وسط تبادل الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار..غارات إسرائيلية على جنوب قطاع غزة    مجلس الأمّة يشارك في ندوة للبرلمانيات الإفريقيات ببكين    حملة الحرث والبذر بسكيكدة : تخصيص أزيد من 39 ألف هكتار لزراعة الحبوب    ضمن فعاليات معرض سيول الدولي للطيران والفضاء..الفريق أول شنقريحة يحضر استعراضا جويا بجمهورية كوريا    المستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة : استئناف نشاط قسم العمليات "ابن سينا"    قالمة.. تخصصات مهنية ذات علاقة بسوق الشغل    إصدار طابع بريدي تخليدًا لليوم الوطني للهجرة في الذكرى ال64 لمجازر 17 أكتوبر 1961    صادي وبيتكوفيتش يتضامنان معه..أمين غويري يغيب رسميا عن كأس إفريقيا    المنتخب الوطني : بقائمة من 50 لاعباً.. هل يستعد بيتكوفيتش لمفاجأة كبرى؟    عودة آيت نوري وعطال تبعث المنافسة بين دورفال ورفيق بلغالي    رئيس اللجنة الوطنية لترقية مرئية مؤسسات التعليم العالي يؤكد أهمية تعزيز حضور الجامعات الجزائرية في التصنيفات الدولية    الجزائر والأردن يعززان التعاون النقابي والاقتصادي في قطاعي المحروقات والمناجم    افتتاح الطبعة العاشرة للمهرجان الثقافي الوطني لإبداعات المرأة تحت شعار "امرأة الجنوب.. أصالة تروى وإبداع يضيء"    متلازمة ترامب.. بين جنون العظمة وضحالة التفكير    أيام الجوع العالمية في غزّة والسودان    "جوائز نوبل".. أزمات اقتصادية وحروب السلام!    أدب النفس.. "إنَّما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ"    فتاوى : حكم قراءة القرآن بدون تدبر    "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"    الجزائر التزمت بتسريع عصرنة و رقمنة النظام المصرفي    مجازر 17 أكتوبر 1961 أعنف قمع لمظاهرة سلمية في أوروبا    جيجل : حجز كمية من المخدرات والمؤثرات العقلية    أمطار رعدية في 43 ولاية    خنشلة : شرطة الولاية تحيي الذكرى ال 64    أكثر من 5ر2 مليون مغربي يعيشون في فقر مدقع    يسهم في حل مشكلات اقتصادية وإنشاء مؤسسات رائدة    الحزب جعل من الصحة والتعليم موضوعا مركزيا في ندوته    الانجاز المرتقب واجهة اقتصادية وحضارية للجزائر الجديدة    تسجيل خمس حالات إصابة مؤكدة بداء الدفتيريا بولاية سكيكدة    تنويه ب «الإنجازات " المحققة في مجال إنتاج الأدوية    توقيع اتفاقيتي تعاون بين وزارتي الثقافة والمالية.. شراكة استراتيجية لحماية التراث وتثمين الإبداع    التحوّل الرقمي يضمن خدمات اجتماعية أكثر نجاعة    التحوّلات الاقتصادية تقتضي التنسيق بين القضاء والإدارة    المخزن يخفي العدد الحقيقي للمعتقلين في صفوف المتظاهرين    احتفاء بيوم النظافة الاستشفائية    مناورة افتراضية للوقاية من الفيضانات    مبادرة من أجل الوعي والأمان    حركة عدم الانحياز تشيد بالرئيس تبّون    مقاربة استباقية لمواجهة تحوّلات سوق العمل    تكثيف التواجد الأمني لضمان أمن المواطن    قتيل وجريحان في اصطدام دراجتين ناريتين    حين يتحوّل الجدار إلى ذاكرة ضوء    30 تشكيليا يلتقون بمعسكر    مدرب الاتحاد السعودي يستبعد عوّار    "العميد" للعودة بنتيجة مطمئنة وانتصار مهم ل"الكناري"    "الخضر" يواجهون السعودية وزيمبابوي وديّاً    انتصاران هامّان لأولمبيك آقبو وأولمبي الشلف    هذا جديد "المصالحة الجبائية" والامتثال يعفي من العقوبة    منظمة الصحّة العالمية تُثمّن التزام الجزائر    ورقلة..حركية تنموية دؤوبة ببلدية البرمة    وزارة الصحة: تسجيل خمس إصابات مؤكدة بداء الدفتيريا بينها حالتا وفاة بولاية سكيكدة    الرئيس يستقبل جميلة بوحيرد    17 أكتوبر شاهد على تاريخ اغتيلت فيه القيم الإنسانية    اتفاقية بين وزارة الثقافة والجمارك    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    تكريم رئاسي لأفضل الرياضيين    ضمان وفرة الأدوية والمستلزمات الطبية بصفة دائمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عراقة الماضي، جمال الحاضر وأمنية المستقبل
نشر في الشعب يوم 13 - 11 - 2018


حفيدة الأمير.. تواصل مسيرته الوطنية
بين حاضر تعيشه وماض تتذكّره ومستقبل تعمل لتحقيقه تبلور جوهر امرأة سكنت الجزائر روحها وذاتها فكانت حركاتها وسكناتها كلها لوطن حملته أمانة ومسؤولية كبرى حتى قبل أن تولد، وسواء كانت طفلة أو مراهقة أو أم أو دبلوماسية كانت الأرض الطيبة هدفها الأول، زهور بوطالب صفحة من كتاب عنوانه الأمير عبد القادر الذي يجري دمه في عروقها تكتب عليها من خلال ما تقدّمه حياة امرأة آمنت يقينا أن جزائر الأمير لن يأفل بريقها أبدا
ولأن الإنسان لا يستطيع الانسلاخ عن ماضيه الذي صنع حاضره لا يمكن التحدّث عن زهور بوطالب دون المرور على تلك الطفلة التي عاشت داخلها منذ سنوات طويلة.
