فرصة لاستشراف غد الأمة في الألفية القادمة تنعقد القمة العربية بالجزائر في تاريخ استثنائي شهر نوفمبر تلفه رسالة الشهداء، رسالة تواصل وبناء لتقريب وجهات النظر من أجل عمل عربي مشترك يؤسس لمنطقة عربية تؤدي دورا في صناعة القرار الدولي، في ظروف جيو استراتيجية خاصة جدا تجتمع 22 دولة عربية بالجزائر، لاغتنام فرصة لن تتكرر لوضع لبنات تكتل عربي يتأتى من خلال إعادة تقييم مسارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتقويم ما يجب أن تكون عليه المنطقة خلال الألفية القادمة، باستشرافها لغد جديد وقوي للأمة العربية. قمة أعادت القضية الأم الى حضنها العربي، وأعطت الأولوية لأمن المواطن العربي من خلال أمن مركب يشمل الأمن السياسي، الاقتصادي الغذائي والاستراتيجي. وصفت أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتورة نبيلة بن يحيى القمة العربية في الجزائر بالفرصة القوية جدا ل 22 دولة عربية المشاركة فيها، فالجزائر تسعى من خلال دبلوماسيتها جمعها وتقريب أفكارها وحلها لبعض القضايا المطروحة على الأقل بطريقة تدريجية، فهي تسعى بمقاربة توافقية بين الدول العربية بالرغم من اختلاف الأنظمة السياسية العربية، معتبرة هذا الاختلاف بمثابة إثراء لبنية الأنظمة السياسية العربية من أجل تزكية العمل العربي المشترك. فرصة لا تتكرر وتحدد بن يحيى العمل العربي المشترك في جزئيتين الأولى مقاربة الأمن الشامل بما فيه الأمن الغذائي والطاقوي والثقافي، أما الثانية فتتعلق بالعمل الجماعي بين الأمن والعمل الجماعي، بغية تسهيل العمل العربي المشترك، فكل دولة عربية لديها منظورها الاقتصادي الخاص، والجميع يعلم أن العلاقات البينية بين الدول العربية مجتمعة تكاد تكون منعدمة حسب آخر إحصاءات صندوق النقد العربي الذي حددها بنسبة 13 بالمائة، رقم ضئيل جدا مقارنة مع ما تملكه هذه الدول من قدرات وإمكانات مادية وموارد أولية من معادن وطاقة كالبترول أو الغاز والمعادن الثمينة أو النادرة، بالإضافة الى معادن أخرى، وطاقات متجددة. في هذا الصدد، قالت الدكتورة إن كل هذه المقدرات والإمكانيات تؤهلنا كدول عربية لرفع العلاقات البينية فيما بينها، والجزائر تسير ضمن هذا السياق خاصة وأنها تتبنى في مقاربتها تنويع شركائها وتنويع اقتصادها، مفيدة "نحن نعيش أحداثا إقليمية ودولية من أجل صياغة أدوار جديدة في بنية النظام السياسي الدولي وصناعة القرار السياسي الدولي. لذا ستكون القمة العربية ضمن هذا السياق من خلال إعادة النظر في نظام اقتصادي دولي جديد يخدم قضايا الأمة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والليبي، متسائلة عن أي دولة من الدول العربية لا تعيش اليوم أزمة في جوارها الإقليمي وحتى في عمقها الاستراتيجي. تلك المعطيات الجيو ستراتيجية - حسب المتحدثة جعلت من قمة الجزائر فرصة سانحة لكل الدول العربية لإعادة تقييم مسارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتقويم كذلك ما يجب أن تكون عليه هذه الدول، خلال الألفية القادمة. نَفَس جديد أكدت الدكتورة في حديثها مع "الشعب" أن