الألعاب الإفريقية المدرسية: تتويج المنتخب الوطني لألعاب القوى ب35 ميدالية منها 12 ذهبية    الجيش سيبقى الخادم الوفي للوطن    الدخول الجامعي2026/2025 : بداري يجتمع بإطارات من الوزارة والديوان الوطني للخدمات الجامعية    جامعة وهران 2 : قرابة 5 آلاف مقعد بيداغوجي للطلبة الجدد    مشاركون في الجامعة الصيفية للأطر الصحراوية: الكفاح المسلح.. الحقيقة التي يفهمها الاستعمار المغربي    سفير نيكاراغوا بالجزائر : استفتاء تقرير المصير هو الحل الوحيد لقضية الصحراء الغربية    هجمات إسرائيلية متفرقة على غزة منذ فجر الاثنين..استشهاد 13 فلسطينيا وارتفاع وفيات التجويع إلى 180 بينهم 93 طفلا    عاشت الجزائر وعاش جيشها المغوار    دفع عجلة التقدم لتحقيق تنمية مستدامة متبادلة    الألعاب الإفريقية المدرسية: المنتخب الوطني لكرة القدم يحرز الفضية    ضبط 68 كلغ من الكيف المعالج مصدره المغرب    الطبعة ال14 لمهرجان أغنية الراي بمشاركة 23 فنّانا شابا    بنك "BNA" يسجل ناتجا صافيا ب 48 مليار دينار    "نفطال" تطوّر آليات التدخل لمواجهة الطوارئ بكفاءة أكبر    إضفاء ديناميكية جديدة على التعاون الجزائري الياباني    سلطة الانتخابات.. مسابقة لأحسن بحث في القانون الانتخابي    بوغالي يهنئ الجيش الوطني الشعبي في يومه الوطني    البرلمان العربي: اقتحام مسؤولين صهاينة للأقصى المبارك انتهاك صارخ للوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر-2025/: الجزائر تعزز صدارتها لجدول الميداليات بعد منافسات اليوم الثامن    الخضر بالعلامة الكاملة    بنو صهيون ينتحرون    بن غفير يدنّس الأقصى    دوريات مراقبة جويّة لأول مرة    والي تيزي وزو يتفقد أشغال إنجاز مشاريع ويسدي تعليمات صارمة    مثلجات كريبوني الجزائرية في العالمية    السلطة الوطنية تعلم الفاعلين بالتعديلات القانونية    جزائريون يتألقون في مسابقة عالمية    أيام للمالوف بقالمة    وزارة الثقافة تنظم ورشة تكوينية دولية    وَمَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله    العدوان الصهيوني: مسؤولة أوروبية تطالب الاحتلال بإيقاف تجويع غزة    أمواج عالية على عدة سواحل    ضرورة تفعيل مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (نيباد)    الجزائر وسبع دول أخرى تقرر زيادة في إنتاج النفط    المنتخب الوطني يعود الى أرض الوطن    التزام ثابت بتقوية قدراته المالية من أجل خدمة الاقتصاد الوطني    وفاة 9 أشخاص وإصابة 283 آخرين    تسليم مشاريع التربية في الآجال المحددة    محليو "الخضر" بنية التتويج القاري    شاركنا رغم ظروف الحرب لدعم الجزائر في هذه الألعاب    ذهبية لمنصوري سليمان    حذف المنصّة الإلكترونية "الإشارة للمغرب"انتصار للشرعية الدولية    25 مجمعا مدرسيا و14 مطعما جديدا    آليات جديدة للتبليغ عن الآثار الجانبية لما بعد التلقيح    وزير النقل يكشف عن قرب تدعيم الرحلات الجوية الداخلية وإنشاء شركة وطنية جديدة    ورشة إفريقية عبر التحاضر المرئي لتعزيز ملفات ترشيح التراث العالمي    الجزائر تنضم إلى شبكة نظام الدفع والتسوية الإفريقي الموحد    اختتام التظاهرة الثقافية بانوراما مسرح بومرداس..تقديم 55 عرضًا مسرحيًا على مدار أسبوع كامل    سحب فوري للترخيص ومنع الوكالات من تنظيم العمرة في هذه الحالات    الجلفة تنزل بزخمها ضيفة على عروس الشرق عنابة    إبداعات تشكيلية تضيء جدران المتحف الوطني للفنون الجميلة    دعم التعاون بين الجزائر وزيمبابوي في صناعة الأدوية    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



''الجزائريّون همج يهيمون في القفار'': حتّى أنت يا يوسف زيدان؟
