يرى المسرحي العراقي، مهند هادي، أن مسرحه يحاول أن يكون صوت المواطن البسيط في العراق، وهو سر نجاحه إلى درجة وصف بعض النقاد له بأنه ''ثورة'' في المسرح العراقي المعاصر، ويدعو بالمناسبة الجمهور إلى مشاهدة مسرحية ''مخيم'' مساء غد الأربعاء بقصر الثقافة مفدي زكريا. أعمالك المسرحية، أُعتبرت ''ثورة'' في المسرح العراقي الجديد، هل هذا الأمر مرتبط بالوضع السياسي الجديد؟ ليس له علاقة بذلك، وأنا ليست لي علاقة بالسياسة، الأمر متعلق فقط بأنني حاولت أن أناقش عن طريق عروضي ما يجري حاليا في الشارع العراقي، فالميزة التي كتب عنها النقّاد أن مسرحياتي هي مقطع عرضي للشارع العراقي، وأنا أعتقد أن أي نص عالمي ينبغي أن يعبّر عن هموم الناس، على عكس الكثير من النصوص في العراق وغيره التي هي دخيلة على ما يجري في الشارع. تعتقد إذن أن مسرحكم هو صوت الشارع العراقي؟ هذا ما أريده، وأتمنى أن يكون كذلك، وأنا مؤمن بأن الفن يؤرخ لما لم يؤرخه التاريخ نفسه، وأنا أقصد من خلال ما أقدمه من مسرحيات أن يكون ذلك لسان حال الناس البسطاء الذين يريدون عيش حياتهم بسلام وأمان، فالحياة اسمها ''الحياة'' فلماذا يوجد أشخاص يريدون أخذ تلك الحياة وإنهائها؟ وكيف تستطيع أن تفصل بين هذا وذاك، ونحن في بيئة ملغمة بالسياسة؟ أنا أكره السياسة ولا أخجل من القول إنني أكره السياسيين، وأنا أعتقد أن السياسة في واد والشعب في واد آخر، وفي بعض الأحيان يوجد مسرحيون يعملون -للأسف- مثل السياسيين، فهم في واد والمسرح الحقيقي في واد ثان. وللأسف، فإن المشروع المسرحي لم يعد مشروعا إنسانيا، بقدر ما هو مشروع يتشكل بطريقة غريبة وعجيبة، وكأنه يعمل هذا المسرح له وللمثقفين الذين ينتمون إليه أو لا ينتمون، نحن نريد أن نعمل مسرحا يضع يده على الجرح، لا نريد مسرحا نتكلم فيه ونصنع الصور البصرية التي تبهرنا لكنها تبهر الإنسان البسيط، نريد مسك العصا من الوسط. مسك العصا من الوسط، قد يكون هروبا إلى الأمام وهو ''اللاموقف''؟ لا، ليس اللاموقف، فأنت تقول وجهة نظرك، فالمسرح ليس صاحب قرار والمسرحي يضع يده على المشكلة، فلا يمكن أن يقرر بقدر ما يصور الأشياء كما كانت، يضع الميكروسكوب على الجرثومة. معذرة، في العراق وضع استثنائي جدا، فمن غير المعقول ألا تتخذ موقفا؟ أنا معك تماما في هذا الشأن، الوضع الاستثنائي في العراق ليس وليد هذه السنين، وليس بعد 2003 فقط، فعلى مدى سنين طويلة والوضع استثنائي في العراق، أنت تريد أن تتخذ موقفا أو تطلق القرارات أو تطلق الأحكام، لكن المسرح ليس سلطة تنفيذية، بقدر ما هو سلطة تنويرية، ومن الممكن أنه كان في فترة من الفترات عندما كان اليسار سائدا، كان يمكن أن تجد في شوارع بغداد يكون بشكل أو بآخر سلطة تنفيذية، لكني أعتقد أنه بعد تراكم 35 سنة من سلسلة الحروب والجوع، أصبح الشارع العراقي في حاجة إلى ما نسميه مسحا لما جرى، كنا نعرف أن ما جرى بعد الحرب العالمية الثانية، أن هناك دروسا تنسي الإنسان ما جرى في تلك الحرب، ونحن الآن في العراق مازلنا نعيش الحرب يوميا، فكيف لك أن تصنع مسرحا بعيدا عن هذا الموت؟ بعيدا عن هذا القلق والخوف من الآخر، فكيف لي أن أصنع مسرحية بعيدا عن هذا؟ فهل من المعقول أن أشاهد هاملت وأنا أشاهد المفخخات يوميا في الشوارع؟ فأنت هنا تخون بلدك وتخون ضميرك ومهنتك، وهذه هي وجهة نظري، وأنا أرى أن المسرح ابن بيئته، وهو أيضا ابن الحياة، ولا أفصل ما بين الحياة وما بين المسرح. والشيء الآخر هو أنني أفكر في المسرح، أحاول أن أشتغل على تقنية جديدة، وهي تقنية السينما-مسرح. هل تعتبر مسرحك تجريبيا؟ أسعى لأن يكون مسرحي تجريبي، ولا أستطيع أن أطلق على نفسي هذه التسمية بقدر أن هناك من يكتب عن المسرح الذي أشتغل عليه ويقول إنه مسرح تجريبي أو مسرح جديد أو بداية لمسرح عراقي جديد، أنا أخشى هذه التسميات لأنها تحمّلني مسؤولية إضافية، لقد حاولت بعد سنة 2003 أن أشتغل على اللهجة الشعبية والشخصيات التي أشتغل عليها هي شخصيات من الشارع وأعتقد أنهم ضمير البلد وهم أكثر عرضة للموت وأكثر عرضة لكل المؤامرات. ألا تخشى وأنت تشتغل على هذا الحقل من السقوط في الشعبوية؟ لا أخشى ذلك، فعندما تأخذ نصا يتناول شخصيات شعبية وتؤطرها في إطار علمي، ف ''في انتظار غودو'' مكونة من شخصيات شعبية وأهم الأعمال التي قرأناها تتكون من شخصيات شعبية، أنا لا أقصد الشعبية بالقدر الملفوظ، فمن الممكن أن يكون النص المسرحي محليا، أنا أشتغل على منظومة بصرية بخطاب محلي، فأنت لما تذهب إلى مهرجان أو إلى ملتقى، تقدم فيه نصّك، النص غير المكتشف، النص القادم من بغداد، فلك ميزة كبيرة، فأنت تخفي سر العرض، وسر العرض أنت تعرفه والممثلون يعرفونه ولاحقا سيكون في ذاكرة الآخرين. المحلية جدا التي تشتغل عليها، ألا تخشى من أن تكون مستغلقة على المشاهد العربي عموما الذي تعود على مسرح عراقي أقرب إلى الفصحى؟ أنا منذ سنوات طويلة، مذ كنت في المعهد معجب جدا بتجارب المسرح التونسي، والمسرح المغاربي عموما، لأنهم الوحيدين الذين كانوا يشتغلون باللهجة الدارجة، فهم يشتغلون على الحكاية، وبالمقابل كان أساتذتنا يحرصون على أن نتكلم بالفصحى، والنتيجة هي ابتعادنا عن مسرح الإنسان البسيط، أنا لا أقصد أن يكون العرض المسرحي مغرق في المحلية بقدر ما يكون حاملا لهم الإنسان البسيط بإيصال صوته إلى العالم، والحمد لله أن التجارب التي مرت، والتي قدمتها في قرطاج وفي الجزائر وفي دمشق والأردن، لحد الآن يسألونني عنها، منها ''حظر التجوال'' التي قدمتها سنة 2007 لازال المسرحيون الجزائريون يتذكرونها، وهي تتكون من شخصيتين شعبيتين عراقيتين، وأعتقد أنه إذا كنت تريد العالمية لا بد من أن تنطلق من المحلية. على ذكر المسرحي المغاربي، أنت مطّلع على المسرح الجزائري الحالي، كيف تقرأه؟ أنا مطلع على الرواية الجزائرية سابقا، وعلى المسرح الجزائري منذ 1985 فما فوق، انطلاقا من سلسلة المهرجانات العراقية وكنت طالبا حينها، وبدأت السفر سنة ,2000 وأشعر الآن عندما أتيت إلى الجزائر منذ 2007 عندما شاهدت أول عرض جزائري وكنت قد شاهدت مسرحا سنة ,2000 وخلال ست سنوات شاهدت نموذجا من العرض مختلف تماما عما شاهدته قبل سنوات واليوم أشاهد عرضا يختلف 180 درجة عن العرض الذي شاهدته خلال ,2007 وشاهدت عرضا في عمان في أوائل 2010 يختلف تماما عن العرض الذي شاهدته قبل ذلك، وأعتقد أن الديناميكية الموجودة عن المخرجين وعند الكتّاب وعند العاملين بالمسرح والمهتمين بالثقافة المسرحية بالجزائر، هي بصدد البحث عن صورة جديدة للمسرح الجزائري، وكنا نعرف أن المسرح المغاربي هو مسرح الحكواتي والتراث. أما الآخر من الممكن أن يقدم لك حكاية شعبية لكن هناك صناعة بصرية عالية، هناك مهارات تمثيلية عالية وفكر إخراجي عالي، وهذا هو الذي يسعدك. هل تود أن تضيف شيئا في الأخير؟ أقول، شكرا لكم، وشكرا لإدارة المهرجان التي أتاحت لنا فرصة التواجد بهذا المهرجان، وأدعو كل القراء لمشاهدة عرضنا الذي سيكون يوم 20 من الشهر الحالي في قصر الثقافة الساعة الثالثة والنصف مساء، سوف نعرض المسرحية العراقية ''مخيم'' التي سعت إدارة المهرجان إلى جلبها إلى هذه الطبعة.