بيان مجلس الوزراء    في اليوم الوطني لذكرى 79 لمجازر 8 ماي 1945،الرئيس تبون: ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أوالتناسي ولا يقبل التنازل والمساومة    دورة جزائرية تركية    اتفاقية بين ألنفط و إيكينور    الشرارة التي فجّرت ثورة نوفمبر    جامعة العفرون تحيي ذكرى مظاهرات الثامن ماي    الصهيونية العالمية تسعى إلى تقسيم الدول العربية    رئيس الجمهورية يأمر بإعداد مخطط حول البيئة والعمران يعيد النظر في نظام فرز وتوزيع النفايات    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    إحياء ذكرى تأميم المناجم وتأسيس «سونارام»..غدا    أكثر من 36 ألف نزيل يجتازون امتحان إثبات المستوى    جاهزية عالية وتتويج بالنّجاح    تكريم الفائزين في مسابقة رمضان    الجزائر تضطلع بدور ريادي في مجال الأسمدة وتطوير الغاز    دخول 3 رياضيّين جزائريّين المنافسة اليوم    دريس مسعود وأمينة بلقاضي في دائرة التّأهّل المباشر للأولمبياد    دعوات دولية لإتمام اتفاق وقف القتال    تحذيرات من كارثة إنسانية بعد توقف دخول المساعدات    خنشلة: الحبس المؤقت ل 5 متهمين تسببوا في حريق غابي ببوحمامة    دعمنا للقضية الفلسطينية لا يعني تخلينا عن الشعب الصحراوي    زعماء المقاومة الشّعبية..قوّة السّيف وحكمة القلم    هذه مسؤولية الأندية في التصدى لظاهرة العنف    وزير التربية:التكوين عن بعد هي المدرسة الثانية    ميلة: الأمن يشارك ضمن فعاليات القوافل التحسيسيةللوقاية من حرائق الغابات    باتنة : الدرك الوطني بمنعة يوقف جمعية أشرار مختصة في السرقة    تبسة : ملتقى وطني حول تطبيق الحوكمة في المؤسسات الصحية    فيلم سن الغزال الفلسطيني في مهرجان كان السينمائي    دعوة إلى تسجيل مشروع ترميم متحف الفسيفساء بتيمقاد    تزامنا وشهر التراث.. أبواب مفتوحة على مخبر صيانة وترميم التراث الثقافي بمتحف الباردو    نظمه المعهد العسكري للوثائق والتقويم والإستقبالية لوزارة الدفاع الوطني.. "الجزائر شريك استراتيجي في التعاون الإفريقي.. " محور ملتقى    العدوان على غزة: اجتياح رفح انتهاك للقانون الدولي وينذر بكارثة إنسانية وشيكة    حج 2024:بلمهدي يدعو أعضاء بعثة الحج إلى التنسيق لإنجاح الموسم    حملة الحصاد والدرس/ورقلة: توقع إنتاج أكثر من 277 ألف قنطار من الحبوب        القادسية السعودي يدخل سباق التعاقد مع المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو    هول كرب الميزان    أعضاء مجلس الأمن الدولي يجددون التزامهم بدعم عملية سياسية شاملة في ليبيا    بن طالب يبرز جهود الدولة في مجال تخفيض مستويات البطالة لدى فئة الشباب    الرابطة الأولى: تعادل اتحاد الجزائر مع شبيبة القبائل (2-2)    تنصيب مدير عام جديد أشغال العمومية    قوجيل يستقبل رئيس الجمعية الوطنية للكونغو    دعوة إلى تعزيز التعاون في عدّة مجالات    وزير الاتّصال يكرّم إعلاميين بارزين    الجزائر تصنع 70 