المؤتمر العالمي لرؤساء البرلمانات:بودن يدعو الى إعادة التوازن لمنظومة العلاقات الدولية    سفير جمهورية لبنان : زيارة الرئيس اللبناني إلى الجزائر "كانت ناجحة ومميزة"    مبادرة آرت 2 : الإعلان عن حاملي المشاريع المبتكرة في الصناعات الثقافية والإبداعية    حماس تكذب ويتكوف:لن نتخلى عن السلاح إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    كأس افريقيا للمحليين : أشبال بوقرة بأوغندا للمنافسة على اللقب القاري    التقشف ضرورة.. الفاف يهدد وقرارات تاريخية منتظرة    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر2025/: الدراج منصوري يهدي الجزائر ذهبية السباق على الطريق    اختتام التظاهرة الثقافية بانوراما مسرح بومرداس..تقديم 55 عرضًا مسرحيًا على مدار أسبوع كامل    وزير الثقافة يزور الفنان القدير "قنا المغناوي" للاطمئنان على صحته    الوادي : تجسيد مشروع تدعيم الرحلات الجوية الداخلية خلال الأيام القادمة    الألعاب الإفريقية المدرسية: المنتخبان الوطنيان للكرة الطائرة الشاطئية (إناث وذكور) يتوجان بالميدالية الذهبية    البحر يواصل ابتلاع الجزائريين    فنلندا تستعد للاعتراف بفلسطين    بوغالي يتمنّى مزيداً من النجاحات    مظاهرة في ستوكهولم للمطالبة بوقف الإبادة الصهيونية في قطاع غزة    في مجال الإسعافات الأولية..تكوين أزيد من 170 ألف مواطن خلال السنوات الاخيرة    البنك الدولي : إدراج الجزائر ضمن الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل    متخصصة في الاقتصاد الطاقوي..عرقاب يستقبل البروفيسور ليلى شنتوف الباحثة الجزائرية    تجارة : تكثيف الرقابة على المواد الغذائية وشروط السلامة الصحية عبر الوطن    تصعيد الضغط على المخزن من أجل وقف استقبال سفن الإبادة الصهيونية في الموانئ المغربية    الفريق أول السعيد شنقريحة يترأس حفل تكريم أشبال الأمة المتفوقين في شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط    افتتاح الجامعة الصيفية للمنظمة الطلابية الجزائرية الحرة ببومرداس    سلسلة توثيقية جديدة تفضح الشركات متعددة الجنسيات المتورطة في نهب ثروات الشعب الصحراوي    13 وفاة و504 إصابة خلال 48 ساعة بسبب حوادث المرور والغرق والتقلبات الجوية    وزارة التربية تعلن عن تغيير مقر إيداع ملفات المصادقة على الوثائق المدرسية    تفكيك شبكة إجرامية وضبط أكثر من 178 ألف كبسولة مهلوسة بالجلفة    إبداعات تشكيلية تضيء جدران المتحف الوطني للفنون الجميلة    سكيكدة: موسم التخفيضات الصيفية يثير إقبال المتسوقين    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر 2025): السباحون الجزائريون يحصدون 6 ميداليات منها ذهبيتان في ختام المنافسة    منصب أممي لبن جامع    هذه تفاصيل عطلة الأمومة..    عطّاف يستقبل لامولا    ناصري يُطلق نداءً لوقف إبادة الفلسطينيين    واضح يُشدّد على التعريف أكثر بمفهوم المقاول الذاتي    منصة استراتيجية للتكامل وفرصة لعرض قدرات الإنتاج الوطني    مشروع استراتيجي يدعم إنتاج الغاز الطبيعي في الجزائر    دعم التعاون بين الجزائر وزيمبابوي في صناعة الأدوية    إلياس سليماني رئيسٌ جديدٌ ل"الموك"    تحذير من كارثة صحية في مخيمات النّزوح بدارفور    "فخّ" الجمال يهدد عيون الجزائريات    قمع متواصل وتشهير منظّم لتشويه سمعة الإعلاميين في المغرب    مشاريع واعدة في قطاع التربية بتلمسان    قطاع غزّة على شفا المجاعة    جدارية تذكارية تخلّد "الأحد الأسود"    المكتبة المتنقلة تُنعش الفضاء الثقافي    "الكلمة".. عرضٌ مسرحيّ يُوقظ الوعي في الشارع العنابي    النخبة الوطنية أمام رهان التألق في كل الرياضات    جانت : قصر الميزان تيغورفيت أحد المعالم الأثرية والسياحية البارزة في المنطقة    تمديد أجل إيداع وثائق استيراد وسائل التجهيز والتسيير إلى غاية 15 أغسطس الجاري    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    جعل ولاية تمنراست قطبا طبيا بامتياز    تنصيب نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمّع "صيدال"    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبن الجوزي.. أنموذجا للمثقف الخزان
نشر في الشعب يوم 07 - 09 - 2019

الوضع النفسي والشخصاني الذي عاش في كنفه الإمام الجليل أبو الفرج عبد الرحمان ابي الحسن علي بن محمد والمعروف بابن الجوزي باستطاعتنا أن نقول بأنه وضع خاص يشبه لحد ما.. ما دأب عليه كثير من المثقفين العرب المعاصرين. لحظة تعجز عن تصنيفهم ووضعهم في أية خانة مبعدا عنهم أي تخصص في مجال معين. فهم موسوعيون وشاملو معرفة ينهلون من كل بئر وبحر. لكنهم في الأخير تراهم قد فازوا بميزة منفردة وهي حسن الخطابة وحذاقة النطق والتحدث في المجالس بقوة وثقة مفرطة.
