حج 1445/2024ه: بلمهدي يدعو أعضاء بعثة الحج إلى التنسيق وتظافر الجهود لإنجاح الموسم    الصحافة كانت مرافقة للثورة في المقاومة والنضال ضد الاستعمار الفرنسي    كريكو تبرز جهود القطاع في تعزيز المرافقة النفسية لذوي الاحتياجات الخاصة خلال امتحانات نهاية السنة    إصدار خاص بخطاب الرئيس أمام غرفتي البرلمان    ربيقة: الذاكرة الوطنية تمثل أحد أساسيات انشغالات الجزائر الجديدة    المنتجات الجزائرية تعرف رواجا كبيرا في موريتانيا    المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية    التحضيرات متقدّمة جداً حسب وزير السكن    وهران : افتتاح صالون التجارة الالكترونية والاقتصاد الرقمي    التأكيد على الدور المحوري للجزائر في الاندماج الاقتصادي القاري    500 موقع للترويج لدعاية المخزن    البرلمان العربي يحذر من اجتياح الاحتلال الصهيوني لمدينة رفح وارتكاب جريمة إبادة جديدة بحق المدنيين    جيدو/الجائزة الكبرى لدوشانبي: ميدالية برونزية للمصارعة الجزائرية أمينة بلقاضي    إشادة بلقاء قادة الجزائر وتونس وليبيا    القشابية .. لباس عريق يقاوم رياح العصرنة    قوجيل يستقبل رئيس المجلس الوطني لجمهورية الكونغو    ندوة تاريخية إحياءً لرموز الكفاح الوطني    مولى يُنوّه بنتائج الإصلاحات الاقتصادية    بلمهدي يحثّ على الالتزام بالمرجعية الدينية    الأيام السينمائية الدولية بسطيف : الفيلم الفلسطيني الطويل "معطف حجم كبير" يثير مشاعر الجمهور    وزير الداخلية يبدأ زيارته إلى خنشلة بمعاينة فرع كوسيدار للفلاحة    وسط تحذيرات من مجاعة.. الأمم المتحدة تتهم إسرائيل برفض دخول المساعدات لغزة    قدمها الدكتور جليد قادة بالمكتبة الوطنية..ندوة "سؤال العقل والتاريخ" ضمن منتدى الكتاب    بأوبرا الجزائر بوعلام بسايح..المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية من 16 إلى 22 ماي الجاري    في دورته التاسعة.. "الفن موروث ثقافي حافظ للذاكرة" شعار الرواق الوطني للفنون التشكيلية    الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية    78 قتيلا جراء الأمطار الغزيرة في البرازيل    وزير الداخلية يشرف على مناورة دولية للحماية المدنية    عنابة: استحداث لجنة لمتابعة تهيئة الواجهة البحرية    مركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة: تطوير شرائح حيوية تعتبر الأولى من نوعها في العالم    في دورة تكوينية للمرشدين الدينيين ضمن بعثة الحج: بلمهدي يدعو للالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية    البطولة الإفريقية للسباحة والمياه المفتوحة: 25 ميدالية بينها 9 ذهبيات حصيلة المنتخب الوطني    رئيس الاتحادية للدراجات برباري يصرح: الطبعة 24 من طواف الجزائر ستكون الأنجح    مساع لتجهيز بشيري: الهلال يرفض الاستسلام    يقرّر التكفل بالوضع الصحي للفنانة بهية راشدي    ثبات وقوة موقف الرئيس تبون حيال القضية الفلسطينية    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي    إشادة بدعم الجزائر المستمر لحلّ سياسي مستديم في ليبيا    الجزائر تدفع إلى تجريم الإسلاموفوبيا    توقُّع نجاح 60 ٪ من المترشحين ل"البيام" و"الباك"    خبراء جزائريون يناقشون "الهندسة المدنية والتنمية المستدامة"    24 ألف مستثمرة فلاحية معنية بالإحصاء الفلاحيّ    مهنيون في القطاع يطالبون بتوسيع المنشأة البحرية    3 شروط من أجل اتفاق شامل ومترابط المراحل    بعد رواج عودته الى ليستر سيتي: إشاعات .. وكيل أعمال محرز يحسم مستقبله مع الأهلي السعودي    خلاطة إسمنت تقتل عاملا    دليل جديد على بقاء محرز في الدوري السعودي    تعريفات حول النقطة.. الألف.. والباء    عمورة في طريقه لمزاملة شايبي في فرانكفورت    دراجون من أربع قارات حاضرون في "طواف الجزائر"    غرق طفل بشاطئ النورس    انتشال جثة شاب من داخل بئر    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفحة مجهولة في تاريخ الجزائر.. من يتذكر العشرة آلاف جزائري الذين هلكوا في معارك "سدان" و"رايشوفن" و"أورليان" في 1870؟
نشر في الجزائر نيوز يوم 28 - 01 - 2014

اِعتاد المؤرخون تحديد بداية الوجود الجزائري في فرنسا في سنوات الحرب العالمية الأولى، التي شهدت تجنيدا إجباريا للجزائريين للمشاركة في تلك "الحرب الكبرى" الفظيعة.