بالمائة من احتياجاتها الصيدلانية    ضبط كل الإجراءات لضمان التكفل الأمثل بالحجاج    دعم السيادة الرقمية للجزائر وتحقيق استقلالها التكنولوجي    تهيئة مباني جامعة وهران المصنفة ضمن التراث المحمي    "نمط إستهلاكي يستهوي الجزائريين    بلبشير يبدي استعداده لتمديد بقائه على رأس الفريق    بيتكوفيتش يأمل في عودة عطال قبل تربص جوان    تحسين الأداء والقضاء على الاكتظاظ الموسم المقبل    الإطاحة بمروج المهلوسات    تفكيك خمس عصابات مكونة من 34 فردا    مدرب سانت جيلواز يثني على عمورة ويدافع عنه    بلمهدي يحثّ على الالتزام بالمرجعية الدينية    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطفل الجزائري بين تعليم بابا وتربية ماما
نشر في الجزائر نيوز يوم 29 - 06 - 2013

منذ سقوط جدار برلين (09 / 11 / 1989) وانهيار برجي مانهاتن (11 / 09 / 2001) شهد العالم العديد من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، طالت فعالياتها العديد من المؤسسات الثقافية والتعليمية، دفعت بالدولة القوية والمتوسطة القوة، غير المغلوبة على أوضاعها، أن تتفاعل مع المتغيرات الكونية الطارئة، المتعددة الأنماط والتوجهات محاولة الخروج في أقصر وقت وبأقل ثمن، وللتخلص تدريجيا من الأزمة الاجتماعية الخطيرة، التي تلاحق "طفل المستقبل رأس مال الدولة وملك الوطن"، يجب على كل المجتمعات وأنظمتها التكفل به وتمكينه من الحصول على حقه عن طريق الرسالة الثقافية والتربوية والتعليمية، الملخصة فيما أصبح يعرف ب "المنظومة التربوية" المتعلقة غالبا بإصلاح المناهج وتغيير البرامج بالحذف والإضافة والتمديد والتقليص في المقياس المعرفي اليومي أو الساعاتي، مما زاد في تهديم البنية الفكرية وتحطيم الذاكرة الاستيعابية التقليدية التي سادت في العديد من الأقطار وبين الشعوب المستقوية والمستضعفة، في إطارها الإقليمي أو الجهوي، أو في إطار هيمنة الأقوياء وسيطرتهم المتواصلة بالتبعية أو الاستعمار المباشر، أفقد بعضهم هويتهم بالاندماج أو الذوبان في المنظومة التربوية والتعليمية والثقافية للآخر، بل تعدي ذلك إلى الأنماط السياسية والاقتصادية، مما أحدث فجوات وشرخات مذهبية وإيديولوجية كانت لها انعكاسات سلبية على الفكر المحلي الشامل، الدائم البحث عن منفذ النجاة، خاصة في التطور التكنولوجي لوسائل الاعلام والاتصال الاجتماعي، الذي تحول العالم من خلاله إلى قرية صغيرة، انقسم سكان أحيائها إلى مؤيد ورافض ومتفرج ومحايد.
فالمؤيدون من الدول المستقوية التي تؤمن بالتغيير والتجديد والتطور الفكري، والإصلاح الشامل المتعلق بالمنظومة والمنهج، فإنها تخصص كل عام نسبة عالية من المال للإنفاق على التعليم خارج الإطار الخاص بالإصلاح المبرمج أو المخطط له، منذ تنصيب الهيئات الاستشرافية الدائمة والمكلفة بالدراسات والتحاليل والتقييم، وبتوفير الوسائل وتحديد الأهداف، على مختلف الأصعدة للخطة الخمسية أو العشرية المتوسطة والطويلة المدى.