هذا ما ينطبق على ابن الجوزي الذي كان واعظا لا ينافسه أحدا. في هذه الهبة الإلهية ونعمة الفراسة التي جعلت منه حكيم زمانه ويُكنى بالإمام الجليل. كيف لا وهو القائل:»إذا تكامل العقل قويّ الذكاء والفطنة ...والذكي يتخلص إذا وقع في آفة أما المغفل فإنه يجني على نفسه». إنه الحافظ والمفسر والواعظ والأديب جوزيُ المولد أي من جوزة قرب نهر دجلة بالعراق.
عاش يتيم الأب منذ الثالثة من عمره فكفلته عمته التي أرسلت به إلى مسجد الشيخ الإمام أبي الفضل ابن ناصر ...قال في أشهر كتبه الذي هو صيد الخاطر( إني رجل حُبِب إليّ العلم فاشتغلت به. ولا تقتصر همتي على فن على بعضه فأروم استقصائه...والزمان لا يتسع والعمر أضيق...والعجز يُقعد) وزيادة على أنه تتلمذ على 86 شيخا فقد عاش زاهدا لا يخالط الناس ولا يعرف غير البيت أو الصلاة يوم الجمعة.
كان أبوه تاجرا في النحاس ترك له ثروة طائلة مكنته من مواصلة طلبه للعلم لدرجة أنه بني مدرسة بمنطقة درب دينار وأسس بها مكتبة يسيرة...نموذج فريد إذا ابن الجوزي ممن فدوّا أنفسهم للمعرفة...حيث تقول كثير من الأخبار التي نقلت سيرته أن مجالسه كان يصل عدد متتبعيها إلى مئة ألف منهم الوزراء والأمراء ...وجاءت اللحظة التي يوشى به...فغضب عليه الحاكم وعاش تحت الإقامة الجبرية لمدة خمس سنوات كاملة...ثم تضيف المصادر بأن جنازته لم يكن أحد يتوقع ذاكم الحشد الذي ضمته.
وبعض القراء يخلطون بينه وبين ابن قيم الجوزية لتشابه الأسماء. وهذا خطأ متباين...لأننا مع أديب من مدينة واسط سخر كافة طاقته للتحصيل وغالبا ماكان يشتكي من قصر الزمان ولهفته منقطعة النظير في التشبع بالعلوم...وقد تعلمنا من كتابه الشهير صيد الخاطر أن الكاتب الحقيقي لابد له أن يضع مسودات ومذكرات لأجل أن يسجل بها كل خواطره التي ربما البعض لا يضع لها حساب فهي مهمة في كذا من مناسبة. وهذا مافعله ابن الجوزي مع كثير من الأفكار الطائرة المسافرة حين يلتقطها لأنها مرت بالبال ويضع لها ألف شأن...ثم نمر على كتابه تلبيس إبليس...الذي نتعلم منه..كيف يدخل الشيطان ويتجول مجالس الحكام والساسة ويوسوس لهم عن الموبيقات والشرور.... ثم في النهاية يقودهم للأحكام السيئة والمظالم ..فنتسائل ونحن نعيش القرن ال21...ماذا لوعاش بيننا هذا الأديب وهو مجهز بأحدث التقنيات والوسائل التي ستمكنه من التواصل المعرفي أي بنفس الطاقة والرغبة والجموح الذي كان يملكه...أكيد أن عبقريته لا نجد لها وصفا أو تسجيل.. بحجة أنه ليس من طينة المثقفين العضويين أي الفاعلين داخل المجتمع كما يقول غرامشي إنما هو مثقف مشحون بالخيالات والتصورات المبدعة ومخزون كلما تقدم به العمر كلما زاد حجمه وتأثيره على محيطه..
كيف لا وهو من كتب بيده قرابة الألف مجلد هذا المجهود بالطبع لا يستهان به ويجب أن يؤخذ في حسبان عبقرية هذا الرجل البغدادي... الذي أفنى حياته في الشحن والعطاء وكان يتضرع للسماء بأن عمر الانسان قصيروكل رغبته أن ينهل من فن وعلم..حتى يلبي عطش تلك الروح التواقة الراغبة دوما في التحليق والسفر عن حقائق الأشياء والمكنوزات... ما عسانا إلا أن نلقي التحية تلو الأخرى لهذا النوع من الرجال الذين لم تغنيهم مفاتن الدنيا عن طلب العلم وإجبار ذواتهم على الزهد وذلك لأجل هدف سام وهو الإعلاء من قيمة العلم والمعرفة. والميزة الأخرى الأهم أنه سخر كل ماله لأجلهما. وهذا يدل بحال من الأحوال أنه كان صادقا وصافي السريرة.. لاهمّ له أو غاية إلا بما سيتركه من أثر أدبي وفكري وإنساني.
شاعر وصحفي جزائري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.