والواقع أن تلك الحرب لم تمثل لا مستهل الوجود الجزائري في فرنسا ولا أول قتال الجزائريين تحت الراية الفرنسية؛ إذ يعود ذلك الوجود إلى أكثر من 40 سنة من قبل اِندلاع أول حرب عالمية، يحتفل الفرنسيون، هذا العام، بمئويتها، بكثير من الضجيج...
حمدان بن عبد الناصر (باحث في التاريخ)
في كتابه "الضحايا العرب دراسة حول ثورة 1871 في الجزائر (منشورات إ. لاشو)، باريس، سنة 1873، ذكر "لُوي سِيرْ"، أحد هؤلاء المتطوعين في حرب فرنسا ضد بروسيا، في 1870، وساهم في قمع ثورة 1871 في منطقة القبائل، أن الدكتور "أوغيست وارنيي"، عضو الجمعية الوطنية الفرنسية عن مدينة الجزائر، قال، منذ أيام، على منبر الجمعية، بتأثر يشرفه أكبر تشريف، "بأنَّ من بين عشرين ألف عربي ذهبوا للقتال تحت رايتنا، عشرة آلاف منهم سقطوا في ساحة المعركة، سواء في معارك "رايشوفن" أو في "سدان" وفي "أورليان" (وهي معارك بين الجيشين البروسي والفرنسي) ... وبالطبع، فهؤلاء العرب ليسوا سوى جزائريين لأن الوجود الفرنسي لم يمتد، في ذلك التاريخ، إلى تونس والمغرب. في هذا الكتاب، تحدث "لوي سير"، بعِرْفان، عمَّنْ كانوا يُسمُّون، آنذاك، ب "الأهالي" الذين ساهموا في القتال إلى جانب فرنسا، ولم يستغلوا فرصة اِندحار فرنسا في معركة "سدان" أمام البروسيين لطردها من الجزائر رغم أنهم كانوا في حالة حرب دائمة معها منذ بداية الغزو الفرنسي للجزائر في 1830. وبعد هزيمتها في معركة "سدان"، فقدت فرنسا مقاطعتي "الألزاس" واللورين". وقد قال مؤلف الكتاب إن الجزائريين لم ينتهزوا فرصة هذه الهزيمة لشن الحرب ضد فرنسا. كما أنهم لم يستغلوا فرصة ثورة "كومونة باريس" (وهي تمرد سكان باريس بين نهاية مارس وماي 1871) التي أعقبت هزيمة فرنسا لنفس الغرض. ويضيف: "ولا أتردد على الجهر بأنه لو اِندلعت الثورة العربية أثناء الحرب مع بروسيا لكنا سنواجه مصاعب لا حل لها ولا ندري معها حقا ما الذي سيكون عليه مآل الأمور".