لقد كان لسقوط جدار برلين (1989) وما أحدثه من تغيير في القارة الأوروبية، كما كان الهجوم الإرهابي على برجي منهاتن (2001) تحولا فكريا وسياسيا واقتصاديا في العالم، جعل الدول الكبرى وكل من اهتدى واقتدى بتلك الإجراءات المتخذة من أجل إعادة النظر في هيكلة المنظومة التربوية العالمية، خاصة تلك التي نتج عنها الفكر المتطرف، بحيث خصصت الولايات المتحدة الأمريكية ميزانية خاصة لإصلاح التعليم ومناهجه وأجره قدرت (6,7 مليار دولار) إضافة إلى (447 مليار دولار) لتوظيف مدرسين جدد، تتوافق معارفهم وخطة الإصلاح التي تقدم بها المجلس القومي الأمريكي للدراسات الاجتماعية، والمجلس القومي للمعايير التربوية، وغيره من البحوث الخاصة والدراسات والتحاليل والاقتراحات التي تساهم بها الاتحادات والجمعيات واللجان الخاصة بالتربية والتعليم والتكوين، والعمل المتميز الذي قدمته لجنة العشرة العلمية التربوية، التي تركزت دراساتها على مختلف أطوار وسنوات التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي (اللغة الإنجليزية - الرياضيات - التاريخ - الجغرافيا - العلوم) باعتبار الجيل متشبع ومتمسك بروح المواطنة، إذ المطلوب منه أن يكون دائما في الصدارة وفي المراتب الأولى لطلاب العلم، خاصة في مادتي (العلوم والرياضيات) ولا بأس من إتقان اللغات الأجنبية الأخرى.
أما في بريطانيا العظمى، فإن عملية إصلاح التعليم لم تكن ببعيدة عن منظومة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها تركز فيها على الأطوار الثلاثة بالتمكين والاتقان ل (اللغة الانجليزية - العلوم - الفيزياء - علم الفلك - الأدب الإنجليزي وسير العلماء).
أما فرنسا التي تعد من الدول المؤثرة في بعض الدول التابعة لمنطقة الفرانكفونية فإن منظومتها الإصلاحية في مجال التربية والتعليم، ما زالت مرتبطة ومتمسكة بتلك المنظومة التي وضع قواعدها (نابليون عام 1800) والتي تقوم على أساسيات ثلاثة (اعتبار التعليم موجه للشعب - مناصرة أهل العلم وجعلهم جزء من الحكومة - سلوك المنهج الديني اللائكي) وذلك باعتبار أن فرنسا تسودها القلاقل والانهيارات الدينية والأخلاقية والاجتماعية، من عصر إلى عصر، محدثة انشقاقات في المجتمع الفرنسي المتعدد الأجناس والطوائف والأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن تطرف وإلحاد، وبذلك فإن إصلاح التعليم ما زال متمسكا بفلسفة نابليون في التركيز على (اللغة الفرنسية - مطالعة الأدب الفرنسي - التمسك بتطور علوم الإدارة والقضاء والعلوم المتعلقة بإصلاح حياة الأفراد انطلاقا من تكوين وتربية الطفل)، ذلك ما يقوم به بعض العجم.
أما عما يقوم به بعض العرب، فتعتبر المملكة العربية السعودية الرائدة عربيا والرابعة عالميا، بحيث خصصت ما يفوق (3٫5 مليار دولار) لعملية إصلاح المنظومة التربوية التي أفسدها الدهر، وما صاحب ذلك من تحولات فكرية وثقافية، علمية ودينية وسياسية واقتصادية وافدة، لا يمكن مواجهتها إلا بالتركيز على التحصيل الجيد للقيم الثقافية الأصيلة والمرجعية العتيدة مع مراعاة المتغيرات العصرية الطارئة، التي تهدف غالبا إلى تفكيك العلاقات الأسرية المتماسكة من خلال تلك الأنماط والسلوكات الوافدة، عن طريق التبادلات والعلاقات الفكرية، أو من خلال وسائل الإعلام والدعاية والاتصال والتواصل الاجتماعي داخل (العالم القرية) والاحتكاك بتلك العادات والتقاليد وأنماط حياة الأمم والشعوب الأخرى، والتي لابد من مراعاة مؤثراته على المنظومة الإصلاحية والتعليمية المعاصرة التي تستدعي إشراك الجميع، كل حسب مقدراته وكفاءته وموقعه في تطبيقها وانجازها وجعلها تأخذ المكانة القارية أو الإقليمية المناسبة، في مسار التربية والتعليم في زمن العولمة.
