يطرح تصوّر الإستقلال في عيون الشباب العديد من المسائل التي تستدعي التطرّق لهذه الزاوية من منظور الشباب وانطلاقا من اهتماماته المتعدّدة، طموحاته وآماله في مستقبل أفضل يتوافق وتطلعاته ويعظم حجم تضحية الشهداء من أجل نيل استقلال هذا الوطن. تعود الذكرى التاسعة والخمسون لعيدي الإستقلال والشباب ويستعيد من خلالها الجزائريون جهاد آبائهم وأجدادهم على مدى قرن واثنان وثلاثون سنة، ضحوا خلالها بالنفس والنفيس لاسترجاع الإستقلال والسيادة على أراضيهم، تعود هذه المناسبة كما يقول الدكتور أحمد جعفري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة غرداية، والجزائر تخوض تحديات صعبة على جبهات مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية، تراهن على شبابها في سبيل تجاوز تلك التحديات والأزمات. وبهذا الصدد، يعتبر المتحدث يوم استعادة السيادة الوطنية وإن كان يوما عظيما وجلل، يوم الميلاد الثاني للدولة الجزائرية، لافتا إلى أن مرحلة البناء وتحقيق الذات تحتاج إلى جهود بضعف حجم تلك التضحيات، بهدف وضع الجزائر في مكانها الطبيعي إقليمياً ودولياً، ولا شكّ أنّ هذا التحوّل الذي لم تكتمل معالمه بعد، تقع مسؤوليته الأكبر على عاتق الشباب، هذا الشباب الذي يحتفل بعيده مع ذكرى الإستقلال. لذلك - يضيف محدثنا - فإن هذا الاقتران يحمل في مضمونه عظم المسؤولية المنوطة بهذه الفئة، مسؤولية لا تقل شأناً عن تلك التي حملها بن مهيدي وبن بولعيد وغيرهم من شباب الثورة مع تغيّر الزمن واختلاف سبل النضال. ويؤكد الدكتور جعفري، أن السؤال الذي نطرحه اليوم ما الذي تمثله ذكرى استرجاع السيادة الوطنية لشباب اليوم وما مدى وعي هذا الشباب بعظمة ذلك التاريخ؟. ويقول، إن معالجة هذا السؤال مركّبة ومعقدة ولا تَتأتّى من منظور واحد أو رؤية ظرفية، وإنما وجب علينا أن نستجلي الإجابة في معرفة المسافة الفاصلة أو الجامعة بين الشباب ومختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، العلمية وإدراك مدى تأثيره فيها وتأثره بها. ويوضح، أنه إذا كان الشباب الجزائري وهو المكوّن الرئيسي لفئات المجتمع، يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، بقدر الأحلام التي يرسمها لمستقبله ومستقبل بلاده، فلا شكّ أن تعامله سيكون إيجابيا، إنْ توفرت له البيئة المُثلى، ووجد إرادة حقيقية في منظومة القرار تخوِّلُ له تجسيد تلك الآمال والطموحات. ذكر الأستاذ جعفري، أن محطات سياسية عديدة مرّت بها الجزائر منذ استقلالها وكان أحدثها بالعودة لتاريخ 22 فيفري، حيث كان الشباب عماد ووقود الحراك المبارك الأصيل، والذي أثبت بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ الشباب الجزائري واعٍ بقدر كافٍ بجميع الأحداث الداخلية والخارجية المحيطة ببلاده وهو مستعد للدفاع عنها اليوم كما دافع عنه أجداده بالأمس القريب، حتى وإن اختلفت طرق الدفاع ووسائله، وتجاوب دوماً مع النداءات والشعارات السياسية بغض النظر عن مدى جديتها وفي مقدمتها شعار تسليم هذا المشعل الذي طال انتظاره وأضحى الشباب معه مشيباً وهو شعار حق أريد به باطل. ويقول: «حتى وإن لمسنا نيّةِ التغيير الفعلية لدى دوائر الحكم والتي بدت بعض ثمارها في استحواذ الشباب على حصة من مقاعد المجلس الشعبي الوطني، غير أنّه وجب أنْ نأخذ في الحسبان عملية التصحير السياسي التي مارسها النظام السابق لسنوات وتداعياتها على هذا التغيير». ومن الجانب الإقتصادي والإجتماعي، أبرز محدّثنا أن الشباب يرفع ولا يزال شعارات تحقيق الكرامة من شغل وسكن.. وهي مطالب تقليدية لا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات، خاصة على ضوء الظروف الإقتصادية الصعبة جرّاء الوباء وانخفاض أسعار النفط وتراجع حجم استخراجه، وعلى الرغم من أن الجزائر تجاوزت بعضا من آثار تلك النازلة بحنكة اقتصادية، فإن آثار تلك المطالب المزمنة تدعونا إلى ضرورة إيجاد حلول استعجالية تتجاوز بعضاً من آثارها، خصوصاً إذا علمنا أن قوافل الحرقة تزيد أعدادها وتتعدّد وجهاتها يوما بعد يوم وهي لا تقتصر فقط على الشباب العادي الذي يئس من تحقيق ذاته في بلده، بل تعدّته إلى العالم والطبيب والمهندس والقائمة تطول. وفي الجانب الثقافي والتربوي يواجه شباب الجزائر اليوم تحديات أصعب وأشد، كون البعض منها أضحى يشكّك في هويته وتكوينه وتاريخه ويمسّ برموزه وقدواته، وهو أمرٌ ليس بالجديد فقد عرفت الجزائر حالات مشابهة كلما كان هنالك تحوّل سياسي أو تغيّر في القواعد التي تحكم الدولة في علاقاتها الخارجية، وتفادياً لتأثير تلك الدعوات المغرضة كان لزاما على الدولة الجزائرية، أن تستثمر في الشباب عن طريق تكوينه وتحصينه علميا وتربوياً وثقافيا والتمكين لمنظومة تعليمية هادفة ومنتقاة تربط الشاب والمتعلم بماضيه وتستهدف حاضره وتستشرف مستقبله، وتسمح له باستلام المشعل لبناء جزائر الغد واقعاً لا حلماً أو شعاراً.