هل حضَّرت حرب الاِستنزاف الجزائرية الفرنسيين لهزيمتهم أمام بروسيا؟
وفي كتابه "نظام فرقة مارغوريتْ"، يشيد الجنرال "روزات دو مانْدر"، بالفيلق الجزائري الأول الذي أبدى "شجاعته الشهيرة المعروفة" إلى جانب فيلق "قناصة إفريقيا" الفرنسي، في معركة "سدان". وهذا الاِعتراف أبداه العسكريون البروسيون المنتصرون في هذه الحرب التي سيكون لها تأثير حاسم على مستقبل العالم؛ ألم ينتقم الفرنسيون لذلك في الحرب العالمية الأولى وأرغموا الألمان على القبول بشروط مذلة؟ ثم ألم تكن الحرب العالمية الثانية إحدى نتائج الحرب الأولى؟ ولكن تلك مسألة أخرى.
ولكن لنعرِّج قليلاً لنتعرَّف أكثر على الدكتور "أوغيست وارنيي"؛ أول ما يلفت اِنتباهنا في كتابات هذا البرلماني الفرنسي هو تعليقه على الحرب؛ إذ قال في كتابه "الجزائر وضحايا الحرب" (1871)، في الصفحة 58 من ذلك الكتاب: "... أما فرنسا التي تدين بهزائمها في "سدان" وفي "ميتز" لجنرالات جيش إفريقيا (الجيش الفرنسي في الجزائر)، فإنه فلم يعُد بإمكانها، اليوم، التشكيك في كون حكم وإدارة الجزائر، هما اللذين أثارا أعصاب كل قادة جيشنا وحضَّرهم لقبول كل أشكال الاِستسلام الممكنة". يا له من اِستنتاج مدهش هذا الذي يوحي بأن الجزائريين أنهكوا الجيش الفرنسي إلى هذا الحد!!!
الدكتور "وارنيي" داعية الاِستعمار المبطن الذي يفقد أعصابه
ولد الدكتور "وارنيي" من أب كان أحد أسرى الحرب ضد القراصنة في سنة 1810. وأصبح طبيبا عسكريا. وقد ارتبط بالسانسيمونيين، (وهم إحدى الجماعات الطوباوية، التي كانت تدعو إلى مجتمع يقوم على المعرفة والتكنولوجيا والصناعة). وقد أرسل إلى الجزائر لمكافحة داء الكوليرا في غرب البلاد. وقد سمحت له وظيفته بأن يصبح، مثلما وُصِف فيما بعد، "قاموس الجزائر الحيّ"، لأنه يرى أنه "لا يجب النظر إلى الأطباء كمجرد مضمدي جراح، ولكن كأعوان سياسيين وما دِبْلومهم سوى جواز سفر للدخول إلى الأسرار الأكثر حميمة للشعب العربي". وسمحت له معرفة البلد بأن يُعيَّن كنائب قنصل فرنسا لدى دولة الأمير عبد القادر. وفيما بعد عُيِّن في مجلس حاكم الجزائر. وقد اِستقال من هذا المنصب تحت ضغط غلاة المعمّرين. ومكَّنتْهُ كُتبه ومساهماته في الصحافة الكولونيالية بأن يصبح القيِّم شبه الرسمي على المستوطنين وعلى مصالحهم. وقد جرى اِنتخابه، في سنة 1871، نائبا في الجمعية الوطنية الفرنسية عن مدينة الجزائر، إلى غاية وفاته في سنة 1875.
ويسمح الإطلاع على كتابات هذا الرجل ومواقفه بأن كان من أنصار الاِستيطان الهادئ، خلافا لرؤية شخص مثل الماريشال "بوجو" ونظرائه ولكنه سرعان ما يتراجع عن موقفه في بعض الأحيان؛ ففي إحدى تعاليقه على كتاب ألفه الجنرال "دو لوتانغ" حول تسيير الجزائر والذي يقترح فيه بقاء المدن التي يسكنها "الأهالي" تحت سيطرة هؤلاء والمدن ذات الأغلبية الفرنسية تحت سيطرة الفرنسيين، يقول "وارنيي": "و مقابل الخضوع لم نقدِّم بدائلَ للقبائل؛ لقد اِنشغلنا، على الدوام، بالترهيب ولم نعمل قطُّ على تحبيب سيطرتنا إلى نفوس الأهالي". ويوضح أنه يريد نظاما غير مكشوف يسعى لعزل القبائل عن الأمر "عبد القادر" و«أحمد باي"؛ أي أنه يفضل اللجوء إلى التجارة والطب وغيرهما لاِستمالة الجزائريين إلى جهة الفرنسيين. ولكنه قال، أيضاً: "إذا ما فرضنا على القبائل الاِختيار بين الخضوع أو المنفى، فإن أغلبها سيختار سيطرتنا".