الجزائر ليست بمنأى عن مختلف التطورات المتعلقة بمسألة التعليم، خاصة وأنها تعد من الدول المهددة باستمرار في هويتها وأصالتها، بحيث كادت أن تفقدها من منظومة التعليم الاستعماري الاستيطاني (غير التعليم الفرنسي) الرامي إلى محو الهوية الوطنية الأصيلة (1830 - 1962) مما جعل المنظومة التعليمية الوطنية تتأثر بالعديد من الأفكار والآراء والنقاشات منذ السنوات الأولى من استرجاع السيادة الوطنية، حيث كان آخر نظام تعليمي استعماري (غير التعليم الفرنسي) ما تضمنه مخطط مشروع قسنطينة (1958 - 1963) الرامي إلى دمج (مليون ونصف طفل جزائري) ضمن قائمة الدخول المدرسي المقبل (1959) لكل من بلغ سن التمدرس (يستثني من ذلك سكان الأرياف)، تلك المنظومة التعليمية الاستعمارية التي احتدم حولها الصراع بين التقليديين والمتعربين والمتغربين والمهجنين ومن دخل بينهم من الحاقدين، تحت رداء الحرية والاستقلال، والبحث عن إعادة بناء الهوية الوطنية والدولة الجزائرية الحديثة، التي كانت في تلك الفترة بحاجة ماسة إلى الوحدة والتوحد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإقليمي المغاربي والعربي والإفريقي، ناهيك عن القلاقل السياسية التي رافقت السنوات الأولى من الاستقلال (1962 - 1965) فرضت على القيادة السياسية البحث عن منظومة إنقاذية تمثلت في تنصيب (اللجنة العليا لإصلاح التعليم 1963 - 1964) ولوضع حد لذلك الفراغ والخلاف الإيديولوجي، الذي سيقبل عليه الطفل الجزائري، فاستقر الرأي على منظومة تربوية وتعليمية مزدوجة (المعربون - المفرنسون) تمثلت في أعمال اللجنة، بإحداث برامج ومناهج باللغة العربية وأخرى باللغة الفرنسية، تشرف على تطبيق مراحلها مجموعة من الإطارات الوافدة من الدول العربية الشقيقة والأوروبية الصديقة، في إطار التعاون الفني بين الجزائر والدول المتعاونة، ساعدت المدرسة الجزائرية الفتية الحديثة، أن تعرف نوعا من الاستقرار لمنظومة الإصلاح التربوي والتعليمي للدولة الجزائرية المستقلة، حيث تم التركيز على إنشاء الهياكل المدرسية والتكوين السريع ومحاربة التهميش والاقصاء والفوارق المعرفية والثقافية لجيل الاستقلال، وقدرته على مسايرة التعليم للجميع (مجانية التعليم لكل طفل بلغ ست سنوات) في جميع الأطوار الثلاثة (الابتدائي - الإعدادي - الثانوي) مع إبقاء مجال التعليم الخاص في بعض المدن الجزائرية. وتعدد التعليم العمومي (تعليم عصري - تعليم أصلي - تعليم تقني) رافقت سياسة التخطيط المعروفة، بداية من المخطط الرباعي الأول (1969– 1973) والمخطط الرباعي الثاني (1974- 1977) اللذين اعتمدت فيهما سياسة التعليم الكمي حينا والنوعي حين آخر (زيادة المقاعد المدرسية للطفولة الجزائرية)، إلا أن تلك المنظومة لم تسلم من الميولات السياسية والمذهبية في الاهتمام بالمناهج الاجتماعية حينا والعلمية حينا آخر، والارتباط بالمنظومات التي يفرضها الواقع أو بإيعاز من الخارج والتي يغلب عليها الطابع البيروقراطي الفوقي، أو القاعدي الإيديولوجي أو السياسي الإقليمي الفرانكفوني، أو الأنجلوساكسوني أفضى إلى بروز رغبات سياسية جديدة وافدة، كان لها الأثر البارز في إلغاء مؤسسات وهياكل تكوينية، للتخلي عن مناهج اجتماعية وعلمية، أثبتت نجاعتها العلمية المحلية والإقليمية استدعت اعادة النظر في المنظومة (1962 - 