت من تحقيق أهداف لم تكن متخيلة قبل سنوات قليلة وبعد أن كان حزب الله يشكل تحديا مزعجا لإسرائيل يرهقها في مقاربته فالحزب تعرض إلى ضربة أدت إلى تغيير خريطة السياسة اللبنانية بصورة واسعة وعميقة وتمكنت إسرائيل من تقويض قدرات الجيش السوري التقليدية والدخول والتمركز إلى أراض سورية وأخيرا تتقدم بضربة لإيران بقيت لفترة من الوقت موضوعا للشد والجذب مع الأمريكيين. *نار على طاولة التفاوض هل تعتبر إيران ما حدث عرضيا وترتضي موقفا ضعيفا على طاولة التفاوض التي يمكن أن تعود لها من جديد ويلتهم الفعل السياسي بصورة تدريجية حلم إيران الذي سوقته لسنوات طويلة ويأتي على صورتها التي بنيت على هامش توسعها الإقليمي في ساحات وصلت إلى سواحل المتوسط ومدخل البحر الأحمر أم أن الضغط العصبي على الإيرانيين بعد الضربة الواسعة يمكن أن يدفعها إلى حرب أكثر قربا لإمكانياتها العسكرية التي لا يبدو أن سماء المنطقة الممتدة فوق الأردن وسوريا والعراق موقعها المناسب نظرا للتفوق الإسرائيلي الواضح في الإمكانيات. هل يعني ذلك إعادة التمركز بالحرب في الخليج وهو الساحة التي تعرفها إيران بصورة جيدة منذ حرب الخليج الأولى 1980 – 1988 من خلال استهداف مواقع أمريكية بصورة مباشرة أو إغلاق مضيق هرمز الحيوي بالنسبة للعالم والتصعيد بما يلحق الضرر بالدول الخليجية التي تعتمد بسبب موقعها على استقطاب أكثر من عقدة تجارية ومنها النقل الجوي حيث تدير ثلاث شركات خليجية (القطرية الإمارات والاتحاد) حصة معتبرة من حركة الترانزيت في العالم وما الذي ستفعله دول الخليج في المقابل تجاه الخروج من تهديد يقترب من حدودها بصورة غير مسبوقة وغير منضبطة خاصة أنه لا يعرف أن إيران وسط طبقات وأطياف كثيرة ستتصدى للحرب وأي نوعية من القتال ستفرض نفسها وظهر إيران ومشروعها إلى الحائط وسمعتها على المحك. في المقابل ما هو الموقف الأمريكي في الأيام المقبلة خاصة مع تقلبات الرئيس ترامب وسلوكه المحكوم بالنزوات وما يمكن أن تشكله فرصة أزمة واسعة في الخليج العربي والمنطقة من مخرج أمام أزمة داخلية تتوسع في العديد من الولايات بخصوص موضوع المهاجرين غير الشرعيين وما ليس جديدا هو تصدير الأزمات للخارج بالنسبة للدول الكبرى التي تمتلك هذه الرفاهية في خياراتها. هل يمكن أن يفرض النموذج الأوكراني نفسه على احتمالات الاشتباك المقبلة إذا تدخل الأمريكيون بعد استهداف مصالح الولاياتالمتحدة في الخليج وتأخذ مسارات غير متوقعة وتمتد لوقت طويل وهل يمتلك الإيرانيون القدرة على أن يتحولوا إلى ورطة أمريكية على شاكلة ما وجده السوفييت في أفغانستان وهل يرتضي الشعب الإيراني أن يرى بلاده متأرجحة في النسخ المتكررة من الوعد الصادق الذي لم يسفر في نسختيه السابقتين خلال الأشهر الماضية عن ضرر حقيقي لإسرائيل فالواقع إن إيران ما زالت غير متيقنة من قدرتها على الحصول على دعم مشابه لما يتحصل عليه الأوكرانيون وأن النظام الإيراني قد يجد نفسه محرجا من هشاشة التحالفات التي سوقها في المرحلة السابقة. *لحظة الانقضاض الإسرائيلي أتت لحظة الانقضاض الإسرائيلي كمحصلة لتفاعلات كثيرة منها ما يفرض نفسه على الساحة الداخلية في إيران بدءا من الوضع الاقتصادي إلى أزمات سياسية عميقة تتابعت بعد سقوط طائرة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي وأتت خسارة الساحات الإقليمية بصورة متتابعة لتعمق أزمة الحرس الجمهوري بوصفه قوة مؤثرة في القرار الإيراني فهل يمكن في هذه اللحظة أن تسلم قيادة إيران في لحظة وجودية إلى الحرس الذي أثخنت سيرته وسمعته بالفشل في لبنان وسوريا مؤخرا. كل هذه أسئلة مطروحة ومع تصاعد الأزمة ستظهر إجاباتها تباعا ولكن الواقع إلى اليوم هو أن المشروع الإسرائيلي يتقدم بخطوات واسعة ومتسارعة ويعتمد في تقدمه على زخم استخباراتي هائل مكّن إسرائيل من الوصول إلى شخصيات عسكرية ومدنية مهمة في طهران وقدرة على إنجاز الغايات الإسرائيلية المتسقة مع نظرية الأمن الواسعة الممتدة من أفغانستان إلى المغرب باستثناء الحرب الغبية على قطاع غزة التي يظهر أن إسرائيل تتعمد خلالها إحداث إبادة تجاه الفلسطينيين لتغيير الواقع الديمغرافي داخل النواة الصلبة للمشروع الإسرائيلي الذي يبدو مرشحا للتوسع حول هذه النواة في حال جرى تحييد أو تقليص الدور الإيراني. تخرج المنطقة من مرحلة توازن سابقة ولكن ذلك لا يعني حدوث توازن جديد بقيادة إسرائيل بناء على طموحات تل أبيب وأجهزتها خاصة أن الأسئلة الرئيسية ستبقى من غير إجابات وستضاف لها أسئلة جديدة لن يكون من السهل تقديم إجاباتها في عالم يخرج من مرحلة توازن سابقة من غير أن يحدد ملامح التوازن الجديد في وقت تفرض الفوضى والارتجال نفسيهما على واشنطن وموسكو وجملة من العواصم الأوروبية المهمة. يمكن ألا تتوسع الحرب وأن تنكفئ إيران للداخل ويمكن أن يقلب الإيرانيون الطاولة بإعادة تعريف الحرب وأهدافها لمصلحة تقريبها لحدودهم وإمكانياتهم العسكرية ولكن ستبقى الضربة الإسرائيلية بمثابة المقامرة الكبرى التي يجب على العالم متابعة نتائجها وتفاعلاتها.