مكافأة "الحليف" بمأساة مهولة...
في سنة 1873، بادر الدكتور "وارنيي" بمشروع قانون سُمي فيما بعد باِسمه، يستهدف إشاعة الملكية الفردية للأراضي الجماعية في الجزائر. وبالطبع، فقد ساهم هذا القانون في تجريد السكان الأصليين من أراضيهم وتشريدهم ولجوئهم إلى المدن مفيدا بذلك المضاربين العقاريين...
ومن بين مساعي الدكتور "وارنيي" هو دعوته إلى إرسال "ضحايا حرب 1870" (والمقصود بهم سكان المقاطعات الفرنسية التي تضررت من الحرب مع بروسيا) إلى الجزائر وتمليكهم أراضي ومرافق وهذا لتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم جراء هذه الحرب. وقد صرَّح، في كُتيب "الجزائر وضحايا الحرب" الصادر في نهاية 1870، قائلاً: "ألم يحن الوقت لأن نطلب دفع هذه الديون (المقصود بها الديون التي تأخر الأهالي في دفعها بسبب المجاعات الناتجة عن الغزو الاستعماري والكوارث الطبيعية) ليس نقدا وإنما في شكل أراضي، ذلك لأن في أقاليم مدينتي الجزائر ووهران حيث كانت روح التمرد متوطنة لمدة سنوات طويلة، لنا حاجة من الأرض أكثر من حاجتنا للمال". وبالطبع، فإن هذا الاِهتمام بضحايا الحرب البروسية الألمانية سيكون على حساب الأهالي، الذين أهمل ذكرهم وحتى الإشارة إلى دورهم. وهذا ما لم ينسه "لوي سير" الذي ذكر بأن الفرنسيين لم يردوا جميل "الأهالي"، بل أنهم بادروا بإصدار مرسوم "كريميو" الذي أعطى الجنسية الفرنسية ليهود الجزائر، حتى يضخموا من قاعدتهم السكانية في الجزائر "لو لم يكن هناك تجنيس اليهود بواسطة مرسوم كريميو، ودون أحداث الكومونة، فإن الثورة لن تحدث أو على الأقل لن تكتسب الطابع المروع والكبير الذي ظهرت به..".
ويوضح "لوي سير"، في نفس الكتاب، بأن السلطات الفرنسية أبدت سادية إزاء العرب، إذ اِستمرت في متابعة المشاركين في هذه الثورة. ولم تستثن من ذلك حتى أشخاصا مثل القائد "بن علي شريف"، قائد منطقة سباو، بالقبائل، الذي ساهم في إقناع السكان العدول عن التمرد. وقد تدخل مجلس وزراء حكومة باريس ليؤيد النيابة العامة لمحكمة الجزائر في محاكمة هذا القائد، خلافاً الأميرال الكونت "دو غايدون" الحاكم العام للجزائر، آنذاك، الذي كان يفضل عدم إزعاج القائد "بن علي شريف" لقاء "الخدمات العظيمة التي أسداها لقوات الحملة بعد اِستسلامه".
وكانت الحصيلة ثقيلة: فبعد العشرة آلاف قتيل والآلاف من الجرحى من "الأهالي" في معارك فرنسا في حربها ضد بروسيا، في بروسيا، شهدت الجزائر عشرات الآلاف من القتلى في المناطق المتمردة وتجريد سكانها من حوالي نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية التي منحت للفرنسيين الفارين من الاِحتلال البروسي للمقاطعتين الفرنسيتين "الألزاس" و«اللورين"، (مثلما طلب ذلك الدكتور "وارنيي") ونفي الجزائريين إلى كاليدونيا الجديدة...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.