رد إيراني متواصل على العدوان الصهيوني بتدمير أهداف محددة مسبقا    وزير الثقافة : تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة الحسانية" تجسيد حي لعمق الروابط بين الجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية    تخصيص مبلغ ب 7 مليار دج لتهيئة و توسيع الشواطئ عبر الوطن    كرة اليد/مونديال أقل من 21 سنة: فوز المنتخب الجزائري أمام نظيره الكندي (33-20)    اليوم العالمي للاجئين: منظمة التعاون الإسلامي تدعو إلى تعزيز آليات تقاسم الأعباء واحترام حقوق اللاجئين    غزة: ارتفاع عدد الشهداء في غزة اليوم إلى 48 شهيدا    بداري يشرف على اجتماع تنسيقي مع مديري المؤسسات الجامعية والمدارس الوطنية للأساتذة    ألعاب القوى/الدوري الماسي-2025 : محمد ياسر تريكي يحقق المركز الخامس في الوثب الثلاثي    نقل : الخطوط الجوية الجزائرية للشحن تتوقع ارتفاعا محسوسا في نشاطها خلال 2025    عطاف يشارك بإسطنبول في الجلسة الافتتاحية للدورة ال51 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي    الرابطة الأولى موبيليس: وفاق سطيف ينهي الموسم بانتصار واتحاد الجزائر يغرق في وهران    بوالزرد: الإصلاحات بلغت مراحل متقدمة    هذا عدد المشتركين في شبكة الألياف البصرية    الجزائر الأولى مغاربياً    الدحيل يعلن تعاقده مع بولبينة    ميسي يتوهّج    ناصري يشيد بسياسات تبّون    لنِحْمِ غاباتنا    المخيّمات الصيفية ستكون استثنائية    نقل ملكية الطاسيلي إلى آر آلجيري    التعبئة العامّة.. خطوة لا بد منها    بلحاج يطلب الإعفاء من رئاسة المحكمة الدستورية    مصداقية منظومة عدم الانتشار النّووي على المحك    بكالوريا 2025 كانت في المستوى    بتكليف من رئيس الجمهورية، عطاف يشارك في الدورة ال51 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي بإسطنبول    جعل الجامعة قاطرة للاقتصاد الوطني    إنتاج فلاحي استثنائي هذا الموسم    "حماس" تطالب المجتمع الدولي ومؤسساته بتحمّل المسؤولية    المغرب لا يريد التعاون من أجل التوصل إلى حل    10 هكتارات من المساحات العازلة المضادة للحرائق    كل الظروف مهيأة لافتتاح موسم الاصطياف بالعاصمة    نشر نتائج الإحصاء العام الفلاحي الثالث قريبا    المغرب: انتهاكات حقوق الاطفال بتواطؤ الصمت الرسمي وغياب الحزم    الجزائر العاصمة: انطلاق الطبعة ال6 لحملة التنظيف الكبرى    مواءمة التكوين العالي المتخصص مع حاجيات سوق الشغل    تحقيق الإقلاع الفعلي للوحدات الصناعية المسترجعة أولوية    تحضيرات مسبقة لموسم حج 2026    انطلاق الحملة الوطنية لتدعيم تلقيح الأطفال    تكريم الممثلة الجزائرية رانيا سروتي    الرئيس تبون يولي عناية خاصة لمسألة الذّاكرة الوطنية    الأمن الهوياتي في مواجهة التحولات العالمية    "الفاف" تعلن الحرب على المنشطات والمخدرات في البطولة الوطنية    بنفيكا البرتغالي يريد حاج موسى لتعويض دي ماريا    نادي بارادو يودع عادل بولبينة برسالة مؤثرة    حملة وطنية لتدعيم عملية تلقيح الأطفال الأقل من 6 سنوات ابتداء من الأحد المقبل    مجلس الأمة: المصادقة بالإجماع على نص قانون تسوية الميزانية ل2022    قسنطينة: فريق من الباحثين يعاين ضريح ماسينيسا لاقتراح تصنيفه ضمن قائمة التراث العالمي    المتحف الوطني للمجاهد : ندوة تاريخية بمناسبة الذكرى ال69 لاستشهاد البطل أحمد زبانة    قرار أممي يطالب المغرب بوقف انتهاكاته الجسيمة    الجزائر عاصمة للثقافة الحسانية    الحرب تشتد بين إيران وبني صهيون    نحو وضع خريطة صحية جديدة لإعادة تنظيم شبكات العلاج    "تارزيفت"... تعبير عن حفاوة الاستقبال    فتاوى : الهبة لبعض الأولاد دون البعض    فعل الخيرات .. زكريا عليه السلام نموذجا    التلاحم بين الشعب الفلسطيني و المقاومة الباسلة لا تكسره المؤامرات    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي بالجزائر    هذه أسباب زيادة الخير والبركة في البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكواتي القصبة