1970) تضمنها القرار السياسي في الأمر رقم 76 - 35 المؤرخ في 16 أفريل 1972 المتعلق بالتعليم الأساسي والمتضمن التكوين والتأطير والتأهيل، الهادف إلى التخلص من التبعية المعرفية للتعليم المتعدد الأنماط (المنظومات التعليمية التجريبية)، إلا أن ذلك التوجه الفكري الذي جمع بين الفكر الفلسفي والفكر العلمي والفكر الديني والفكر التقني المهني (محاولة أولى لجراءة الفكر التربوي) كان فرصة مواتية استغلتها مختلف التيارات السياسية وما حوته من المعادين وجماعة التموقع الوظيفي في تفتيت وتحطيم المنظومة، وكسر طموحات الدولة الجزائرية الفتية وتحويل قطاع التربية الوطنية والتعليم إلى مؤسسة إدارية وجماعة سياسية ضاغطة قائمة على هياكل ووظائف ساعدت على انتشار ظاهرة الفساد والبيروقراطية بتولي الفاشلين، المناصب العليا والغاوون من الشعراء والقصاصين والقوالين، لتولي إدارة تسيير المؤسسات التعليمية بمختلف أطوارها الثلاثة (الابتدائي - الإعدادي الثانوي) وإقصاء حاملي المؤهلات العلمية (اقتصاد - تسيير - رياضيات - علوم - فيزياء...) ألزمت القيادة السياسية إلى طرح منظومة إصلاحية (1980 - 2000) اعتمد في عرض أسبابها على إدراج مفاهيم ومصطلحات، زعموا أنها المنظومة المنقذة للقطاع والمخلصة للتعليم من المخلفات المعرفية والثقافية السائدة والاعتقاد بأنها المنظومة المسايرة للألفية الثالثة، بالانتقال من نمط التعليم القائم على الأهداف، إلى نمط التعليم القائم على المقاربة بالكفاءات والمساعدة على الانسياب في نمط تعليم الألفية الثالثة، والمتمثل في نمط التعليم القائم على نمط الدراسة بالمسؤوليات.
عرف قطاع التربية والتعليم خلال خمسين سنة (1962 - 2012) منذ استرجاع السيادة الوطنية أربع اصلاحات (1962 - 1970 - 1980 - 2000) أشرف على تنفيذ أجزاء من أهدافها وغاياتها (13,5 وزيرا) يزعم كل واحد منهم أنه يحمل أفكارا وتوجهات سياسية (عروبية - فرانكفونية - علمانية - اشتراكية ليبرالية) جعلت المنظومة التربوية حديث كل مهتم بشؤون جيل المستقبل وما لحق به من تدني في المستوى المعرفي، بين التلاميذ والطلاب وما ساد القطاع من الخطابات الشعبوية المتأرجحة بين التنظير والتطبيق وعلاقة التعليم بالمسألة اللغوية والإيديولوجية الهادفة دون التطرق إلى رسم استراتيجية مستقبلية وما سوف تشكله من أنماط سياسية، غير متحزبة والتي ما زالت مظاهرها مسيطرة على قطاع التربية والتعليم، بالتمادي في تنصيب اللجان المحلية والجهوية والقطاعية وعقد الندوات بإشراف أباطرة البيروقراطية والفساد والتموقع الوظيفي، والالتزام الدائم بإقصاء العارفين والباحثين والعلماء، بدعوى اشراك الجميع في البحث عن المنافذ المساعدة على تطبيق محاور المنظومة الإصلاحية الرابعة (2003 - 2014) والتي ما زالت في حاجة إلى فهم وتطبيق فعلي ومباشر، دون اللجوء إلى عملية التحسيس والاستشارة، تلك المنظومة التي تهدف بالدرجة الأولى إلى اصلاح الفكر المعرفي والثقافي وحماية الطفل الجزائري وتحصينه بثقافة المواطنة، ومعالجة العديد من الأفكار الوافدة التي زادتها العشرية السوداء طمسا وتفريقا بين الطفولة الجزائرية، بحيث عادت الفوارق المعرفية بين تلاميذ المدرسة الواحدة وفي المدن والقرى والأرياف بتفشي ظاهرة الأمية الحضارية (مؤهلات عليا لأمية كاملة) ناهيك عن انتشار ظاهرة ابتزاز