التقى نهار أمس الفاعلون في عالم الصحافة والإعلام في جنان الميثاق مع وزير الاتصال الجديد السيد عبد القادر مساهل، وكانت الكلمة التي ألقاها السيد الوزير رسالة إلى أهل المهنة مطمئنة، وتحمل أكثر من مؤشر على تشبث الدولة الجزائرية بدعم حرية التعبير وتوطيد أسس الممارسة الإعلامية التي أصبحت تعيش لحظات عصيبة مليئة بالشكوك والمخاوف، خاصة بعد التضييقات التي طالت مدونين أبدوا اعتراضهم على العهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة وذلك الرد اللافت للنظر لوزارة الدفاع على كتابات الزميل والكاتب الصحفي سعد بوعقبة.. ونعتقد أن الرسالة التي قام بتوجيهها عبد القادر مساهل إلى عائلة الإعلاميين قد جاءت في وقتها لإزالة المخاوف والشكوك التي راحت تتسرب إلى نفوس الإعلاميين والتي زاد من تقويتها وتعميقها مشروع قانون الكتاب الذي يريد إرجاعنا سنوات إلى الوراء من حياة الأحادية التي اعتقدنا أنها ولّت إلى غير رجعة بعد الوثبة التي أشاعها أكتوبر 88 والتي تمثلت في تجربة إعلامية غنية ومشرفة طيلة سنوات التسعينيات وما تلاها، وذلك برغم التناقضات والحدود التي ميزت هذه التجربة النوعية التي كانت مفخرة ليس لعائلة الصحافيين والصحافيات وحسب، بل للتجربة الديمقراطية الناشئة في الجزائر وللجزائر شعبا وقيادة... 2 التقيت صبيحة يوم أمس، في جنان الميثاق بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للصحافة بصديق لم أره منذ حوالي عشرين سنة، ولقد ذكّرني ونحن نتجاذب أطراف الحديث، بتلك الأيام التي قضيناها في ثكنة علي خوجة، يوم كنت أقضي فترة الخدمة الوطنية.. لقد كنا في مركز التوثيق (ليمداب) وكنت حينها محررا بمجلة الجيش التي تحولت في تلك الفترة من مجلة عامة إلى مجلة متخصصة في الشؤون العسكرية والإستراتيجية.. وكانت تلك الفترة بالنسبة إلي جليلة الفائدة، فلقد تمكنت من الإطلاع على الكتابات الإستراتيجية والعسكرية، وتخصصت يوم ذاك بمواضيع في غاية الأهمية، منها حرب العصابات وحرب العصابات المضادة، وبالمركبين العسكريين الصناعيين، الأمريكي والسوفياتي سابقا.. وإلى جانب ذلك، كانت المكتبة ذات ثراء كبير بالكتب والوثائق المتخصصة.. فكل الوقت كنت أقضيه في البحث والكتابة بحيث كنت أشرف على أحد أقسامها.. وكان ثمة فريقين، فريق لميداب الذي كنت عنصرا من عناصرها وكانت تحت إشراف العقيد دواجي، ثم فريق المحافظة السياسية الذي كان مشكلا من العسكريين المعربين في أغلبهم وكان من بينهم النقيب أحمد عظيمي الذي سيترقى فيما بعد إلى عقيد قبل أن يتقاعد والنقيب شريف وزاني الذي اضطلع في التسعينيات بمهمة الإشراف على مجلة الجيش، أما ضمن فريق لميداب، فكانت هناك بعض الأسماء الجامعية من ضباط الخدمة الوطنية، أذكر منهم عاشور شرفي الذي كان في تلك الفترة يشتغل على موسوعاته حول الكتاب والفنانين الجزائريين، لينطلق بعد ذلك وإلى يومنا هذا إلى كتابة موسوعات سياسية تعتبر بالفعل إسهاما ضخما في إثراء الذاكرة الثقافية والتاريخية والفنية، وفي نظري أن العمل الذي ما زال يقوم به الإعلامي والكاتب عاشور شرفي يستحق التقدير والثناء، فلقد قام بسد فراغ عجزت عن إنجازه مؤسسات دولة بكاملها... وكان أيضا من بين ضباط الخدمة الوطنية الباحث الإجتماعي ومسؤول النشر في دار القصبة مصطفى ماضي، وآخرون أصبحوا في مراكز سامية في الإدارة الجزائرية وفي الديبلوماسية.. والمثير أيضا في مجلة الجيش التي شارك في إثرائها العديد من الكتاب والمثقفين، أنها حافظت على استمراريتها وجودتها بالمقارنة إلى المجلات التي كانت تابعة لوزارة الثقافة والإعلام والشؤون الدينية والتي كانت بالمعنى الحقيقي منابر علمية وثقافية من طراز رفيع، مثل مجلات "الثقافة" و«الأصالة" و«أمال" و "القبس" و«ألوان" التي اختفت منذ فترة الثمانينيات.. وبرغم المحاولات الإرتجالية التي سعت إلى إصدار هذه العناوين، إلا أن البقاء لم يكتب لها. 3 الطاهر جاووت، شاعر صحفي وروائي كان أول مثقف اغتاله الإرهابيون بباينام في 26 ماي 1993.. انتقل من قرية أوغلو إلى الجزائر العاصمة، درس بثانوية عقبة، درس الرياضيات وانخرط حتى النخاع في الكتابة، من صحفي بالمجاهد والجزائر الأحداث والثورة الإفريقية إلى مدير تحرير بأسبوعية "روبتور" إلى شاعر وروائي، ومن أعماله "الباحثون عن العظام" و«العسس"، كان لي الشرف أن اشتغلت تحت إشرافه بالقسم الثقافي في الجزائر الأحداث وأصبحت صديقا له، بحيث قضينا لحظات لا تنسى بوهران في أحد ملتقيات الرواية المغاربية.. كان ذا ثقافة عميقة وحساسية شعرية وإنسانية، رجلا متسامحا، محاورا وصاحب مبادئ وتشبث إلى درجة الاستماتة بالحداثة، كانت إحدى كتاباته الأخيرة، هجاء للباربارية وانتصارا للحرية وللكتاب الشجعان مستشهدا بنجيب محفوظ الذي تعرض إلى محاولة اغتيال من طرف أحد المتشددين الإسلامويين.. استعدت صديقي الراحل طاهر جاووت بمتعة كبرى وأنا أقرأ الكتاب الأخير عن حياته وأعماله من إمضاء الصديق والزميل رشيد حمودي الصحفي بجريدة أوريزون.. ولقد صدر الكتاب عن دار الأوديسا، كتاب غني بالمعلومات، موثق، كتب بحب واحترافية.. لكم أتمنى أن يترجم الكتاب إلى العربية وأن يقرأه الكثير من الشباب، من أجل إعادة اكتشاف هذا المبدع بعيدا، عن خطابات المناسبات والمجاملات السياسية والإيديولوجية..