يحتاج المكان العاصمي إلى تأثيثات فوزي سعد الله وإلى كتابته المرحة والنزقة المخلوطة بصرامة التاريخ ورهبة الجغرافيا المعجونة بكل شيء من ذلك الشيء، الحنين والفرح والصمود التأريخ والأرشفة، التذكار والذكريات والاستعدادات والأناقة والترتيب والمنهجية والستيل، والطريقة والتعقل والتعقلية مع حضرة السيد المبجل المكنى ال ت ا ري خ، كتاب فوزي ''قصبة الجزائر·· الذاكرة، الحاضر والخواطر''، صدر وليس مهما مذ متى ومع من، فذلك نصيب من الإهمال يمس دائما العربية الجمالية والمعربين الجماليين غير الأخلاقويين، حيث انتمى فوزي إلى ذلك الفضاء المرهق، المضجر، والمتقاعس الغيّور والحقود، حيث ضراوة الأسلاف تزداد كل يوم والشعوذات كل يوم والعضات المشؤومة كل يوم، والورق الأصفر كل يوم كخضراء الدّهن، لهذه التعاسة لم ينتم فوزي ولا انخرط ولا ورّط حبره وبحره في الماء الآسن، فوزي تشبع بثقافة الأندلس والأندلسيين، حاور الرّواد وبحث في أغوار المجهول من الموسيقى والذوق والعادة المجتمعية ولم يتحرّق بأعصاب ولم ينتفخ بأورام ولم يكترث لمتطفلين سرقوا التاريخ، شعابه ورياضه، رائحته وما يتضوع منه، حواضره وعواصمه، تركوا قواصم الظهر وفواجع الدهر، اٍن فوزي كأحمد توفيق المدني وكالشريف الزهار، كأبي القاسم سعد الله، وكالمهدي بوعبد لي، عائد كي ينفض الغبار، كي ينفض السّيخ والعتاقة وكي يجبر ما يمكن ترميمه وتجبيره، مع أنّه من جيل الوسط الذهبي لكن الاهتمام بالتاريخ ظل نادرا بالنسبة لهذا الجيل الذي ذهب كالإعلام والاتصال، أدب وترجمة، فنون دراسية وآثار، فالجيل المعّرب الذكي من هذه العيّنة مرميّ في غيابة الجب ولا أحد يلتقطه، يسمعه، ينصته، ينصت له، والحاصل أن التسعينية الهادرة أماتت، هجّرت، نفت، باعت وابتاعت، اشترت بثمن بخس وبدراهم معدودة عاودت الغش والتدليس··
ولست هنا في سياق تعداد حسنات ومناقب ولا تقفي خطوات الشقاء في مسار قياسي يتعلق بجيل فوزي سعد الله واجتهاداته لقد اشتغل في المنسي، المسكوت عنه، المطموس، الغابر كما لم يشتغل واحد من جيله -المتكون باللغتين العربية والفرنسية- نصا مكتوبا وشفوية محكمة عن اليهود الجزائريين بشقين معنونين ''هؤلاء المجهولون'' أولا، ثمّ ''موعد الرحيل''، ولم يكن ذلك الجهد إلا مقدمة الموهبة المبكرة الأسلوب المتفاني ولغة السهل الممتنع الرشيق، الساخر، السمح الأخلاقي، كتابة الصفة والموصوف، كتابة الحقيقة النسبية والوقائعيّة المنسربة من بين الأطلال والبواكي والحسرات، كتابه الحفر في المسمى والملفوظ والدارج، وبالكاد ليست هي كتابة التعامل والمجاملة والشبهة والتجني والتشفي، مرّ الكتاب بذاته بسيرة الأبطال كما الأبطال، كتاب ''يهود الجزائر'' كان مطلوبا على شهرة وذيوع وعلى استحقاق ومكرمة -لم تكن- وعلى حشمة توزيع ونوايا محفوفة بمخاطر بلوغ الجحيم، مضت سيرة يهود الجزائر بلا مدارسة وتفكير وتقليب أوجه نظر وتبادل نحت أفكار فوزي ورؤاه التاريخية للعاصفة ولم تتمالك أن تواجه الأقدار وغبش العين والتراخوما السياسية والاجتماعية وحتى الأكاديمية، لم يكن الكتاب في الشعر العمودي، ولا في الثوابت الوطنية ولا في الأدعية المستجابة ولا في أخبار الجهمية والمعطلة بل في فن التذكار حكاية قوم مروا، التبس وجودهم علينا، لبّسوا تاريخهم حاضرنا، وكذبوا فلم نقدر على دحر كذبهم ودحر