ميزانية العائلات المحرومة والمحدودة الدخل، باستغلال الأطفال والتلاميذ من خلال ما أصبح يعرف بالدروس الخاصة أو الاستدراكية أو التدعيمية، وغيرها من الظواهر الإجرامية المرتكبة في حق التعليم بقتل العبقرية والموهبة وروح المبادرة للتلميذ الجزائري، والذي أصبحت مناهجه وبرامجه تسير عن طريق القرارات والمناشير والتعليمات التي أفقدت روح البحث والاجتهاد المستمر، وانحصرت في تغيير البرامج والمقررات والمواقيت والمواعيد بحذف مادة و زيادة ساعة وإلغاء مقياس لمدة عام أوعامين ثم الرجوع إليه، دون التطرق إلى تحليل المضمون المعرفي الخاص بصناعة الأجيال وما ترتب عن تلك المنظومة من نتائج وما تحقق من أهداف وما توصلت إليه المناهج والبرامج من غايات، في إطار المنظومة الوطنية وأثرها وتأثيرها، بالإصلاحات الاقليمية والمتوسطية، التي طبقت عليها التوجهات السياسية والميولات الإيديولوجية والأنماط المذهبية الرامية إلى استقطاب الأعداد المتميزة من التلاميذ والطلبة الذين تخرجوا وتحصلوا على معارف علمية أو فلسفية أو اجتماعية بشتى الطرق المختلفة من المدرسة الجزائرية وإقبالهم على عالم البطالة وفضاء الهجرة (الحرڤة) ونحو ما أجبرته عليه الإيديولوجيات الوافدة التي رافقت المنظومات التعليمية الثلاث السابقة (1962 - 2000) والتي لم تتعرض لدراسات تحليلية أو إصدارات معرفية أو مؤلفات أو كتب إرشادية تنير الرأي العام حول كيفيات مراحل التنفيذ وميكانيزمات التطبيق المجدي، أو إبراز الصعوبات والمعوقات التي اعترضت سياسة التنفيذ، ومدى التأثير المستمر حول تقاذف المنظومة الإصلاحية بين مؤثرات الواقع الداخلي والفكر الخارجي، كما أنها لم تخضع إطلاقا لدراسة الوضع أو لسياسة التشخيص أو لأساليب التطبيق، رغم التزايد المستمر لعناصرها (الهياكل - البرامج - المناهج - الموارد المالية والبشرية) تلك الاختلالات السائدة التي ستكون منفذا لرسالة العولمة ودورها في توجيه بل في صناعة الفكر الثقافي والاجتماعي والعلمي والاقتصادي والسياسي المستقبلي، بداية من التحكم في مستحدثات التكنولوجيا وتوظيف وسائل الاعلام والاتصال الاجتماعي والمعلوماتية وغيرها من الوسائط الأخرى التي صهرت العالم في قرية غابت فيها الحدود الجغرافية المكانية والزمانية، بحيث أصبح سكان العالم خاصة الشعوب المغلوبة على أمرها، تحت قوة منظومة توحيد التعليم والثقافة والسياسة والاقتصاد، تحمل في طياتها قيما وأنماطا لا تتلاءم والعادات والتقاليد والسلوكات التقليدية السائدة، والتي لا يمكن الانفلات منها، إلا بترسيخ ثقافة المواطنة ومقومات الهوية واتباع الطرق الحديثة للتدريس القائم على الإبداع والابتكار وتكوين الشخصية العلمية المستقلة، المتميزة بالدرجة المعرفية الواسعة، قاعدتها الفكر العلمي والفلسفي والتقني الحديث، الذي يساعد على التحكم في علوم البيئة والهندسة الوراثية والحاسوب الإلكتروني والانترنيت والتعليم عن بعد وتدريب التلميذ والطالب على حل المشكلات باستخدام العقل وتحريك الحواس وربط العمل الفكري بالمستجدات العلمية المعاصرة والتي لا تتم إلا بتوظيف الكفاءات البشرية الأكثر إبداعا (باعتبار التعليم علما وفنا) وقدرة على العطاء وتقديم الأفضل في مجالات التربية والتعليم وكل ما يتمتعون به من مهنية واحترافية وفق ميثاق الشرف التربوي والتعليمي.
