يقدم الروائي اسماعيل يبرير في عمله الأخير "العاشقان الخجولان، متاهة الكائن الحجري المعاصر" نظرة نقدية تشاؤمية للإنسان المعاصر وحياته الصاخبة بالشرور والجمال الزائف الذي يؤثث مدنيته، منددا بالانحطاط والتراجع القيمي الذي يسود عالم اليوم. ويتطرق هذا العمل، الصادر مؤخرا بالجزائر وتونس ومصر، لقصة "محفوظ"، رجل كهل غريب الأطوار يعيش اغترابا وجوديا وحالة نفسية مرضية تجعله يرفض محيطه وزمانه والاعتزال في عصر حجري متخيل. "شموسة"، صحفية في أواخر العشرينات تعمل بقناة تلفزيونية تجبر من مديرها المتسلط على إجراء مقابلة مع "محفوظ" الذي شاع بين الناس أنه معتوه فتلتقي به بعد عملية بحث بأحد الفنادق فيبدأ هذا الأخير في سرد نظرته للحياة. تدور بين الاثنين حوارات عديدة على مدار عدة أيام يسترجع خلالها "محفوظ" شريط ذكرياته فيعرفها بأهم محطات حياته والأشخاص الذين عاشرهم وأثروا فيه انطلاقا من أمه "بدور" وصديقه "غيوم" ومحبوباته الكثيرات ك "فتيحة" و"مارية" و"نبيلة". تنجذب "شموسة" تدريجيا لقصص "محفوظ" الحزينة فتنسى عملها وتتعاطف معه فتحكي له أيضا أوجاعها وقصصها المثخنة بالتيه والإحباط والخيبة، عن أمها وأخويها وجدها وعن صديقتها "آمال" وعن حبها للتشكيلي العتي "علاوي". مع الوقت يشعر "محفوظ" و"شموسة" بالانجذاب لبعضهما وهكذا تستمر أحداث هذه الرواية فالحب هو محور هذا العمل وإن جاء في نوع من السريالية والعبثية التي تؤكد في الأخير أن الإنسان المعاصر ليس بالضرورة أفضل من سابقيه، على الأقل إنسانيا. يهاجم "يبرير" خطاب النفاق والأنانية وينتصر للمفاهيم الانسانية التي يجب أن تسود إذ يقول: "كي نفهم العصر يجب (..) أن نكون مدركين لما نحن عليه، أن نتقبل بشاعتنا من الداخل، وأن نصلب وهم الجمال، بينما كان الإنسان الحجري بشعا من الخارج في منظورنا ولم نفتش داخله إن كان جميلا". ويبدو واضحا في هذا العمل أن البعد الفكري والفلسفي كان أهم رهان للكاتب وقد تميزت الرواية بلغتها الراقية وسردها الجميل المعتمد على "الفلاش باك" فكل أحداثها عبارة عن استرجاع لذكريات تركت آثارها في كل من هذين "العاشقين الخجولين". وقد تبدو الرواية مختلفة عن باقي روايات يبرير السابقة من حيث الموضوع المعالجة إلا أن الكاتب حافظ على جمالياته من حيث البناء واللغة والحكاية، ويبدو واضحا أن الكاتب يسير أيضا عكس الإملاءات الموضوعاتية التي ترتهن لمغريات الجوائز وأيديولوجياتها. ولأن النص عبارة عن سبر لأغوار نفسيات شخوص هذه الرواية وعلى رأسهم "محفوظ" و"شموسة" فقد اعتمد يبرير على الوصف المدعوم بالحوارات والمونولوغات، كما تميز العمل أيضا بالمشاهد الدرامية والرمزيات المتعلقة بالإنسان والتاريخ. وتحضر أيضا في هذا الإصدار عوالم العمل الصحفي، وهو المجال الذي عمل فيه يبرير لسنين طويلة، بالإضافة إلى مظاهر فنية وثقافية مختلفة عكستها عناوين الروايات المذكورة في متن العمل وكذا المكتبة التي كان يملكها "غيوم" بالإضافة للوحات "علاوي". وصدر هذا العمل في 197 صفحة من القطع المتوسط عن دار "الحبر" بالجزائر و"دار الكتاب" بتونس ومنشورات "صفصافة" بمصر، وهو مستوحى من جدارية صخرية بمنطقة "عين الناقة" بضواحي مدينة الجلفة، مسقط رأس الكاتب، تضم رسمين لرجل وامرأة منقوشين منذ آلاف السنين، يسميهما الساكنة المحليون "العاشقان الخجولان". اسماعيل يبرير، روائي وكاتب مسرحي وقاص وشاعر من مواليد 1979، ابتدأ حياته الأدبية في 2008 من خلال مجموعتيه الشعريتين "طقوس أولى" و"التمرين، أو ما يفعله الشاعر عادة" ثم انتقل إلى كتابة الرواية فكان عمله الأول "ملائكة لافران" الذي توج بجائزة رئيس الجمهورية لإبداعات الشباب. وأصدر الكاتب بعدها ثلاثيته الروائية، "باردة كأنثى" (2013)، و"وصية المعتوه، كتاب الموتى ضد الأحياء" (2013) التي نالت جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الأدبي بالسودان، ثم "مولى الحيرة" (2016) التي حازت بدورها جائزة "محمد ديب" الأدبية. وكتب يبرير أيضا رواية "منبوذو العصافير" (2019) ومجموعة شعرية أخرى بعنوان "أسلي غربتي بدفء الرخام" (2016)، كما ألف في الفن الرابع فأصدر مسرحية "الراوي في الحكاية" (2011) التي فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي بالإمارات، وكذا "عطاشى" (2018)، وكلاهما حول العمل مسرحي. وتتميز أعمال الكاتب وخصوصا رواياته بمعالجتها للعديد من المسائل كالحب والتاريخ والجنون والتراث والتصوف مع الارتباط دائما بمنطقة الجلفة كفضاء مكاني محتفى به، أين تدور أغلب أحداث رواياته. وستصدر له "قريبا" بالإمارات مجموعة قصصية بعنوان "كأشباح ظريفة تتهامس"، وكذا قصيدة في شكل ديوان شعري ستصدر بدورها بالجزائر وبلد عربي آخر تحت عنوان "منحوتة لاجئ العشب" وهذا شهر "مارس المقبل"، حسب ما جاء في صفحته الرسمية على الفايسبوك. للبقاء على اطلاع دائم بالأخبار عبر جريدتكم "الجلفة إنفو" الإلكترونية و تلقي الإشعارات، قم بتحميل تطبيق الجلفة انفو