نشر في الجزائر نيوز يوم 06 - 12 - 2009

هل العنف حقاً مترسّخ في ''جوهر الشخصيّة الجزائرية''، كما كتب صاحب ''عزازيل''؟ أم أن الأديب المصري الحائز ''بوكر'' العربيّة العام الماضي، انجرّ إلى فخّ الشوفينية المقيت؟
لم تؤلمني العنصرية التي تذكر بها الجزائر ومصر في بعض وسائل إعلام البلدين، كما آلمني مقال يوسف زيدان ''ذكريات جزائرية'' (''المصري اليوم'' 25 ت''2 نوفمبر)· كان أحرى بمن كتب دفاعاً عن روايته ''عزازيل'' أن ''العنف لا يرتبط بجوهر الديانة''، أن يردد أيضاً أنّ العنف ليس من ''جوهر الجنسية الجزائرية''، بدل إقناع قرائه بأنّ الجزائريين مثال للعنف والصفات الذميمة من تعصب وتأهّب دائم ل''فقء العيون''·
بحثنا فلم نعثر في المقال إلا على محطتين على علاقة مباشرة بذكرياته الشخصيّة، الأولى عن سفر الكاتب (لا نعرف تاريخه) إلى الجزائر وما قاساه هناك من ''إهمال شديد''، والثانية عن معركة لفظية مع طلاب جزائريين ''كانوا مثالاً للغباء والعنف الداخلي والتعصب''، وصفوا مصر جهلاً بالتخلف، فذكّرهم هو متعالماً بأنّ ''تراثنا لا يعرف بلداً اسمه الجزائر'' (هل يعرف ''تراثنا'' بلداً إسمه سوريا مثلاً؟ وهل البلدان بأسمائها الحديثة في ''التراث''؟)·
على هاتين المحطتين، شيّد صاحب ''بوكر'' صرحاً من الكليشيهات· نعرف من قراءتنا لإدوارد سعيد أن ''الابتداع الجغرافي'' (رسم جغرافيا وهمية تتلاءم مع ما نريد إثباته) هو من وسائل الاستشراق· هذا ما يقوم به زيدان، فلا حديث له عن الجزائر إلا ك''صحراء''· ونحن إذ نذكِّره بجغرافيا الجزائر، فلأنّ ''لصحرائه'' المبتدعة على منوال المستشرقين (بالأحرى على منوال هوليوود) وظيفةً محددةً: تصوير البلد على أنه بلد عنف أعمى لا يعرف النظام، وتصوير الجزائريين على أنهم همج يهيمون في تلك البيداء·
الجزائريون فخورون بصحرائهم، ويذكرون باعتزاز أنّهم رفضوا مقترحات الاستقلال الفرنسية التي تحرمهم منها، لكنّهم سيسخرون من زيدان لو قرأوا وصفه بلدهم بالصحراء· لا أحد وصفها بهذا اللفظ من الرحالة القدامى والجغرافيين المعاصرين· كل مَن وصفها، ذكرها بما يميزها عن بلدان تقتسم معها الصحراء الكبرى، أي بجبالها وغاباتها وأمطارها وثلوجها (كما وصفت مصر بما يميزها، أي النيل، لا بما تشترك به مع جيرانها من كثبان)· الطريف أنّ لبعض الجزائريين كليشيهاً مماثلاً عن مصر· كلها صحراء، يقولون· لكن هل يصدق الحديث عن مصر دون الحديث عن النيل؟ ثم هبْ أن الجزائر بحر من الرمال، هل يبرر ذلك احتقارَها؟ ماذا سيقول ''صحراويو'' مصر وهم يقرأون هذا الكلام العنصري؟
ويبدو هذا الاختراع الجغرافي مقدمة لاختراع آخر· اختراع بدو خياليين يسكنون الجزائر (يعيثون فيها فساداً بطبيعة الحال، فالبدو في الأرض مفسدون)· هنا أيضاً، لا يهمنا فضح تجاهل زيدان لحقيقة أن الجزائريين هم من سكان الجبال أساساً وأن معدل استقرارهم في المدن حالياً من أعلى المعدلات في العالم العربي، بقدر ما يهمنا فضح كراهيته لبشر مثله، (الصحراويين)، ينعتهم بالجبن تارة والخشونة طوراً، في ما يشبه الخطاب الاستعماري· لا يهمنا فضح هذا الجهل إلا لأن ابتداع ''شعب بدوي'' هو مقدمة لهذا السؤال المتعالي: ''هل هناك حقاً حكومة وجماعات إسلامية بهذا البلد؟''· تمنينا لو كان زيدان صادقاً وألا حكومة وجماعات إسلامية في الجزائر، لكن الواقع المر أنّ فيها حكومة جاثمة على صدرها وحركة إسلامية تُعمل في شعبها تقتيلاً منذ عقدين من الزمن·
