أشرفت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، أول أمس الخميس، بقصر الثقافة مفدي زكريا، على فعاليات المنتدى الفكري الموسوم ب «مالك بن نبي ومسألة الثّقافة»، المنظّم من طرف المكتبة الوطنية الجزائرية، بالتنسيق مع الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، حيث عرف الحدث على غرار تقديم محاضرات متبوعة بنقاش حول المنتوج الفكري والثقافي لمالك بن نبي، عرض فيلم وثائقي قصير حول مسيرة الرجل، ليتخلّل اللقاء الذي عرف حضورا مكثّفا، تقرير لجنة التحكيم عن مسابقة البطولة الوطنية للقراءة مالك بن نبي، إلى جانب توزيع الجوائز على المتوّجين في ذات البطولة. استهلّ المنتدى بجولة حول معرض لأهم صور وكتب المفكّر مالك بن نبي، المقام في القاعة الشرفية لقصر الثقافة مفدي زكرياء، وأبرز ما تمّ تسجيله في حوصلة المنتوج المعرفي والعلمي للمفكر العظيم المحتفى به، الأقوال العظيمة القيّمة المقتبسة من إصداراته، والتي عالج بها عدّة مسائل تنوّعت بين الثقافة والاقتصاد والسياسة والدين.. ركائز الجزائر المعرفية والثّقافية بالمناسبة، استشهدت وزيرة الثقافة والفنون في كلمتها بثلّة من علماء الجزائر الأجلاّء، الذين تركوا إرثا علميا ومعرفيا، ما يزال لغاية اليوم يرخي بظلاله في مختلف الاختصاصات مثل التعليم والأدب والفكر والعلوم، كما دعت إلى التنقيب والتّأمل والاستئناس بالمنجز الذي قدّموه، قائلة «ومن عبقرية هذه الأرض أنّها تلد أسماءها الثقيلة لتواجه متاهات المفاهيم وإكراهات العصر». وأضافت في سياق كلمتها، أنّ ارتباط اسم مالك بن نبي بمبادرة منتدى «مالك بن نبي ومسألة الثقافة و»البطولة الوطنية للقراءة»، «يحفّزنا جميعا لنسترجع رموزنا المغيبة من النّسيان ونضعها تحت الضّوء ونستنير بها»، وقالت «إن كان علينا أن نرعى في وزارة الثقافة والفنون الشأن الثقافي بكل تجلياته، فإنّ القراءة والكتاب ملتقى كل الثقافات وكل أوجه الثقافة، ولعلّكم تدركون أن بن نبي هو رجل القراءة بامتياز، فقد صقل موهبته وصاغ رؤيته إلى العالم، وقارب الثقافة والحضارة ومشكلات المجتمع عبر قراءاته الواسعة، واطلاعه الكبير على عالم الأفكار وتاريخها وفلسفتها». ومن جهتهم ثمّن كل من المدير العام للوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي عبد القادر بن دعماش والمدير العام للمكتبة الوطنية الدكتور منير بهادي وأوّل عميد لجامع الجزائر الشيخ محمد مأمون القاسمي الحسيني، جهود المنتدى والقائمين عليه، بما في ذلك المشاركين الذين أثروا مسامع الحضور بالمحطات الخالدة من مسيرة المفكر مالك بن نبي، ودعوا في سياق كلمتهم بالمناسبة طلبة العلم والباحثين إلى تقصّي سير وتراجم علماء الجزائر التي تزخر برجال عظام، وبهم تفتخر وتتأسّى بترسّبات فكرهم المنير الرابض بمقوّمات هويّتنا الوطنية الجزائرية. الثّقافة..البعد الغالب في الدّراسات الإنسانية شهد المنتدى الفكري مداخلات قيّمة لأساتذة وباحثين حوصلوا مسألة الثقافة لدى مالك بن نبي في إطار أكاديمي علمي، وفي هذا الصدد تساءل البروفيسور والأستاذ مولود عويمر في بداية مداخلته الموسومة ب «هاجس الثقافة عند مالك بن نبي»، إذا كان الإنسان كائنا ثقافيا قبل كل شيء؟ موضّحا إصرار المفكر مالك بن نبي على استحضار الثقافة في مراحل مختلفة من مساره العلمي، بهدف دراسة دور الانسان في التحولات الاجتماعية، وتحليل تفاعله مع حركة التاريخ، إلى جانب تحديد إسهامه في التراكم الحضاري، وهو دلالة واضحة على مكانتها المركزية في مشروعه الفكري، كما جاء على لسانه «كانت الثقافة حاضرة دائما في أعمال المفكر الجزائري مالك بن نبي (1973- 1905)، سواء في مؤلفاته الأولى مثل «شروط النهضة» و»مشكلة الثقافة» أو في كتاباته الأخيرة «إنتاج المستشرقين» و»مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي». وتحت عنوان «البعد الحضاري لمفهوم الثقافة حسب مالك بن نبي»، وردت مداخلة أستاذة الفلسفة بالمدرسة العليا للأساتذة، شيكو يمينة، لتسليط الضوء على قضية الثقافة والحضارة بالنسبة لفكر مالك بن نبي، قائلة «ينظر مفكّرنا للثقافة بنظرة وظيفية لا تقتصر على الجانب النظري، قصد التوصل إلى مفهوم فلسفي تجريدي بحث بعيدا عن الواقع، بل ضرورة ربطها بنظرة عملية فعالة، فتكون الثّقافة محدّدة بما تحرّكه من قوى الفرد في المجتمع». وتابعت: «إنّ مجتمعنا بالرغم من الرصيد الثقافي الذي يمتلكه، إلا أنه يفتقر إلى الفعالية وعنصر الإبداع، وكيفية استغلال وتطوير ثقافته». من جهته، ركّز مدير مخبر «مشكلات الحضارة والتاريخ في الجزائر» الأستاذ لخضر ميلود شريط على منطلق التأثر والتأثير للمعطيات التي جعلت المفكر مالك بن نبي ينهل من أصوله التراثي التي أثرت على تكوينه العلمي، كما قدّم في مداخلته خلاصة لمؤلفاته التي تحلّل مفهوم الثقافة، وتبين الفرق بين كلمة الثقافة والحضارة والعلم من بعد توجيهي فكري. الصّراع الفكري والرّؤى الاستشرافية من منظور بن نبي استنادا إلى تجليات العقل النقدي في فكر مالك بن نبي، تناول مدير المكتبة الوطنية الجزائرية منير بهادي في مضمون مداخلته «التّصوّرات العقلية والنقدية التي تفسّر الفكرة العلمية المستندة على المجتمع، وعملية تكوين الفكر الإبداعي»، موضّحا تجربة مالك بن نبي في البناء الفكري الخاص قائلا «تميّزت التجربة الفكرية بخصوصية الانفعالات من المنحنى الأحادي والرؤى المغلقة، التي وجهت الأنساق الفكرية إلى غاية العقد التاسع من القرن العشرين». وأضاف مؤكّدا «من البديهي النظر والعودة لنصوص الرؤية بصفة واضحة، والتي تبرز المسارات النقدية في مقارباته للمشكلات الفكرية والاجتماعية». وبالعودة للحضارة ومؤشّر التغيير، تأتي مداخلة الأستاذ والدكتور لعموري عليش لتحليل عوامل بناء الانسان وتحقيق مجتمع أفضل، بإعداد مجموعة مبادئ تؤسّس الرؤية الاستشرافية، التي أكّد فيها على قراءة مالك بن نبي، موضّحا «تداول عن مفكر الجزائر أنّه اعتمد على قراءة محاولات رجال النهضة والإصلاح من منطلق فقههم للمشكلات التي ظهرت وتفشّت في المجتمع الاسلامي، مع الاطّلاع على الحلول المناسبة التي وضعوها لإزالة آثارها السلبية، خاصة مكوناتها التاريخية والثقافية والسياسية». ومن جهته، نوّه الأستاذ المحاضر لقسم اللغة العربية وآدابها توفيق شابو في حديثه عن الانتاج الفكري والمعرفي، إلى أنه لا يمكن فصل المشروع الفكري لمفكّرنا عن إنتاجاته الفكرية والمعرفية، مشيرا إلى أنّها غدت تُشكّل ترابطا عضويا بين مؤلفاته وسجلاته الفكرية والسياسية التي مثلت في النهاية كمشروع فكري متكامل يتقصّى الشعوب العربية الإسلامية والأفريقية والأسيوية على حد سواء في معركة التحرر والبناء والنهضة». للإشارة، تمّ على غرار توزيع شهادات على المشاركين، تكريم الفائرين بالبطولة الوطنية للقراءة مالك بن نبي، حيث حاز حيضر العايب من ولاية سطيف على المرتبة الأولى، في حين افتكّت علي واعر مسعودة من ولاية الأغواط المرتبة الثانية، لتعود المرتبة الثالثة لسلاف عطابي من ولاية تيبازة، كما تمّ بالمناسبة الاحتفاء بالطفلة زعزعة ندى فادية، ممثّلة الجزائر في مسابقة تحدّي القراءة العربي بدبي، والطّفلة سجود رحاحلة رتاج، ممثّلة الجزائر في مسابقة إلقاء الشعر العربي بمصر.