قمة الجزائر متميزة جدا عن 44 قمة سابقة سواء كانت عادية، استثنائية أو طارئة، وعلى الرغم من أن هذه القمة 31 العادية تعطلت بسبب أزمة كورونا، إلا أنها تشكل اليوم فرصة لكل الدول العربية حتى تتقارب فيها وجهات النظر، وتتصالح مع ذاتها، لتحاول هذه الدول إعداد رزنامة عمل تكون في صالح شعوبها، ولِمَ لا تؤسس لعقد سياسي واجتماعي، فما يقارب من 400 مليون نسمة تشكلها الشعوب العربية مجتمعة تنتظر ليس توصيات من الجامعة العربية بل قرارات لصالح المواطن العربي الذي تتقوى من خلاله هذه الأنظمة السياسية. ونسعى من خلال القمة كعرب الى أن يكون لنا صوت في هذا النظام الدولي المتحرك بكل تعقيداته الجيوستراتيجية، وبكل تركيبته المتناقضة في كثير من الأحيان. وتؤكد المتحدثة أن الدول العربية قادرة ولها من الإمكانات التي تؤهلها لاستدراك الكثير من النقائص، من أجل بعث نفس جديد لهذه الأمة. في الوقت نفسه، أوضحت أن القمة فرصة لن تتكرر بالنسبة للدول العربية التي تجتمع في هذا الشهر العظيم على أرض الشهداء لتقييم ذاتها وتقييم مسارها السياسي والاقتصادي، وبعث مشروع تنموي لصالح هذه الدول، خاصة أن بعض هذه الدول تحتاج الى إعمار وإعادة بناء خاصة تلك التي كانت ضحية ما سمي ب«ثورات الربيع العربي" التي أهلكت المواطن العربي حوّلت الملايين منها الى لاجئين. وترى بن يحيى أن الدول الغربية تعيش أزمة، فالاتحاد الأوروبي يحاول لملمة ذاته من أزمة الطاقة الغاز تحديدا، واقع يفرض على القادة العرب من خلال هذه القمة النظر والتأمل جيدا في جدول الأعمال الذي يحمل قضايا مهمة للمنطقة، صحيح أنها ثقيلة لكنها مهمة تستشرف لغد جديد وقوي للأمة العربية باجتماع 22 دولة في الجزائر. أما فيما يتعلق القضية الفلسطينية المركزية أهم ملفات القمة العربية، سجلت الدكتورة أن الجزائر قبل انعقاد القمة قامت بخطوة جبارة للمّ الشمل الفلسطيني من خلال التأكيد على وحدة الصف الفلسطيني بإعلان الجزائر الذي يحمل تسعة بنود واضحة جدا، فلما اجتمع 14 فصيلا فلسطينيا بكل تياراته السياسية في الجزائر حملتها هذه الفصائل المسؤولية لتعيد الالتفاف حول القضية الفلسطينية جوهرية وهي تحرير فلسطين. كما أن القضية الفلسطينية ليست مسؤولية الشعب الفلسطيني وحده أو السلطة الفلسطينية أو هذه الفصائل، بل هي مسؤولية كل الدول العربية، وبالتالي أعادت هذه الخطوة القضية المركزية إلى حضنها الطبيعي وهو الأمة العربية، وترى انه لا فصل بين القضية الفلسطينية وهذه الدول. أما الملف الثاني الذي وصفته بالأكبر فإنه يخص الأمن الغذائي، فالكثير من الدول العربية اليوم تعاني الجوع المدقع والجفاف من بينها الصومال، جيبوتي والسودان، ولبنان اليوم الذي يعيش اليوم على أطراف أزمة سياسية واقتصادية كبيرة جدا ونفس الشيء بالنسبة لليبيا. ويعتبر الأمن الغذائي من المرتكزات الأساسية في بلورة مفهوم مرتبط بالمنطقة العربية، خاصة وأنها تضم الكثير من الأراضي الخصبة في الوطن العربي، تستطيع عند استغلالها الناجع أن تكون سلة الغذاء للدول العربية مجتمعة ولِمَ لا العالم، فأزمة أوكرانيا