نتساءل: ما الغرض من مغالطات زيدان الجغرافية؟ ربما رغبته في إدانة ما يعانيه المصريون في بلدان ''صحراوية'' أخرى (ليبيا أو دول الخليج) لم يجرؤ على التعرض لها لسبب مجهول، فاختلق ''دولة بدوية'' ينتقم منها لما أهين من كرامة مواطنيه في بقاع ''العالم الصحراوي''· ألم يكن الأجدر به أن ينتقد بوتفليقة وملوك الخليج وقائد ليبيا الأبدي بدل ''الاستئساد'' بشتم الشعوب؟
ولا يكترث زيدان لجهله ببلد لم يره سوى مرة، فيزعم أنّه قبل الأمير عبد القادر ''لم يشتهر عالم واحد في تراثنا باسم الجزائري''، وأن الجزائريين ''انتزعوه من مرقده المختار، بجوار محي الدين بن عربي (···) كى يضعوه في مكان مهجور على طريق المطار، فلا يكاد أحد يعرفه الآن''· لن نردّ على هذا الكلام بمثله من التفاخر الشوفيني بالمشاهير· نكتفي بأنّ هذا ''المكان المهجور'' هو مقبرة الشهداء· وفضلاً عن أن الجزائريين يعرفون الأمير جيداً (بل تُنسيهم معرفته أحياناً أبطالاً غيره)، فهم يفتخرون بمرقده في ذلك ''المكان المهجور''، فجوار الشهداء ليس أقل شرفاً من جوار شيخ الصوفية الكبير·
ويعتقد زيدان صادقاً أن مصر ''صنعت الجزائر''· فقد أصبح روتينياً في بعض الإعلام المصري طيّ تاريخ الحركة الوطنية، ليعلو اسم عبد الناصر وحده· نعم ساعدت مصر الثورة الجزائرية، لكن مَن حرّر الجزائر هم الجزائريون، ومن عبَر القنال هم المصريون· ما يشرّف مصر أنّها ساعدت ثورة الجزائر، لا الندم على ذلك· وما يشرف الجزائر أنّها شاركت في حرب أكتوبر ودعمت حركات التحرر في العالم، لا الندم على ذلك كما يفعل نظراء زيدان من الشوفينيين الجزائريين·
وعندما تصل الأفكار إلى منتهاها، تُعيَّر الشعوب بمآسيها: الجزائر استُعمرت 132 سنة وعاشت في التسعينيات صراعاً داخلياً طاحناً· لا تعليق لزيدان على المأساة الأولى سوى الزعم أنّ جميلة بوحيرد ''حبيسة بيتها تتجرع آلام حسرتها على جهادها الذي (···) خفضه الواقع الجزائري المعاصر إلى أسفل سافلين''· بوحيرد ليست ''حبيسة بيتها''، وأحد آخر أسفارها كان في 2009 إلى جنوب لبنان لتنظر إلى فلسطين باكية من وراء السياج· ثم ما ردّه على أن شوفينيي الجزائر يفكرون مثله ويقولون إن ''الواقع المصري خفض مصر وتاريخها العريق أسفل سافلين''؟
ولا يبدو زيدان أكثر تعاطفاً مع معاناة الجزائريين في التسعينيات· يكتفي بحمد الله على نجاته من بعض أحداث العشرية الحمراء· يقول معللاً عزوفه عن السفر إلى الجزائر بعد رحلة ''الإهمال الشديد'': ''وقد أكون رُحمتُ من تفجيرٍ عشوائي أو مذبحةٍ جماعية''· ثم يضيف كاستعماري أصيل: ''ولا أحد يعرف لماذا يذبح بعضهم البعض الآخر''· تتوقف دورة التفكير ويُلقى بالحس الإنساني في المهملات لتُبتسر تراجيديا كاملة في سؤال استنكاري يقارن بين الضحية والجلاد فكلهم ''جزائريون دمويون''·
لا تحرك الهوجة الإعلامية الجزائرية المصرية في زيدان سوى وتر النقمة على أنّها جعلت ''الجزائر (···) خصماً لمصر التي لم يعرف الزمان كفواً لها في هذه البلاد الوليدة المجاورة''· ما ''البلاد المجاورة''؟ لسبب غامض، لا ذكر للسعودية أو ليبيا وغيرها من الدول التي تسوم المهاجرين (المصريين وغير المصريين) سوء العذاب· ''البلاد المجاورة'' في المقال رغم أنف الجغرافيا هي الجزائر التي تبعد حدودها عن مصر بما لا يقل عن 2000 كيلومتر·
يحزّ في نفس زيدان أن يذكر اسم مصر مقروناً بدول ''وليدة''· أليس هذا عين الشوفينية والعنصريّة؟ ألم تبدأ الفاشية في البلدان التي عانتها، بالنقمة على سقوطها في الحضيض، يليها الانتقاص من غيرها من البلدان وتليها أحياناً الرغبة باحتلالها لاستعادة مجد قديم؟ هل سنقرأ في مقال زيداني قادم دعوة إلى إرسال قوات خاصة إلى الجزائر بعدما تعذّر إرسالها إلى السودان ''لإجلاء'' المشجعين المصريين؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.