ولدت.. كبيرة
الطفلة التي لم يكتف اسمها بزهرة واحدة استجمعت زهور الحديقة كلها في كلمة واحدة، هي فتاة ولدت وسط أسرة لها من التاريخ ما يقف له المطلع عليه احتراما لما قدمته هذه العائلة العريقة من تضحيات للجزائر وللبشرية جمعاء، تلخّصت كلها في شخص الأمير عبد القادر الذي استطاع رغم صغر سنه إعلان قيام الدولة الجزائرية، هذا الزخم التاريخي الذي وجدته في عائلة الباشا آغا بوطالب كان ركيزة المبادئ الأولى التي تربّت عليها، فكانت جدّتها دائما تذكّرها بأنها سليلة الأمير عبد القادر عليها أن تحترم مسيرته وسيرته فتكون كل أفعالها تعكس العرق الطيب الذي تنتمي إليه.
تشبّعت الطفلة «زهور» القيم الإنسانية والفضائل الأخلاقية منذ نعومة أظافرها زادها انتماؤها إلى عائلة ثوار ساهموا بشكل ملحوظ في ثورة التحرير الجزائرية فكان جدها الباشا آغا بوطالب من جماعة معركة الجزائر وكان منزله في القصبة مخبأ للكثير من الأسماء المهمة مثل العربي بن مهيدي، عبّان رمضان، كريم بلقاسم وياسف سعدي، لم يخرج جدها عن مبدأ الجد الأول الأمير عبد القادر فرفع راية الدفاع عن الجزائر والإسلام كما فعل هو في القرن التاسع عشر.
هكذا ترعرعت «زهور» الصغيرة وكبرت في العاصمة بين أزقتها العتيقة التي تحمل جدرانها عبق الماضي الجميل، كانت شغوفة بالمطالعة والكتب، ففي كل تلك العناوين التي قرأتها فتحت أمامها آفاق بعيدة ومدارك جديدة تبلورت في كل صفحة تقلبها شخصية «زهور بوطالب» التي أخذت مع مرور السنوات في اتخاذ معالمها الخاصة والمميزة عن غيرها.
لم تنحرف مبادئها عن الأصالة والوطنية والقيم الإنسانية التي غرست داخلها، فكانت بحقّ صورة حيّة لاستمرارية مسيرة وطن كانت انطلاقته على يدّ شاب لا يتعدى سنه ال24 سنة، الأمير عبد القادر الشاعر، الكاتب، السياسي، المحنّك والمحارب الشرس، فضّل لقب الأمير على السلطان وحد صفوف القبائل ليكون مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة.
عقيلة السفير.. مهمة وطن
تزوّجت وأسست عائلة نقلت إليها ما أخذته عن والديها ليكونوا كما كانت استمرارية نضال تتكيف أسلحته حسب الزمان وما يعرفه من تطور، ولكن الأكيد أن سلاح العلم والكلمة ثابت لا يتغير، ثقل المهمة ازداد بعد تعيين زوجها إدريس الجزائري سفيرا للجزائر في الولايات الأمريكية المتحدة لأنها ستعمل على تعريف الأجانب بتاريخ هذا البلد ونضاله من اجل استرجاع الحرية والبناء بعد الاستقلال.