ملفوطاتهم ودحر عاداتهم إلا بصناعة الكذب على التاريخ بالضلالة والتزوير والإبعاد والأنانية القومية، بزغ فوزي بكتابته العذبة في ذلك الظرف العصيب ظرف الانسحاب والانكفاء والتفرغ للزواج وللأولاد والهجرة والخروج من زمن الفعل إلى زمن التراب وآباء التراب، زمن لغات الخشب وأصوات الخشب وبرامج الخشب لكنها الحياة بوصفها الامتحان والمسابقة والانصهار والمصاهرة هي من أدخلته إلى التجربة الصعبة الكبرى بالبقاء حيا يرزق على التأليف والنحت والإبكار، ففي الجعبة أشياء كثيرة وأخبار تروى وحكي لطيف، صغير، مجزّأ أحيانا لكنه عميق جدا به الهاوية والشغف بالسكنى، به المعرفة الموثقة والإحالات، به الجرح المنكأ وغباءات النسيان ''قصبة الجزائر·· الذاكرة·· الحاضر والخواطر''، صدر على تعثر وتلكؤ رويدا، رويدا كما كان يستعذب النطق بذلك مدرسو اللغة العربية القدامى من بعد تنقيب وهيمان من أجله في الشوارع والزواريب، الكتاب الجميل المصطحب بالصور مع بعض حسنات الاختيار يحفظ له جماله في هذه النصوصية الرحيبة الجوالة البارتية -نسبة إلى رولان بارت- جعل به سعد الله قصبته حرة مملوكة لحريتها تنتقل في الرحاب والرياض والدروجات والدايرات··
لا يكتب فوزي التاريخ بمدرسية ادعائية ومرجعية أكاديمية متفاخرة إنه يكتبه متحررا عابرا مضيئا، ملتفتا ذكيا، كاتب وقاره معه وطمأنينته معه وقصبته معه يدافع عنها، يذود عن حصنها ويبعث بحكاياتها وعن شعريتها الخفية، هي الحصن والمقام والرحبة والدّردْبة هي الساعات الهنية في البساتين والقصور هي هضبة الأبيار والثغور والثغورات والجنان من مصطفى باشا حتى قصص الحامة حتى جنان بن عمر، ليس لهذا حدود ولا إقليم هذي البهجة التي تعادل الدنيا كلها، الجزائر كلها، قلعة بولوغين ابن زيري ابن مناد، مهد الأساطير والزرنة والطبول التركية، باب عزون وباب ادزيرة وباب الواد، قاع السور وسوسطارة والتاغارة والزغارة، صرخات بابا سالم وشجن الربابات والكمنجات والعيدان والقويطرات، خلطات السّحر والنغم الجزائري، الغرناطي القرطبي، البلنسي، مذاقات هي البهجة، قصبة مذاقات يكتبها لنا فوزي بدعابة العاصميين المرحين، الغريبين الذين يعرف ولا يعرف لهم أصل وفصل إلا في إرثهم الفينيقي، اليوناني، الروماني، البيزنطي، الوندالي، العربي الإسلامي·
يخضع نص القصبة هذا إلى فهرسة وتبويب بشقين وهو ليس تأريخا يحترم الطريقة والكيفية وليس إعلاميا يتضمن الأبجدية الأولى لمبتدئي الإعلام الثقافي وفيه ما فيه من الصور والفوتوغرافيا عن سكان القصبة، ونساء دولاكروا، الحايك والعجار، وحضورات العثمانيين وأبهتهم الدايات والبايات والجوامع، المخابز والكيلاوة وشاربي الطّاسه، أقاصيص البحّارة ومواويل الغناء ولاعبي البوكر والجاندو والرّوندة، فضلا عن بواكير وتجليات قصبية كثيرة، كرة القدم وطابلات الشراء، ألعاب الأطفال السارة من ''أوليمان'' و''ألاطاك'' و''التشيلا'' وليس ذلك إلا أقل الفيض، فللقصبة فيوضات مدرارة وسرد شامخ لا بتداعي ومريدين لا ينقطع أملهم عن المبتغى الحضاري في عناق هذه الشامخة المستبسلة التي عاندت الغراة والعدوانيين والإرهابيين· نص فوزي عن القصبة هو نص المحبة والحنين، رسالة في الاشتياق والرغبة، حكواتي القصبة يظل هكذا مفجوعا، ينحب، يبكي في تقية وسر، باطني يؤجل الدمع إلى موعد لاحق لكنه يتحدى، يتصلب، وقور لا يتأفف شيمه الفنية من شيم سيد علي كويرات ورويشد وأرسلان وسيد أحمد أقومي ومصطفى كاتب وعلال المحب، حكواتي القصبة رابط مع الرابطين في تسعينية الشؤم والغياب عائد اليوم إلى المجالس الجميلة والساعات الهنية تلك التي قضاها معنا في شارع موريس أودان·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.