إذا تتبّعنا اتجاهات الميزان التجاري للجزائر في الفترة الممتدة من 1990 إلى 2010 حسب المعطيات الواردة من المركز الوطني للإعلام والإحصاء، نلاحظ حسب تشريح الدكتور زراري بلقاسم في لقاء خاص ب “الشعب الاقتصادي”، أن منحى تطور الميزان التجاري يسلك نفس منحنى الصادرات الجزائرية، ممّا يدل على علاقة ارتباط موجبة بين المتغيرين على المدى القصير، المتوسط أو البعيد نظرا لاعتماد الجزائر على مصادر مورد واحد وأساسي وهو البترول. هذا وكشف الدكتور زراري بلقاسم أستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة وهران، أن الاقتصاد الجزائري يعيش حسب مصطلحات الأدبيات الاقتصادية مرحلة “الانتقال الدائم”، فما هو بالاقتصاد المفتوح وما هو بالاقتصاد المخطط، ممّا يصعب عملية التحول وتكييف منظومة الإنتاج مع المعايير الدولية، موضحا أنّ الاقتصاد الجزائري اقتصاد يتميز بكل صفات وخصائص الاقتصاديات النامية، ثم أنّه اقتصاد غير منوّع يعتمد على إيرادات النفط، وهما من بين المشاكل الأساسية التي تجعل منه عرضة للصدمات الخارجية الناتجة عن تذبذبات مداخيل المحروقات، مع العلم أنّ الميزان التجاري أو حساب السلع أو ميزان السلع تحتوي على العمليات الخاصة بصادرات وواردات الدولة من السلع. وتيرة تصاعدية للأعوام الخمسة القادمة وتشير توقعات الدكتور حسب لغة الأرقام الكاشفة والمستجدات العالمية ومختلف المعطيات الاقتصادية، إلى أنّ الميزان التجاري الجزائري سيحافظ على نفس الوتيرة التصاعدية للأعوام الخمسة القادمة بفعل الاتجاه إلى تعافي الاقتصاد العالمي، وبرنامج دعم الاقتصاديات الأوروبية ذات العجز، إضافة إلى توقع انخفاض في أسعار سلع الاستهلاكية ورغبة الدول المصدرة الأساسية في الأوبك على الاحتفاظ بسعر عادل للبترول وهو 100 دولار للبرميل، موضحا أن تطور الميزان التجاري على المدى المتوسط والطويل يخضع أولا إلى الميزان التجاري، الذي يؤثر على معدل التغطية وإلى مستوى أداء الصادرات، الذي يخضع بدوره إلى استقرار أسعار البترول. وهي مجموعة من المتغيرات المهمة والمؤثرة يقول الأستاذ زراري إضافة إلى مستوى أداء الصادرات الجزائرية الذي يسيطر عليه بنسبة كبيرة قطاع المحروقات، وتخضع بدورها يضيف للعديد من المتغيرات التي لا نتحكم فيها، كعدم استقرار مستويات الأسعار لأسباب عديدة، أهمها انخفاض الطلب على مستوى الأسواق العالمية، التوترات السياسية، منطقة الشرق الأوسط ونقص الإمدادات والمضاربات الدولية، التعافي العالمي من الأزمة المالية، مشكلة الديون السيادية في أوروبا. وبالتالي، يوضّح الدكتور فإنّ زيادة مستوى الصادرات سيؤدي إلى زيادة الفائض على مستوى الميزان التجاري والعكس صحيح، كما أنّه يؤدي إلى ارتفاع في مستوى الإيرادات وزيادة في دخول العملات الأجنبية للدولة المصدرة، ناهيك عن السياسات المتبعة من طرف السلطات العمومية توسعية أو انكماشية ممّا يؤثر على مستوى الاستيراد. وعرف الميزان التجاري إذا دققنا كثيرا في الإحصائيات المتوفرة يقول المتحدث فائضا طيلة السنوات الأربعة الأولى من الفترة 1990 إلى 1993، غير أنّه ما لبث أن تراجع رصيده من 4420 مليون دولار أمريكي عام 1991 إلى 1303 مليون دولار أمريكي عام 1993، ويعود هذا الانخفاض كما أشرنا أعلاه إلى تراجع قيمة الصادرات من المحروقات، ثم عرف هذا الرصيد تراجعا حادا عام 1994 يفسر تزامنا مع فترة التحرير التام للتجارة الخارجية، ثم لتتراجع قيمة الرصيد التجاري عام 1995، ويرجع ذلك إلى تراجع حصيلة الصادرات فترة تراجع سعر البترول من 20 دولار للبرميل الواحد عام 1991 إلى 16 دولار عام 1994. أما السبب الثاني فيرجع حسب مداخلة الدكتور الأستاذ المتحدث من جامعة وهران، إلى ارتفاع مستويات خدمة المديونية الخارجية الجزائرية. وبعد عام 1995 عرف الميزان التجاري تحسنا ملحوظا بعد تحقيق فائض تجاري مهم نتيجة تحسن أسعار البترول في الأسواق العالمية عام 1997، إضافة إلى سياسة الحد من الواردات، غير أنه تراجع في عام 1998 لتراجع سعر البترول إلى مستوى 3 . 12 دولار للبرميل. إلاّ أنّه تم تجاوز هذا العجز ابتداء من عام 1999 و2000 (وصلت أسعار البترول إلى 28 دولار)، ثم تراجع بعدها رصيد الميزان التجاري على مدى سنتين إلى غاية 2003، أين سجل فائضا ليبقى بعدها هذا التحسن يقول في مستوى الفائض بمستويات مختلفة إلى غاية 2008 رغم تراجع الطفيف عام 2007. أما في عام 2009 فقد عرف الميزان التجاري تراجعا في قيمته، ويرجع ذلك إلى تراجع سعر البترول إلى مستوى 47 دولار (اتخاذ قرار من طرف منظمة الأوبك بتخفيض مستوى الإنتاج)، وإلى ارتفاع فاتورة الاستيراد نتيجة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في العالم نظرا للأزمة المالية التي عرفها الاقتصاد الأمريكي، وأثّرت كثيرا على الطلب العالمي وعلى أسواق السلع في العالم. أما في عام 2010 وعام 2011، فعرف الميزان التجاري تحسنا أرجعه المختص المتحدث إلى عودة التحسن لأسواق البترول الذي تجاوزت 100 دولار، وما يحدق في العديد من المناطق في الشرق الأوسط (نقص الإمدادات)، وهو ما سبق وأن فصّلنا فيه أعلاه. ويظهر الجدول التالي تطور الميزان التجاري في الجزائر من الفترة 1990 2010 بملايين الدولارات حسب معطيات المركز الوطني للإعلام والإحصاء