أبانت لنا عن الواقع الحقيقي للدول العربية التي تعتمد الاستعانة أو الاستمالة أو الانتظار لتأكل الغذاء من عندها. لذلك من الضروري مناقشة القمة لموضوع الأمن الغذائي ببلورة وإعادة النظر في مفهوم التنمية، وأن تكون لنا مرحلة من الاكتفاء الذاتي بصناعة غذائنا واقتصادنا، والملاحظ وجود تنويع اقتصادي جد مهم فيما يتعلق بالطاقة، فاليوم كل الرهانات الأوروبية وبعض الدول خاصة المتضررة من الأزمة الأوكرانية أصبحت تعتمد بقوة على الطاقة العربية المصدرة للبترول والغاز، بما فيها الجزائر. وعليه، "نحن اليوم أمام فرصة جد إستراتيجية لن تتكرر، الممكن فيها متاح والأفضل نستطيع صناعته إذا توفرت إرادة سياسية جامعة، هذه القمة هي قمة إجماع وتوافق حتى وان اختلفنا في بعض القضايا، لكن لا بد أن نتفق -على الأقل - على تأمين الضروريات الإستراتيجية خاصة الأمن الغذائي الذي يدخل ضمن الأمن الإنساني بصورة شاملة، لكن لا بد من التحدث اليوم عن أمن الإنسان العربي الذي هو ضحية نزاعات وحروب وتدخلات أجنبية والكثير من المعطيات التي جعلته سجين هذه الرهانات التي لا تخدمه". وأفادت بن يحيى أن الشعوب العربية تأمل في أن تكون مخرجات القمة في صالح 22 دولة عربية لتستفيد من طاقاتها وتفكيرها البَنَّاء، ومن تواصلها الإيجابي لبعث على الأقل مشروع العمل العربي المشترك في إطار حسابات أكثر واقعية وبراغماتية، حتى نهتم بشؤوننا الداخلية وبعلاقتنا البينية التي يجب أن نرفع من مستوياتها لنُحسِّن من ظروفنا على كل الأبعاد اقتصادية كانت أو سياسية أو أمنية أو غيرها. نجاحا متألقا وعن المشككين في نجاح القمة العربية المنعقدة بالجزائر، أكدت أنها ناجحة حتى قبل انعقادها قياسا إلى الالتفاف القوي في اجتماع الجامعة العربية مع وزراء الخارجية للدول العربية في الأيام الماضية، خاصة وان الجزائر قدمت جهودا معتبرة من وسائل مادية، بشرية وبتغطية إعلامية متفردة حتى بما فيها وجود الإعلام الدولي العربي والأجنبي، حيث عبر صُحفيوها عن انبهارهم اتجاه النشاط المكثف من أجل أن تكون كل الظروف مساهمة ومساعدة لإنجاح هذه القمة المنعقدة 1 و 2 نوفمبر الجاري. وطبعا اليوم رهان المنطقة رهان الأمن القومي العربي على مستويات عدة من اجل تسوية الكثير من القضايا الأمنية او السياسية، لذلك رجحت الأستاذة أن يكون موضوع التنمية المستدامة من أهم المؤشرات التي ستنجح هذه القمة. وأبرزت "ستظل رسالة الشهداء ترافقنا حتى في القرن 21 من أجل أن تكون لنا دوما رسالة إيجابية هي رسالة تواصل وبناء على جميع المستويات، ودعما للأمن الإقليمي العربي وتوصيلا وتأكيدا على أننا مستعدين لان يكون لنا دورا في صياغة القرار السياسي الدولي، فكل المؤهلات الموجودة من خبرات والمهارات والإمكانيات موجودة سواء بقدراتنا الطاقوية أو التكنولوجية أو تعلق الأمر باقتصاد المعرفة أو الذكاء الصناعي أو التكنولوجيات الحديثة جدا نحن على مستوى هذا الحدث وعلى مستوى التطور الذي تواكبه الدول العربية لحظة بلحظة، لذلك القمة العربية ناجحة قبل انعقادها وسيكون نجاحا متألقا بعد انعقادها".