عقيلة السفير السابق عملت طوال فترة تواجدها في الولايات المتحدة الأمريكية على ترسيخ كل المحطات التاريخية التي مرّت بها الجزائر، فكانت من خلال ترؤسها عقيلات سفراء الدول الإفريقية بواشنطن بين سنتي 2003 و2004، على تمثيل الدبلوماسية الجزائرية والإفريقية وإبراز كل ما تتميز به كتاريخ مفتوح على الإنسانية، ولم تتوقف عند تواجدها في جنيف أين شغلت مناصب غير رسمية، فكانت القيم والافتخار الذي زرع داخلها في طفولتها سببا قويا للوقوف أمام أي شخصية دبلوماسية بعيدا عن شعور الدونية أو الانتقاص من شخصها لأنها على يقين أن من يملك ماضيا كذاك الذي تملكه لا يليق به إلا الوقوف شامخا فخورا بجزائريته.
في إطار نشاطها الدبلوماسي كانت «زهور بوطالب» تعمل على تمثيل الجزائر من خلال أفواج المطالعة والتاريخ بتقديم أفلام جزائرية في المناسبات التاريخية وكذا إبراز الكتاب الجزائريين، كالكاتبة آسيا جبّار التي استقبلتها بحفاوة عند حضورها إلى واشنطن أثناء تواجدها في السلك الدبلوماسي هناك، إلى جانب ترجمة تاريخ الجزائر في بطاقات وكتب وأفلام للتعريف بالثقافة الجزائرية لخلق جسور مع باقي الدول الأجنبية.
الأمير لمواجهة سياسة التخوين
لا يمكن الحديث عن «زهور بوطالب» دون التطرّق إلى مؤسسة الأمير عبد القادر التي تأسست ذات يوم من سنة 1991 بوهران، أين قرّرت رفقة العائلة وبعض المؤرخين إخراج هذه المؤسسة إلى النور من اجل الحفاظ على نقاء وصفاء التاريخ الجزائري، خاصة وأن الجزائر في تلك الفترة دخلت ما تعارف على تسميته بالعشرية السوداء حيث كان لزاما وضع لبنة لمنع طمس تاريخ أمة كاملة بسبب كل تلك المحاولات لهز الهوية الجزائرية واضمحلالها.
لم يكن هناك أعظم من اسم الأمير عبد القادر لوسمها به وربطها بهذا الرمز للتاريخ الجزائري لأنه رجل، بالإضافة إلى كونه زعيما وقائدا ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، استطاع كتابة اسمه بحروف من ذهب في تاريخ البشرية من خلال إنسانيته وتسامحه اللذين سبقا ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، رجل عظيم طلب منه أن يكون سلطان العرب إلا أنه فضّل جهاد العلم والقلم والتصوّف بعد رفعه راية الجهاد الأصغر لتحرير وطنه من المحتل.
تواجه زهور بوطالب الأمينة العامة لمؤسسة الأمير عبد القادر من خلال ما تقدّمه هذه المؤسسة كل محاولات تشويه التاريخ وكل ما يطال الرموز التاريخية التي صنعت محطات مهمة من التاريخ الجزائري، فسياسة التخوين التي أصبحت تتلاعب بالتاريخ الجزائري لا بد من مواجهته بإعطاء الأجيال القادمة الحقيقة التاريخية بعيدا عن المزايدات أو الانتقاص من حقّ أحد، لأن محاولات تكسير الجزائر وتاريخها أصبح في السنوات الأخيرة مهمة البعض الأساسية، ولسدّ الثغرة بين جيل اليوم الذي يتيه في عالم افتراضي يقدمه له بلا غربلة، إعطاءه المعارف الحقيقية والوقائع الصادقة ليتمكّن من التعرف على تاريخه من مصادر موثوقة.
البساطة.. تاجها
كان لي الشرف أن التقيت بزهور بوطالب على هامش المعرض الدولي للكتاب، جلست بقربها وكأنني في رحلة عبر الزمن أوصلتني إلى رجل كان لسنوات طويلة البطل الذي لا يضاهيه عندي أحد، وما زاد من سعادتي أكثر قدوم قريبتها فوزية حفيدة الأمير خالد فعظم افتخاري وشرفي بعائلة لم تتنازل عن المقاومة وإن اختلفت صورها فمن مقاومة المستعمر إلى مقاومة الجهل والتخلّف، إلى مقاومة التغييب التاريخي وتخوين رموزه، لكن الأكيد أن البساطة التي وجدتها عندهما تعكس التشبّع الإنساني والأخلاقي لهما ولعلّها البساطة نفسها التي جعلت الأمير عبد القادر يدخل التاريخ من بابه الواسع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.