لست أدري لماذا اخترت العودة إلى قراءة أعمال الروائية الكويتية المثيرة للجدل الصديقة ليلى العثمان، التي كان لي شرف ضيافة منزلها في الكويت، خلال مهرجان القرين الثقافي العام 1999 رفقة الروائي الكبير الطاهر وطار - شفاه الله - والأستاذ الطاهر بن عيشة والصديق الكاتب الصحفي الشاعر عبد العالي رزاّقي، وهي التي أغرقتني بأنواع من الهدايا الثقافية الثّمينة، المتمثلة في باكورة أعمالها وأعمال أدباء آخرين، وكنت قد قرأت في العديد من المرّات روايتها '' الرّحيل '' و '' في الليل تأتي العيون '' وهي الرواية التي بحوزتي الآن ، من ضمن مجموعة أعمال رشّحتها لإعادة مطالعتها، في برنامج صائفة هذا العام· لست أدري لماذا ولكن - ربّما في نظري - تبقى روايات ليلى العثمان صيفية، لما فيها من جرأة ودفء وحرارة، تشبه كثيرا الصيف في ثقافتنا المغاربية والمشرقية، وهي الكاتبة التي تقول كل شيء بوضوح· وسأعود إلى هذه الرواية لاحقا، بعد أن أنبّه وزارة الثقافة الجزائرية إلى محاولة إطلاق مشروع '' المطالعة المنزلية''، ليكون تقليدا حضاريا داخل منازل وبيوت 36 مليون جزائري، يفتقد غالبيتهم لهذا الحسّ النبيل و''التربية الذّوقية'' ، التي نشأت عليها حضارات الشعوب المتصدّرة في عصرنا أحداث المسرح العالمي، بإنجازاتها وإبداعاتها و''ماركاتها'' و '' موديلاتها'' بحيث لا يكفي تدعيم ''ثقافة التسلية والترفيه'' في هذا الموسم أو ذاك، كما لا تجدي نفعا الانزوائية في ''الفلكلور'' أمام الكتاب، الحامل للإشراقات والضامن الوحيد لمفهوم المواطنة وانتاج المجتمع الثقافي، الخالي من ''أمراض الفساد '' التي تهدّد المنظومة الأخلاقية للمجتمع برمّتها· أسوق هذا المقترح، في كومة ما آلت إليه الحالات الذّهنية في ''المنزل الجزائري'' من بلادة وتسطيح وتساهل وأكاذيب، لم تجد الكتاب يملأ عنها هذه الفراغات الخطيرة، بحيث تنتج في شوارعنا العمومية ألفاظ العدميّة والكراهية والتنابز والخرافيّة، خاصّة وأن مطالعة الكتاب المنزلي استراتيجية بيداغوجية تعتمدها المجتمعات، قصد حفظ وعيها التاريخي والوطني والحضاري، وتحصين ''أمنها الأخلاقي'' من كل محاولات ''الاغتيال الرّمزي و المعنوي''· والدعوة إلى مشروع المطالعة المنزلية، لا يكلّف مخزون الأمّة الجزائرية شيئا، بالقدر الذي سيجنيه وعيها من قوّة، في وجه '' مصيبة التهريب '' و كارثة '' الهجرة الدّماغية '' وفضيحة '' نهب الثروات '' و نخر روحها في أعمق مقوّماتها، بحيث لا يمكن أن تكون الصّورة صحيحة والمرآة مكسورة، فلا مسرح ولا سينما ولا رقص ولا رسم قبل الكتاب والمنزل الذي لا يقرأ ساكنه كتابا في التاريخ وكتابا في الجغرافيا وكتابا في الفضاء وكتابا في الماء و كتابا في العلم و الفنّ هو '' منزل قابل للانفجار '' ··· و سأحكي لكم - لاحقا - عن رواية ليلى العثمان (في الليل تأتي العيون)·