''ما قبل المسرح وأشكال تصورات العرض المسرحي" هو عنوان الندوة الدولية المرافقة لفعاليات المهرجان الدولي للمسرح ببجاية، الذي اختار موضوع زاوية لمناقشة راهن المسرح الجزائري وجذوره للبحث في مستبقله وتصوراته، وقد قسمت الندوة على يومين متتاليين، حيث شاركت كل من الباحثة فاني كلونا من فرنسا، وساتوشي أودو من اليابان و تاسعديت ياسين جزائرية مقيمة بفرنسا وعبد النور عبد السلام ومحند زردومي من الجزائر، في مناقشات اليوم الأول. أصبح لتعبير (الأشكال ما قبل المسرحية) تأثيره ليس على المشهد المسرحي العالمي فقط، بل على المشهد المسرحي العربي كذلك، إذ إنه وبفعل المثاقفة الحضارية أفرزت الحقبة الكولونيالية ظهور المسرح بشكله الغربي في البلاد العربية عبر الاستيراد الذي مارسه بعض المثقفين العرب أمثال (مارون النقاش) لهذا النمط من التعبير الجماعي، وعلى الرغم من محاولة رواد المسرح العربي الأوائل (تعريب) هذا الشكل، بقي محافظاً على أصوله الغربية، لذلك شهدت بلدان العالم الثالث ومنها البلاد العربية بعد الخلاص النسبي من المرحلة الكولونيالية حركة واسعة باتجاه البحث في التاريخ والتراث والموروث الخاص بها عن وجودات افتراضية لشكل مسرحي ما يمنحم معرفتهم الحقيقية بفن المسرح، وبغض النظر عن الدوافع المختلفة وراء تلك الحركة الارتدادية للوراء التي مارسها المسرحيون العرب، أفرزت لنا رؤى وأشكالاً يختلف في تصنيفها المسرحيون أنفسهم، فمنهم من رأى في تلك الأشكال أشكالاً (غير مكتملة)، ومنهم من رأى أنها (أشكال مسرحية)، لكن الرأي الشائع يكمن في عدّها (أشكالاً ما قبل مسرحية)، وقد تنوّعت تلك الأشكال واختلفت من بلد إلى آخر بحسب طبيعة المجتمعات وخصوصيتها، وهنا يتم الحديث عن أبرز مرجعياتها الأنثروبولوجية عبر تقصّي العلاقة بين المسرح بوصفه ظاهرة اجتماعية ومعطيات التحليل الأنثروبولوجي لتطوّر الظواهر الاجتماعية ومن بينها الظواهر الثقافية والفنية التي يُعدّ المسرح واحداً منها. يرى الباحث عبد النور عبد السلام، أن القيمة الأساسية التي يتمحور فيها تعريف المسرح هو فن الكتابة على الخشبة، وتطرق إلى التراث في منطقة القبائل باعتبار الثقافة الأمازيغية ثقافة شفهية وتحمل بداخلها من المعاني والمثل والقيم، التي قد لانراها إلا في قصص وأعمال إبداعية تعود إلى وقت قديم، وأعطى المتحدث أمثلة حية على حضور الكلمات المندثرة في اللغة عبر كلام الشارع.ورجع الياباني ساتوشي أودو إلى بدايات المسرح الياباني الذي أصبح له حضور عالمي -حسب ساتوشي- معروف بفضل التناول النقدي الواسع الكبير من الداخل ومن الخارج على يد بول كلودال الذي اشتغل على مسرح "النو " في القرن الثامن عشر، ومسرح النو يرجع تاريخه إلى القرن الرابع عشر الميلادي، يقوم الممثلون بارتداء الأقنعة، ويتخاطبون باستعمال نفس نبرة الصوت، تصاحبهم فرقة موسيقية مع رموز من الأقنعة لشخصية حاملها. يضرب المسرح الياباني التقليدي وبالتحديد مسرح (النو) وأيضا عبر عروض مسرح "الكابوكي" في القرن التاسع عشر جذوره في التاريخ القديم.