دعا الخطاط عيسى يحي دودة في حديث ل”الشعب” إلى ترقية الخط العربي في الجزائر إلى تخصص قائم بذاته، مشيرا إلى أن موجة الاهتمام بالخط العربي قد بدأت تتزايد منذ 10 سنوات، لكنه لم يصل إلى الوتيرة المطلوبة، بسب الجهات الوصية من جهة، والعائلات التي لا تعطي الاهتمام الكافي للفن بصفة عامة، وتعتبره ملهاة عن الدراسة التي تعتبر أولى من الفن. كيف ترى واقع الخط العربي في الجزائر، ومدى الاهتمام بالخطاطين؟ بداية أشكر جريدة “الشعب” على هذه الالتفاتة، وأقول إن موجة الاهتمام بالخط العربي في الجزائر بدأت تتزايد منذ 10 سنوات، من خلال تنظيم الأيام الوطنية لفن الخط الذي تحتضنه بسكرة منذ 03 سنوات، إلى جانب تنظيم ورشات تكوينية بالمدية، حيث توج هذا الاهتمام بإقامة مهرجان دولي للخط العربي في الجزائر، وهو فريد من نوعه في المغرب العربي، أين انطلق مع احتفالية الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، وكانت الدورة الأخيرة بمناسبة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية. إلا أن الجهة المنظمة وهي المتحف الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط لاحظت أن الاهتمام بالخط العربي كان على حساب الخط المغربي، الخاص بمنطقة المغرب العربي، لأن التنافس كان في مجمل الخطوط، حيث كان الخط المشرقي يحضر بقوة، وهنا نستطيع أن نقول بأن الاهتمام بالخط العربي إجمالا زاد، ولكن الاهتمام بالخط المغربي هو في تناقص، لذلك جاءت هذه الورشة التكوينية التي أشرف عليها بالمتحف الوطن للزخرفة والمنمنمات وفن الخط في إطار تفعيل الاهتمام بالخط المغربي، وإعطائه المكانة اللازمة والتاريخية. لكن ما يلاحظ في الجزائر هو الاهتمام بالخط المشرقي على حساب الخط المغربي، بالرغم من أنه يعتبر فنا خاصا بمنطقة المغرب العربي؟ هذا صحيح، وذلك يعود لعدة اعتبارات، أولا أن تعلم الخط المشرقي إلى حد ما، أسهل من الخط المغربي، لوجود الخطاطين الممارسين لهذا الفن بكثرة في المشرق العربي، وكذلك توفر الكراسات التعليمية بجودة عالية، على عكس المغرب العربي الذي تكاد لا تجد فيه كراسة أو كراستين لتعليم الخط، إضافة إلى ذلك وسائل التكنولوجيا، وأقصد هنا الانترنيت، فمعظم المواقع التي تم تأسيسها والتي تعنى بواقع الخط العربي هي من المشرق، كذلك المسابقات الدولية الرائدة في هذا المجال كانت في تركيا وإيران ثم لحقت بهما الجزائر، ولكنها بقيت متفتحة على جميع الخطوط وليس فقط على الخط المغربي، إلى جانب كل هذه الإشكاليات الفنية التي يعاني منها الخط المغربي، هناك عدة أشياء مبهمة في تاريخه، من ناحية طريقة تعلمه، والقواعد التي يرتكز إليها المتعلم، وهو ما جعل منه وكأنه شيء غامض ومخيف، وأصبح المبدعون الشباب يتوجهون بصفة أكثر إلى الخط المشرقي. نحن نحاول أن نعالج هذا العائق، فقد بحثنا في تاريخ الخط العربي، في اشكالياته الفنية والمعرفية، حاولنا تقديم مجموعة من الحلول الابستمولوجية، مازلنا في بداية الطريق ولكن سنحقق طموحنا الكبير في هذا المجال إن شاء الله. المهتمون بهذا المجال يؤكدون غياب جمالية الخط العربي في المدارس الجزائرية، بسبب عدم الاعتماد على القواعد الأساسية لهذا الفن؟ في المنظومة التربوية، بدء من الابتدائي إلى المتوسط كانت هناك مادة “الخط” ثم ألغيت، لتدرج بعدها في نشاط الرسم، لتهمل بدورها. الآن أضحى الاهتمام قليل جدا بالخط، لأننا مازلنا كجهات وصية من جهة، وكأسر وكمتعلمين لا نعطي الاهتمام الكافي للفن بصفة عامة، لأننا نعتبره ملهاة عن الدراسة، وبأنها أولى من الفن، على عكس الدراسات الحديثة التي تقول إن الإنسان الذي يمارس هواية إلى جانب الدراسة يحدث له نوع من التوازن النفسي، الذي يشجع على العطاء بصفة أكثر، وأصحاب المواهب الفنية هم أصحاب العطاءات في الدراسة. ربما الصورة بدأت تتغير بصفة تدريجية، لكن ليست بالوتيرة التي نريدها ونبحث عنها، أما فيما يخص مدرسة الفنون الجميلة، فللأسف الخط فيها كمادة ثانوية، وليس كتخصص. تاريخيا كانت الجزائر قوية جدا زخرفيا على حساب الخط، على اعتبار أن الجزائر كانت هي المدرسة الثالثة عالميا بعد تركيا وإيران في قوة الزخرفة، سيما في زمن محمد راسم ومحمد تمام.. لكن للأسف الشديد الزخرفة تراجعت في الجزائر كثيرا، والخط بدأ يتقدم بخطوات أفضل من الزخرفة، ولكن ليس بالوتيرة المطلوبة. لذلك الجهود التي تنتظرنا في هذا المجال كبيرة على صعيد الزخرفة التي تدرس كتخصص في بعض مدارس الفنون الجميلة، أو الخط العربي الذي يعتبر كمادة على أمل ترقيته إلى تخصص قائم بذاته. قلت بأنه تنتظركم جهود لترقية الخط العربي إلى تخصص قائم بذاته، هل انطلقتم في وضع إستراتيجية لذلك؟ على مستوى المجهودات التي يقوم بها الخطاطون بأنفسهم، يتم تنظيم الأيام الوطنية ببسكرة، والتي تجمع كل الخطاطين الجزائريين وتقام فيها مسابقات بين المواهب الشابة، حيث يؤطرها أساتذة من الجزائر، كذلك الدورات التي تقام بالمدية، أين نظمت ستة دورات متتالية، والدورة السابعة على الأبواب. إضافة إلى بعض النشاطات الفرعية التي تقام على المستوى الجهوي أو الولائي، وتدريس الخط العربي، لا سيما للأطفال في مختلف دور الثقافة والشباب من طرف الخطاطين الشباب. فمثلا على مستوى ولاية الأغواط لدي بين 40 إلى 50 طالبا من 10 إلى 17 سنة، وعلى المستوى الدولي هناك المهرجان الدولي للخط العربي الذي يقام كل سنة، ونحن بصدد التحضير للدورة الخامسة. هذه المجهودات أتت بثمارها بالنسبة للخط بصفة عامة، أما بالنسبة للخط المغربي أقول بأن هذه الجهود قدمت فن الخط بصفة عامة وأخرت الخط المغربي إلى الوراء، لأنه كما ذكرت أصبح الخطاطون يميلون إلى الخط المشرقي أكثر. ما هي الرسالة التي يمكن أن يقدمها الخطاط من خلال هذا الفن؟ الخطاط أو الفنان بصفة عامة له مجموعة من الرسائل، ولكن أرى أن الفنان لا يجب أن يحل محل الموجه أو المربي أو حتى السياسي والرياضي. بل هدفه الأول أن يقدم شيئا فنيا حضاريا يستمده من شخصيته وهويته، أو بصفة أخرى يؤسس لأن تكون شخصيته موجودة في حلقة التاريخ، لا أن يحل محل الموجه والمربي اللذان لهما أدواتهما، وإن كانت لا تخلو الرسالة الفنية من التوجيه والتربية، ولكن الهدف الأول هو إنتاج مادة فنية حضارية تذكر هذا الفنان أو البلد الذي ينتمي إليه، على أنه ساهم في حركة وصيرورة الحضارة الإنسانية، ولا ينظر إليها بنظرة ضيقة دينية أو عرقية أو جهوية، أو ما إلى ذلك. يجب على الفنان أن يكون منطلقا، متحررا، همه الإنسانية والتسامح وكل المبادئ التي تشترك فيها البشرية جمعاء.