يعود مهرجان الشارقة إلى الواجهة بعد غياب عامين بسبب جائحة كورونا التي أوقفت حركة العالم من جميع الجوانب، حتى الثقافية منها، حيث اضطر المثقفون والأدباء إلى تعميق صلاتهم بالجانب الإلكتروني الذي يسد فراغا كبيرا، لكنه لا يغني عن الواقع لأن تلاقح التجارب يحتاج هذه الفعاليات المباشرة التي تبقى راسخة في وجدان كل مبدع يحضرها. كانت الدورة التاسعة عشر واعدة بالكثير من حيث وزن الأسماء الشعرية على الورق، وقد أوفت بعهودها حين استقبلتهم شارقة البهاء، ليضيفوا خارطة شعرية إلى خرائط الجمال المكتنزة بأحاسيسهم العذبة. تنوّعت المشاركات من جميع الدول العربية، حيث شارك الوفد الجزائري بتمثيل الشاعرين رابح فلاح وعبد الوهاب بوشنة والشاعرة الدكتورة حنين عمر والإعلامي المقيم في الإمارات سفيان بوطبة، وازدانت هذه الطبعة بحضور شعراء مميزين أمثال جاسم الصحيح، محمد عبد الباري، روضة الحاج، محمد عريج والشاعر المترجم التونسي آدم فتحي وشعراء شباب لهم أصواتهم الخاصة والمتفرّدة في عالم الكتابة، وهي لا شكّ فسيفساء تضيف للقصيدة العربية الشيء الكثير. واللافت أيضا في هذه الطبعة هو التواجد الإفريقي الكثيف للشعراء والإعلاميين وحتى المهتمين بالتراث والتاريخ والترجمة وغير الناطقين بالعربية. وقد صرّح رئيس بيت الشعر في ساحل العاج قائلا: «إن هذه المهرجانات هي جسر تواصل وبطاقة هوية تعرب بالثقافة العربية، وتختصر على غير الناطقين بالعربية جهودا كثيرة في تعلّم هذه الثقافة رغم صعوبتها وهو يجد في هذا لذاذة منقطعة النظير من خلال الارتواء من منابع البيان والأدب كالشعراء والنقاد». كما أطلق حاكم الشارقة هذا العام جائزة القوافي لأحسن قصيدة شعرية في الأعداد الماضية، حيث اختار بنفسه 12 قصيدة من مجلة القوافي لكل عدد، وكرمها تكريما لائقا في دارته العامرة مع إلقاء قصائدهم، إضافة إلى تكريم الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري والشاعر السعودي حسن الزهراني والشاعر المصري علاء جانب تكريما شرفيا وتكريم أحسن ثلاث أعمال نقدية هذا الموسم. وكانت فقرات المهرجان متنوعة ما بين جلسات نقدية في بيت الشعر وجولات سياحية إلى مدينة دبي، وأماسي شعرية امتدت على مدار ستة أيام، كانت خمسة منها في قصر الثقافة. شارك الشاعر الجزائري رابح فلاح في الأمسية الثانية منها والشاعر الجزائري عبد الوهاب بوشنة في الأمسية الخامسة، وقد أبرزا صوت الجزائر المتعدّد المخارج من تجربتيهما من خلال نصوصهما المقروءة التي تفاعل معها الجمهور، وأثنى عليها بحرارة ومتعة منقطعة النظير، كما كانت هناك ندوة إعلامية للدكتورة حنين عمر عن أبرز أهداف وتطلعات المهرجان، ثم إقامة الأمسية السادسة الختامية بمدينة خورفكان وزيارات لبعض المرافق مثل بيت الشعر المتميز بطابعه الأصيل من ناحية الهندسة والبناء، ودارة حاكم الشارقة التي حرص فيها بنفسه أن يُعرّف المشاركين على بعض إنجازاته والأوسمة والشهادات التي نالها من جامعات وهيئات عالمية كشخصية فاعلة ثقافيا. وكان من مفاجآت المهرجان اكتشاف مواهب إعلامية شابة مثل الإعلامي الإماراتي الصغير ذو الثانية عشر ربيعا خالد حسين الحمادي. ختاما يجدر الذكر أن بيت الشعر بالشارقة نال جائزة عبد الله الفيصل في نهاية العام الماضي كأحسن هيئة عربية تخدم الأدباء والمثقفين، وكمشروع فاعل في تحريك الهمم وبعث النشاط في معظم الدول العربية، ويتضح ذلك من خلال وجود فروع له في 13 دولة عربية منها مصر والسودان وموريتانيا وتونس وغيرها. ثم خرج المشاركون والمنظمون بتوصيات عديدة أهمها أن يستمر هذا المهرجان في التعريف بالأسماء الواعدة وربط جسور التواصل بين الشعوب والأجيال المبدعة لبعث الهوية العربية المتنوعة الجذور والمشارب في كل العالم.