أي حوصلة تقديرية قد نستطيع اليوم تقديمها بعد كل هذه السنوات من العمل الحثيث والكلام والعرق المضني في محاولة لإقناع الآخر بصدق المعركة التي تبدو للبعض أنها تختلف، بواجب الذاكرة، كالدفاع عن ذاكرة أولئك ''الآهالي'' الذين جئنا من نسلهم، لرؤية ولو بشائر ضئيلة لرغبة في استعادة هذه الذاكرة المسلوبة، الممزقة، المعتدى عليها والمحاطة بالإهمال، بعد 65 عاما من الذكريات المريرة، المليئة بالمرارة والحزن، التي تذكر بتلك الأيام السيئة التي شهدت ذهاب أرواح في سن الزهور من رجال ونساء وأطفال كانوا كسنابل تنمو، جزتها وحشية إثنية، إبادة عرقية، جريمة جماعية تحت سماء مفتوح، عمل حقير لا زال إلى اليوم بلا عقاب، ذكرى مخبأة، ولكن حية ينتفع طامعو الأمس واليوم من إبقائها في الظل· إن التذكير لضروري، (وذكر فإن الذكرى تنفع المومنين) الذاريات: 55· اليوم، نخلد أحداث ماي ,1945 وأما الاحتفال ففي مكان آخر، يذكرون فيه الشعب الجزائري بكل تشكيلاته والعالم أجمع، الحلفاء والخصوم بالذكريات المؤلمة لهذا الشهر، شهر الذاكرة، الشهر الذي شهد اندحارا جماعيا في سيول جامحة من الكراهية سببها مجموعات حاقدة، أكثر من 000,45 من أبنائنا وآبائنا وأمهاتنا، شهداء الله، ضحي بهم على مذبح الفظائع الاستعمارية، هذا الشهر الذي وضع مرة أخرى في طي النسيان، إستبدل بشهر التراث، وهو الذي أشعل فتيل الهوية الوطنية، وأيقظ الوعي التحرري، فاتحدت القوى الشعبية من أجل الوصول إلى حرب التحرير الوطنية، إلى تحرير أمة من القبضة الاستعمارية التي استمرت 132 عاما· تحت لواء الحرية، وراية سلام دائم بألوان الاستقلال، الأخضر والأبيض والأحمر، حملت بالأمس من طرف سعال، عائلة زياري والحفاف الذين قتلوا في أحد أيام ماي لأنهم تجرؤوا على تحدي القواعد الآثمة التي فرضها الاستعمار، فإننا اليوم نمتلك كل الحق لمطالبة فرنسا بالعدالة، أولا بإظهار التوبة وتحديد حجم الأضرار التي أحدثتها خلال قرن ونصف، بنفس المستوى الذي لم تتردد فيه لحظة بمطالبة ألمانيا بتعويض فتات من الألم عانت منه بموافقتها، فرنسا فيشي ألم تكن غالية؟ إن فرنسا ستستفيد بشكل كبير إن أعادت النظر في سياستها الحالية، لأن نظام ساركوزي، الذي لا أمل فيه، يذكر مع بعض البريق بظلال ذكريات قديمة، يقود بشكل افتراضي معارك زائفة لن يستفيد منها إلا آخرون، على غرار العراق، فلسطين، الصحراء الغربية، تركيا، الجزائر وغيرها· على جزائر السياسيين، المفكرين، المثقفين والبرلمانيين وعن وعي تام إظهار الكرامة والسيادة والعزم على تحقيق السلام وتجسيد المصالحة الشاملة المنتظرة، مع الذاكرة أولا، التاريخ ومع الشعب بأكمله بعد ذلك، كما أنه من واجبنا أيضا المطالبة بالعدالة في الداخل قبل مطالبة الآخرين بها· هل يمكن أن نفكر لحظة واحدة في أن ننزع عن محمد بلوزداد حقه في أن يكون شهيدا، وهو أب التنظيم الخاصة (O.S) وقد توفي قبل 1954 لأنه كان في طليعة الثورة، ألا يصنف ضمن فئة الشهداء والمجاهدين؟ أم أن هذه الصفة امتياز لمن يختارهم النظام فقط، هل يمكننا أن نفكر لحظة في أولئك الذين سجنوا من قبل فرنسا خلال أحداث عام 1945 وقبعوا في السجون أكثر من 5 أو 6 سنوات وخرجوا منها قبل نوفمبر ,54 ألا يستحقون صفة مجاهدين؟ إنه من غير المعقول الإعتقاد بهذ، والاستمرار في الحفاظ عليه· ما المصير الذي نعده لسعال بوزيد، زياري، الحفاف وغيرهم ممن تلقوا رصاصا قاتلا خلال شهر ماي 1945 بسبب رفعهم الراية الوطنية والمطالبة بالإستقلال؟ مشبعين بخطب كثيرة وجوفاء في نفس الوقت، ترددها بعض الأحزاب السياسية دون اتخاذ أي موقف، فإننا نحيي أولئك الذين فضلوا التحرك، إنهم يشعروننا بالإرتياح ويؤكدون المطالب المشروعة التي يسعى لتحقيقها شعب بأكمله، إننا نحيي صديقنا النائب ''موسى عبدي'' لأنه تجرأ على تحدي فقدان الذاكرة والنسيان، حتى وإن لم يكافأ بقدر قيمته من قبل حزبه، لأنه فتح الباب أمامنا إلى طريق الشرف، إن قانون تجريم الاستعمار، كان ولا يزال مطلبا شعبيا ووطنيا، كل الشعب منضم إليه، وأية محاولة للقضاء عليه هي اعتداء على كل الشعب الجزائري· إننا نحيي كذلك التصرف البليغ الصادر عن حركة مجتمع السلم، حيث قام النائب ''بلقاسم قوادري'' بإظهار دقة نظر وولاء تجاه ربه قبل أن يبديه تجاه الرجال، وذلك بالدفاع عن وضع إطار لشهداء عام ,1945 حيث قام بتقديم سؤال شفوي إلى وزير المجاهدين، داعيا إلى مراجعة النسخة القضائية لقانون المجاهد والشهيد، من أجل إدماج المنسيين من سنة 1945 كشهداء بشكل كامل، كما ليس لنا الحق أن ننسى المبادرة البرلمانية التي انفرد بها حزب العمال باقتراح يوم 8 ماي كيوم للذاكرة الوطنية بنفس المنوال الذي يكرس به اليوم العالمي للعمال، أي 1 ماي· كم من طريق سلكناه دون أن نحقق ولو القليل· صحيح أنه منذ الاستقلال، إستطعنا ونستطيع ترقيع تاريخنا تدريجيا وبكل موضوعية، فمن المؤسف أن النسخة الفرنسية من التاريخ الجزائري لا زال ينهل منها لتحرير كتابات عن سير ذاتية· ألم يحن الوقت لمؤرخينا، أو على الأقل أولئك الذين يسعون جاهدين لوضع أنفسهم في هذه الخانة، لكتابة ما حدث لاستعادة التوازن؟ إن جمعية 8 ماي ,1945 وبفضل الرجال الذين أسسوها، ووضعوها على السكة، أثروها بمساهماتهم الفكرية، وتضحياتهم وتفانيهم، قد نجحت اليوم بأن تضع في جدول مطالبها إنجازين كبيرين: ''قانون تجريم الاستعمار وبدايات مناقشة برلمانية بشأن شهدء عام ,''1945 والتي تهديها لمؤسسها الراحل البشير بومعزة، وليكتبها الله في حسناته·