تعتبر منظومة اصلاح التعليم الجديدة (2003-2014) أول منظومة جزائرية حديثة، باعتبارها نتاج الفكر والمعرفة التي توصلت إليها المدرسة الجزائرية، بحيث أن أغلبية الاطارات التي أشرفت وساهمت في إثراء هذه المنظومة، تلقت تعليمها بمختلف مراحله ومعارفه بالمعاهد والمدارس العليا للجامعة الجزائرية، كما أنها كلها واكبت المسار السياسي وتحولات نظام التربية الوطنية والتعليم وما رافقها من ميولات سياسية وإيديولوجية ومذهبية وافدة، كان لهم جانب من المسؤولية فيها وما ترتب عليها من تدني المستوى المعرفي والأخلاقي وما صاحبها من العنف المادي أو المعنوي أو اللفظي والتطرف وغيرها من الظواهر التي لم يعرفها الجيل الراشد والمسؤول في مختلف مؤسسات وهياكل الدولة، ما دفع السلطة السياسية العليا أن تقرر، وفي أسرع وقت، تدارك الوضع في تنصيب لجنة تعنى بمنظومة إصلاح التعليم، بداية من إصلاح العقول (09/05/2000) تلك المنظومة التي انبثقت محاورها الكبرى من البرنامج السياسي الإصلاحي الشامل للرئيس عبد العزيز بوتفليقة والمؤكد عليه في الخطاب التاريخي لغايات المنظومة التعليمية العلمية الهادفة بجامعة سطيف (2010) تلك المنظومة التي تحددت في (52 إجراء)، منها (43 إجراء) خاص بقطاع التربية و(9 إجراءات) خاصة بقطاعي التعليم العالي والتكوين المهني، وهي كلها إجراءات قائمة على دراسات تحليلية دقيقة محددة بنتائج وغايات تهدف بالدرجة الأولى إلى اصلاح الفكر المعرفي والثقافي السلبي، الناتج عن المؤثرات السياسية والإيديولوجية والمذهبية الوافدة التي تمكنت من التأثير في المنظومات السابقة طيلة الثلاثة العقود الأخيرة من القرن الماضي كانتشار ظواهر الشغب والعدوانية والتسرب والطقوس المستحدثة وتدني العلاقات بين المدرسين والمتعلمين، كما تعنى المنظومة الجديدة بتحديد الرؤية المستقبلية لنوعية التربية والتعليم والتكوين وسبل مواجهة أخطار العولمة وكيفية التفاعل مع المتغيرات العالمية في مجالات التفكير والمعرفة والعلم، والأخذ بيد المدرسين وتأهيلهم، بالرفع من مستواهم الاجتماعي والمهني والفكري إلى جانب عمل الاستشراف المستمر الهادف إلى تجنيد وتوجيه الجميع نحو تطبيق جميع الإجراءات المنصوص عليها في المنظومة، دون أدنى تردد، خاصة وأن مضمونها متجاوب والرغبات العلمية والفكرية لكل مؤهل في المستقبل الواعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.